حزب المؤتمر اليمني في ذكرى تأسيسه/ ا.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور / 17-8-2017
يُقاسُ نجاحُ أيَّة فكرةٍ سياسية تنظيمية نهضوية لأيَّة فئة اجتماعية شعبية في أي مكانٍ من بقاع الأرض بمدى اقترابها من ذلك الوسط الشعبي المُلتف حولها، والذي يتطلع إلى تحقيق آماله وأحلامه في الانعتاق الكلي من أوضاعه السياسية والاجتماعية والاقتصادية. والجماهير في الغالب تتطلع إلى رمزية الفكرة التي تُسلط حزمة ضوء على واقعها القائم، والانطلاق نحو فضاءاتٍ رَحْبَة تُحقق لها ذاتها انطلاقاً من تاريخها وواقعها والتطلُّع نحو صُنع مجدٍ وحياةٍ كريمةٍ للمستقبل.
فالجماهير عادةً ما تنظر في بداية الأمر لجاذبية الفكرة السياسية والثقافية بشكلٍ عفوي؛ بل إنَّها ترنو إلى بريقها بإعجاب وانبهار. ولكنها لا تنتظر طويلاً مستسلمةً لذلك البريق الصادر من حاملي مشاعل الفكر المُسوِّقين لها لُغةً وتعبيراً وخطابا. فهذه الجماهير لديها مقدرة فائقة على التمييز بين الفكر الحصيف الذي يقود إلى تحقيق المنجزات، وبين لغة الديماغوجيا التي تستهلك الشعارات ليس إلَّا وتقود الجماهير إلى المزيد من الكوارث.
من هنا انطلق المؤسس/ علي عبدالله صالح ونخبةً من السياسيين والمثقفين الكبار في بداية الثمانينات من القرن العشرين لتجسيد فكرة إنشاء وتأسيس حزب سياسي يمني وطني الهوى وحامل للهوية اليمنية الجامعة، ولا يقوم على ظاهرة الاستنساخ والنقل الميكانيكي لإنشاء الأحزاب التي راجت بضاعتها في ذلك الزمان، من قومية، أو يسارية متطرفة، أو دينية إسلاموية، أو أيٍّ من تلك الأحزاب العقائدية الجامدة، أكانت يساريةً أو يمينيةً بكل فروعها ومشتقاتها.
يتذكَّر القارئ -وهُنا الإبداع بكل تجليِّاته- أنَّه تم تأسيس حزب أشبه بجبهةٍ وطنيةٍ تستظل القوى السياسية بظلها الواحد، ولكنها تتعايش مع فكرة التعددية الثقافية، والطبقية، والجهوية، دون الوقوع في شرك وشباك (العقدة أو العقيدة التنظيمية) التي كانت سبباً مُهماً في تمزُق وتشظِّي الأحزاب اليمنية برُمَّتِها.
الكتلة الصلبة في ثقافة اليمنيين تنبع من هويتها الاجتماعية القبلية، والتي تم الحفاظ عليها لقرون من الزمان. لكنها تتماهى بحذر وثقة مع الاجتياح الجديد لمُعطيات الحداثة والعولمة وتقارب الثقافات؛ وهنا مكمن التَّضاد. لكن، ومن خلال قراءة متأنية لجهد الرعيل الأول من صُنَّاع فكر كتاب الميثاق الوطني، نَجِدَ أنهم جمعوا جمعاً مبدعاً وحصيفاً بين الثقافة المحافظة للكتلة الاجتماعية الأوسع والتقاليد المتوارثة والهوية العميقة المتأصِّلة للإسلام المتسامح، وبين الانفتاح الحذر على الجديد (المُعَولَم) الذي يخدم التنمية والنماء والتطور، وبذلك صعد ونشأ هذا الحزب.
