أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور: الطيب التزيني.. فيلسوف العرب اللامع في القرن العشرين - مؤسسة دار إبن حبتور للعلوم و الثقافة و التوثيق الخيرية

أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور: الطيب التزيني.. فيلسوف العرب اللامع في القرن العشرين

غيب الموت قبل أيّام  المفكر العربي السوري الكبير البروفيسور/ طيب تزيني رحمة الله عليه عن عمرٍ يناهز الـ 85 عاماً (10 أغسطس 1934م — 18 مايو 2019م)، بعد عمرٍ طويلٍ حافلٍ بالعطاء والإنتاج الفلسفي الفكري اثمر عن إنتاج رؤيةٍ جديدةٍ  لفلسفة عروبية يسارية رصينةٍ أغنت بثراء المكتبة العربية والعالمية بنفائس علمية معرفية ستكون خالدة خلود الدهر، إذ مثّل أحد أعمدة الثقافة العربية اليسارية لأزيد من سبعة عقود من الزمان.


وفي مسيرته المعرفية الطويلة انتج العديد من المؤلفات والكتب الفكرية الفلسفية باللغتين العربية والألمانية وتم ترجمة عدد منها إلى عددٍ من اللغات الأجنبية، ويتم اليوم تدريس عددٍ من مقرراتها في العديد من الجامعات العربية والأوروبية وربما في غيرها من الجامعات، وقد اصبح الفيلسوف التزيني أحد ابرز أساتذة الفلسفة ذات المنهج العروبي اليساري في القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرون، وقد تم اختياره من قبل مؤسسة الفلسفة الألمانية الفرنسية في العام 1998م كواحدٍ من اهم 100 شخصية عالمية مفكرة بالقرن العشرين، نعم هو يستحق هذا التكريم الراقي بجدارة عالية لإسهاماته النظرية الفلسفية العميقة في التراث العلمي العربي وفي الفكر الإنساني برمته، إنها مكانة مرموقة يتوق ويسعى لبلوغ مراميها جُل الباحثين الجادين والمتميزين في الوسط البحثي الأكاديمي في جميع الاختصاصات العلمية، والمؤسسات العلمية الأوروبية لديها الاستقلالية النسبية و لديها مقاييس دقيقة موضوعية للاختيار لأنها مؤسسات مستقلة وتتمتع بشخصية ذات طابع مستقل في اتخاذ قرارٍ من هذا النوع وعادةً ما تتحمل مسؤولية قرارها بمفردها بعيداً عن وصاية الجهات الرسمية الحكومية، وبعيدين من تأثير مموليها، ولهذا جاء تصنيف البروفيسور التزيني باعتباره فيلسوف مرموق ومحترم على مستوى العالم اجمع، لأنه عميق في فكره الفلسفي وواسع الثراء في الإنتاج العلمي المُبدع، و إليكم أهم وابرز مؤلفاته الفلسفية على النحو الآتي:
الفكر العربي في بواكيره وآفاقه الأولى في 6 مجلدات.
مقدمات أولية في الإسلام المحمدي الباكر في 6 مجلدات أو أجزاء.
من التراث إلى الثورة – حول نظرية مقترحة في التراث العربي – 1976م.
مشروع رؤية جديدة للفكر العربي منذ بداياته حتى المرحلة المعاصرة 12 جزءا) –  1982م.
الفكر العربي في بواكيره وآفاقه الأولى، مشروع رؤية جديدة للفكر – 1982م.
من يهوه إلى الله” مشروع رؤية جديدة للفكر العربي – 1985م.
دراسات في الفكر الفلسفي في الشرق القديم – 1988م.
فصول في الفكر السياسي العربي – 1989م.
من الاستشراق الغربي إلى الاستغراب المغربي – بحث في القراءة الجابرية للفكر العربي وفي آفاقها التاريخية – 1996م.
من ثلاثية الفساد إلى قضايا المجتمع المدني – 2001م.
من اللاهوت إلى الفلسـفة العربية الوسيطة – 2005م.
و بالإضافة إلى مؤلفاته فقد كتب بعض الكتب بالاشتراك مع آخرين مثل الإسلام ومشكلات العصر الكبرى في عام 1998م مع بحثٍ لباحثٍ آخر، والإسلام والعصر: تحديات وآفاق، بالاشتراك مع محمد سعيد رمضان البوطي في العام نفسه.
كانت مشاربه الفكرية الفلسفية مستقاه ومستوحاه من الفكر اليساري الماركسي، والقومي العروبي (البعثي) ومن بيئته العربية الإسلامية و تجلى كل ذلك الزحام الفكري في أطروحاته وفكره وكتاباته العميقة، لقد دافع بموضوعيه العالم الغيور عن الثقافة العربية الإسلامية وأثبت أنها احدى مكونات الثقافة الإنسانية وجزء أصيل من التكوين الفلسفي الإنساني العالمي وليس خارج سياق تطور علم الفلسفة بأفقه الإنساني ولم يكن تطورها خارج السياق التراكمي للمعرفة الفلسفية العالمية بالمطلق، ورفض بالأدلة العلمية بشده فكرة أن (المركزية الأوروبية الغربية) هي من صنع وإنتاج الحضارة العالمية الممتدة من الحضارة الإغريقية وحتى عصر النهضة والتنوير، أي أنهم كانوا أساس كل المعارف، لأن الفكرة ببساطة كانت ذات سمة  عنصرية أوروبية مُخزية لا تتكئ النظرية على مداميك