التأثير اليوناني في النقد و البلاغة العربيين من منظور الدراسات العربية المعاصرة
التأثير اليوناني في النقد و البلاغة العربيين من منظور الدراسات العربية المعاصرة
المؤلف - د. رامي جميل سالم.
تعد قضية التأثير اليوناني عامة والأرسطي خاصة في النقد والبلاغة العربيين واحدة من أهم القضايا الشائكة التي نالت اهتماما بالغا عند النقاد والبلاغيين العرب وذلك بعد أن ثقلت كتب أرسطو وبخاصة كتابا الخطابة والشعر إلى الثقافة العربية وقد تفاوتت مواقف البلاغيين والنقاد العرب تجاهها فمنهم من قبلها وانتفع بها مثل الجاحظ وقدامة بن جعفر وغيرهم ومنهم من قابلها بالنفور والرفض مثل ابن قتيبة وابن الأثير وغيرهم الأمر الذي أحدث إشكالية في مسألة التأثير الأرسطي في النقد العربي القديم وأثارت الكثير من النقاش والجدل بين البلاغيين والنقاد العرب .
وقد تطورت هذه المسألة وتشعبت عندما وصلت إلى الباحثين المعاصرين لذا نالت جانبا كبيرا من اهتمامهم فدرسوها في كتبهم دراسة مستفيضة وقد تضاربت مواقفهم بين مقر بالتأثير وناف له إن أمر الاتصال بين العرب والثقافة اليونانية يكاد يكون من الأمور التي تجاوز حدود الجدل العلمي ولا تختلف عليه جل الدراسات التي تعرض لهذا الموضوع الشائك .
وجدير بالذكر أن الباحثين المعاصرين في اطلاعهم على الموروث العربي تنبهوا إلى وجود عناصر غير عربية فيه تنتمي في أغلبها إلى التراث اليوناني مما جعل من هذا الموضوع قضية ذات أهمية ملحوظة في كتبهم تناولوها من خلال جدلية التأثر والتأثير فامتلأت كتبهم بالحديث عنها ضمن دراسات جزئية أو مقالات مستقلة تحت عناوین مختلفة : فمن الأثر اليوناني إلى الحضور الهيلينستي إلى التأثير الأجنبي إلى الاتصال الثقافي .
وكانت الدراسات الاستشراقية أول من أثار مسالة التأثير اليوناني أما الدراسات العربية المعاصرة فقد وقفت على هذه المسألة عندما أشار بعض الباحثين المصرين أن البيان العربي نشا بتاثير من البيان الأرسطي وان أرسطو شکل تیارا بارز المعالم في خريطة النقد العربي القديم فظهر بحثان رائدان في مسألة التأثير الأرسطي :
الأول دراسة أمين الخولي : البلاغة العربية وأثر الفلسفة فيها ( 1931 )
والثاني دراسة طه حسين : تمهيد في البيان العربي من الجاحظ إلى عبد القاهر الذي قدمه للمؤتمر الثاني عشر للمستشرقين عام ( 1931 )
ومع ظهور هذين البحثين أصبحت مسالة التأثير الأرسطي في البيان العربي من المسائل المهمة عند الكثير من الباحثين المعاصرين ، الذين تأثروا بالدراسات الاستشرافية ويبحثي الخولي وطه حسين .
ومن اهم هذه الدراسات : دراسة إبراهيم سلامة : بلاغة أرسطو بين العرب واليونان ( 3 ) ودراسة شكري عياد : كتاب ارسطوطاليس في الشعر التي ألحق بها ترجمة حديثة ودراسة لتأثير الكتاب في البلاغة العربية ودراسة إحسان عباس : تاريخ النقد الأدبي عند العرب إذ بشير إشارات ذات أهمية إلى النقد العربي واليوناني ودراسة مجيد عبد الحميد ناجي : الأثر الإغريقي في البلاغة العربية من الجاحظ إلى ابن المعتز ودراسة صفوت الخطيب : نظرية حازم القرطاجني النقدية والجمالية في ضوء التأثيرات اليونانية حيث ناقش مسالة التاثير بشكل موسع ودقيق في الباب الأول من کتابه .
وقد بقيت مسألة التأثير تنال اهتمام الدارسين والباحثين المعاصرين في القرن الواحد والعشرين ومن هذه الدراسات : دراسة عباس إرحيلة : الأثر الأرسطي في النقد والبلاغة العربيين التي سعى فيها إلى تتبع العلاقات الممكنة بين التراث الأرسطي والتراث العربي في مجال النقد والبلاغة . ودراسة زياد الزعبي : المثاقفة و تحولات المصطلح دراسات في المصطلح النقدي عند العرب التي بحثت عملیات التأثر والتأثير بين الثقافتين العربية واليونانية ، وذلك من خلال قراءة مصطلحات نقدية وعربية تولد معظمها في سياق عمليات المثاقفة بين الإرث اليوناني والثقافة العربية .
ويعالج هذا الكتاب الدراسات العربية المعاصرة التي تناولت مسألة التأثير اليوناني في البلاغة العربية . محاولا الكشف عن مواقفها على حسب موقفها الرافض أو المؤيد لتلك المسألة إذ إن الدراسات انقسمت ثلاثة مواقف : الأول يرى أن التاثير اليوناني في البلاغة العربية شديد العمق وأنها أي : البلاغة العربية مدينة إلى فلسفة أرسطو في نضوجها واكتمالها ومن هذه الدراسات : دراسة طه حسين البيان العربي من الجاحظ إلى عبد القاهرة ودراسة أمين الخولي البلافة العربية وأثر الفلسفة فيها . لقد شكلت الدراستان حجر الأساس الذي فتح الباب على مصراعيه في مسالة تاثير الفكر اليوناني في الثقافة العربية وقد نظرت هاتان الدراستان إلى ارسطو على أنه المعلم الأول للبلاغيين ودراسة إبراهيم سلامة بلاغة أرسطو بين العرب واليونان . ودراسة شكري عياد " كتاب أرسطو طاليس في الشعر ودراسة محمد خلف الله الحمد من الوجهة النفسية في دراسة الأدب ونقده . وغيرها من الدراسات التي جعلت البحث عن الأثر اليوناني جل اهتمامها ...الخ
أضف تعليق