أدَّى القائد الفرد في التاريخ الإنساني دوراً محورياً في تطور المشاريع السياسية والثقافية والتنموية، وفي حالاتٍ عديدة استطاع ذلك القائد أيَّاً كان أن يغيِّر مجرى التاريخ بالنسبة لأُمته وشعبه وفكرته. وهُنا في اليمن، وعلى مستوى بناء الدولة اليمنية الحديثة وتأسيس البناء التنظيمي لحزب المؤتمر الشعبي العام، كان الزعيم صالح قد ملأ المساحة باقتدارٍ وبراعة.
كانت الأوضاع ومعطياتها اليمنية معروفةً وموثقةً لدى من يفهم، وموثقةً في كُتب الإحصاء، في بدء عهده بالحُكم والتأسيس؛ وهي تشير إلى كون الدولة حينئذٍ منهارةً تتصارع عليها قوى قبلية وحزبية متناحرة وتُدار بتدخلات خارجية مُعلنة. وكانت علاقاتها الإقليمية والدولية مُعقدةً جداً، أي أنَّها معدومة الإرادة الوطنية. واستطاع بحِنكتِه المعروفة إخراج الجمهورية العربية اليمنية حينها من عُنقِ الزجاجة وشرع بالتهيئة التي نقلت اليمن إلى مصاف البلدان الديمقراطية الناشئة، مع حضور تنموي لافت لا تُخطئه العين المُبصرة.
في مثل لحظات الفرح المؤتمري هذه، بعيدهِ السنوي في شهرنا هذا، علينا أن نتذكر الهامات والقامات الكبيرة التي صنعت مُنجز بناء هذا الحزب العملاق. وفي مثل هذه المناسبات فإن كل من يحرص على ديناميكية التواصل مع المستقبل للحزب عليه أن يؤصِّله دائماً بالمؤسسين الأوائل، حتى مع من اختلفنا معهم في الجوانب التنظيمية، فهو تاريخ مجيد يجب الحفاظ عليه وتدوينه للأجيال.
قَدَرُ حزب المؤتمر الشعبي العام هو التصدِّي الدائم للمهام الوطنية الكبيرة؛ ولقد تَصَدَّى ويتصدى لتلك المهام الجليلة في مراحلَ متعددةٍ من التاريخ اليمني المعاصر. وها هو اليوم يشارك جماهير الشعب وقيادات وقواعد وجماهير أنصار الله في مقاومة العُدوان والاحتلال. ومع مرور الوقت تتعاظم عليه المسؤولية في الجبهات الآتية:
أولاً: الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية.
ثانياً: عليه مسؤولية المشاركة الواسعة في رفد الجبهات بأية إمكانات تجهيزية مع الصماصيم من الرجال البواسل.
ثالثاً: عليه رسم استراتيجية عملية وواضحة لتحرير المحافظات اليمنية الواقعة تحت الاحتلال السعودي الإماراتي، وتطهيرها من دنس الجماعات العميلة والمرتزقة وتنظيمات القاعدة وداعش.
إنَّ حزب المؤتمر الشعبي العام وزعيمه المؤسس/ علي عبدالله صالح، يمتلكان رصيداً شعبياً وأخلاقياً واسعاً من الإنجازات السياسية والثقافية والتنموية في مسيرته الكفاحية الممتدة منذ التأسيس، مروراً بإنجازه الكبير وهو تحقيق الوحدة اليمنية المباركة، والدفاع عنها وتثبيتها، وليس آخراً وقوفه اليوم هو وحلفاؤه مدافعاً ومقاوماً صُلباً عن اليمن العظيم ضد العُدوان البربري السعودي الإماراتي، بشراكة وطنية أخلاقية مع حركة أنصار الله وحلفائهم بقيادة القائد السيد الحبيب/ عبدالملك بدر الدين الحوثي.
التحالف الاستراتيجي بين الأنصار والمؤتمر تحالف رئيس وبالغ الأهمية على نحوٍ استثنائي، ويجب تطويره إلى شراكة أوسع في كل المجالات وفي التهيئة بالذات لما بعد انتهاء العُدوان؛ والله أعلمُ مِنَّا جميعاً.
﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾
www.raialyoum.com/index.php/حزب-المؤتمر-اليمني-في-ذكرى-تأسيسه/
أضف تعليق