علمية صرفه وصحيحة، بل أنها تأتي ضمن سياق الهواجس العنصرية المقيتة لا غير،  والهدف والغاية منها هو التسويق غير الأخلاقي للفكرة العنصرية الأوروبية لبناء وتكوين سياسات الدول الاستعمارية لاحقاً للفكرة التي بدأت مُنذ زمن (الاستكشافات) الجغرافية للقارتين الأمريكيتين وسبر غور مجاهل قارة إفريقيا البكر واستباحة وغزو قارة آسيا المترامية الأطراف وصولاً إلى قارة أُستراليا المعزولة، هكذا استثمر المفكرون المتنفذون الأوروبيون صفاء العلم وبهاء الدين المسيحي لغزو واحتلال واستغلال الشعوب غير الأوروبية في جميع أصقاع العالم على قاعدة (مركزية أوروبا فكراً وقوة)، والفكرة هنا قامت وتأسست على مدرسة عنصرية مقيته أصلت وجذرت لفكرة التمييز العنصري للفلسفة الأوروبية، متجاهلة بذلك إسهامات الشعوب في الحضارات الإنسانية الأخرى كالحضارة المصرية الفرعونية والحضارة الصينية الكونفوشيوسية، والحضارة الهندية الهندوسية، والحضارة الشاهنشية الفارسية بعمقها الزرادشتية، والحضارة العربية ما قبل الديانات السماوية، والحضارة الإسلامية واسعة الانتشار والتأثير الثقافي والعلمي والمعرفي، وحضارة الهنود الحمر أصحاب الحق الأصلي للقارة الأمريكية قبل تشريدهم وإبادتهم من قبل الإنسان الأوروبي الأبيض.
كيف ستستقيم المعادلة هنا بمنطقها الرياضي والعقلاني والمنطقي بأن الحضارة الأوروبية المركزية التي يدّعون بأنها انطلقت من الحضارة الإغريقية (اليونانية) وهي بدأت تقريباً في (1200 — 800 ق.م — 146 ق.م) وانقطع وصلها الحضاري الأوروبي لزمن طويل جداً إلى أن جاء عصر النهضة والتنوير الأوروبي في القرن الرابع عشر الميلادي واستمرت حتى القرن السابع عشر المصاحبة للثورة الصناعية الإنجليزية، أين وكيف عاشت أوروبا بين الزمنين البعيدين؟ وهي عقود ليست بالقليلة!!!، كيف يتم تجاهل حضارة ما بين النهرين زمن حمورابي ونبوخذ نصر ووو ؟!، ولماذا يتم تناسي الحضارات اليمنية القديمة؟ وأبرزها سبأ وحِميَر وحضرموت وأوسان، ولازالت مسلة قتبان في عَبدان في ضاحية مدينة نصاب حاضره ومسلة النصر الكبير وعرش بلقيس اليمنية العظيمة شاهد على التاريخ الموثق، لماذا يتم تجاهل حضارة المايا والأزتك للهنود الحُمر والبوذية والهندوسية وغيرها.
كانت كل هذه المسارات من فلسفة التأريخ الإنساني مثار جدل ديالكتيكي عميق البحث والتنقيب من قبل الفيلسوف/ طيب تزييني في مواجهة التعصب الفلسفي الأوروبي، ولكنه بنهاية المطاف تم الاعتراف به وبفلسفته، وقد حازت مُعظم مقارباته وآرائه النظرية على احترام وتقدير الجامعات الأوروبية العريقة ذاتها، من هنا جاء تقدير الوسط العلمي لإسهاماته الفكرية النوعية الجادة.
لقد تشرفت شخصياً و باعتزاز كبير بلقاءات باذخه معه وكانت مناسبات هامة للحديث الودي والحواري في اكثر من قضية فكرية على صعيد الوطن العربي، حاورته بانبهار لافت بفكره العميق وثقافته الموسوعية، علاوة على لُطفه ودماثة خلقه الجميل، وكانت جميع الموضوعات مثمرة من تلك اللقاءات والحوارات والمناقشات، وكان مسرح تلك اللقاءات تقع في محطات ثلاث – في مدن عامرة مزدهرة – هي كالآتي:
اللقاء الأول :
كان في مدينة برلين عاصمة ألمانيا كُنت حينها طالباً للدراسات العليا وكان هو في زيارة علمية وعائلية لهذا البلد العريق.
 اللقاء الثاني :
كان في العاصمة السورية دمشق وهو الأستاذ المرموق في قسم الفلسفة بجامعة دمشق العريقة وكنت أنا في زيارة علمية للجامعة.
واللقاء الثالث :
كان في مدينة عدن العاصمة الشتوية للجمهورية اليمنية حينما عمل أستاذاً زائراً في جامعة عدن وقام بالإشراف العلمي التقويمي على برامج الدراسات العليا بالجامعة وحينها كنت أنا مسؤولاً بالجامعة.
كان الرجل عبارة عن موسوعة علمية فلسفية ثقافية كبيرة ومتنقله ما بين المؤسسات الأكاديمية و قاعات المحاضرات وحلقات النقاش (السيمنارات)، يصول ويجول في المنتديات الثقافية والمؤتمرات العلمية على مستوى العالم العربي والعالم، لأنه ببساطة مثل أيقونة الفلسفة العربية بامتياز، ثري المعرفة، عميق الفكر، ثابت في موقفه السياسي والفكري وله حضور طاغ في مجتمع المحيط الثقافي النوعي.
رحم الله فيلسوف العرب التزيني وألهم محبيه و مريديه وطلابه الصبر والسلوان، والله أعلم منا جميعاً.
وفوق كُلّ ذيِِ عِلمٍ عَلِيم


المصدر : رأي اليوم

ليست هناك تعليقات