أصاب ماكرون وأخطأ علماء المسلمين
أصاب ماكرون وأخطأ علماء المسلمين
أثار تصريح الرئيس الفرنسي "عمانوئيل ماكرون" حول الإسلام، وصلته بالجمهورية الفرنسية، يوم الجمعة الثاني من أكتوبر لعام 2020م، كثيرا من ردود الأفعال لدى المؤسسات الرسمية الإسلامية، وشبه الرسمية؛ ونخص بالذكر مؤسسة الأزهر في مصر، والاتحاد العالمي، لمن يُسمُّون أنفسهم علماء المسلمين، اللذيْن لم يتوانيا عن الرد في يوم السبت الذي يلي الحدث.
ونحن نرى أنه لا بد من تناول بعض التفاصيل، من أجل رفع اللبس الذي يُعمل على ترسيخه منذ عقود، إن لم نقل منذ قرون. وعلى عادتنا، فإننا نحب أن يكون ذلك في مجموعة نقط محددة، يسهل على المتتبع إدراكها واستذكارها؛ فنقول، وبالله التوفيق:
1. إن من أصول ديننا (الإسلام)، أن نشهد للمُحق في كلامه، من دون نظر إلى انتمائه الديني أو العرقي؛ لذلك، فنحن لا نتحرج من موافقة "ماكرون"، في كثير مما قاله. وسنُبيّن مواطن تلاقينا معه، ومواطن اختلافنا، من غير خيانة لأنفسنا، أو لأحد غيرنا.
2. عندما تكلم "ماكرون"، فإنه تكلم من مـُنطلق منصبه؛ وهو ما يُعطيه الحق في المحافظة على الجمهورية الفرنسية، وعلى نظامها. ولا ينبغي لنا أن نُلزم أحدا، بما لم نلتزم به في بلداننا!... ونعني من هذا، أننا لا ننتظر من ماكرون، أن يحكم في بلاده بمبادئ الشريعة الإسلامية، التي لا نجرؤ نحن على المجاهرة بالمطالبة بها في بلداننا، التي هي بلدان الإسلام الأصلية!...
3. إن محافظة المسلمين، على البلدان غير المسلمة التي استضافتهم، هي من مبادئ الإسلام الكبرى؛ عملا بقول الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ . إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة: 8، 9]. ورغم أن فرنسا قد ظلمت المسلمين إبان استعمارها لبلادهم، وإبان مساندتها للأنظمة الظالمة بعد خروجها؛ فإن صفة إخراج المسلمين من ديارهم، إلى بلاد المهجر ومن بينها فرنسا، هي تنطبق على أنظمتنا، لا على غيرها. ومَن فَقه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ، لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ!»[أخرجه الترمذي عن أبي سعيد الخدري]، فإنه سيعلم أنه يعُمّ الكافر والمؤمن. وبذلك، فإن من لا يشكر الدولة الفرنسية، من أبناء الجاليات المسلمة هناك، لا يكون من الشاكرين لله. ومن جملة شكر الدول المضيفة، الحفاظ على أمنها، وعلى نظاميْها: الاجتماعي والسياسي. ولا ينبغي لمن ذاقوا طعم العدالة الأوروبية (والغربية عموما)، ولمن ذاقوا "حقوق الإنسان"، من أبناء الجالية المسلمة، أن يتنكروا لها في محلِّها، وأن يزعموا لأنفسهم مثل ذلك أو أكثر منه؛ بل ما يشابهه بعض شبه؛ في بلدانهم الأصلية!... وكل من يفعل ذلك، فإنه يكون مغالطا لنفسه، ولغيره من الناس.
4. لا يقولنّ أحد إن المسلمين في فرنسا فرنسيون كلهم، لأننا نعلم أن التجنيس لا يُغيّر من هوية المتجنسين إلا قليلا. ولولا هذه الحقيقة، لما حدث ما يحدث منذ عقود، بين أبناء المهاجرين ودولتهم. وكما أن فرنسا نفسها لم تُدرك عواقب التجنيس؛ فإن المـُجنسين أيضا، توهموا أن يجدوا في البلد الجديد، بديلا عن بلدانهم الطاردة لهم ولآبائهم قبلهم، عن طريق الإفقار والتجاهل. ولا فرق فيما نقول بين الجيل الأول من المهاجرين والأجيال الجديدة، بالنظر إلى جوهر المسألة؛ كما لا يُمكن للجانب القانوني وحده أن يكون حلا جذريا لها.
5. إن عبارة ماكرون: "إن الإسلام يوجد في أزمة، في العالم كله!"، وإن كنا لا نوافقه على ألفاظها؛ لا تخلو من صواب. ولقد كان الأجدر به قول: "إن تديّن المسلمين في أزمة، في العالم كله!". ولقد مضى علينا أكثر من عَقديْن من الزمان، ونحن ننادي في أمة الإسلام بهذه الحقيقة؛ ولم نجد من أهل الدين المترسمين، إلا الصدود والمكابرة. ويشهد الله، أننا لا نشترط في ذلك اتباعنا؛ بل كنا نقنع بعودة إخواننا إلى الحق الذي تَرَكنا عليه نبينا صلى الله عليه وآله وسلم. وعلى هذا، فإننا نؤكد على معنى عبارة الرئيس ماكرون، من غير مس بالإسلام الحق؛ ونهيب بإخواننا أن يعملوا بها، من باب قول بعض السلف: "خذوها من غير فقيه!".
6. إنّ تنبُّه الرئيس الفرنسي، وعموم النخبة الفرنسية، إلى ضرر التياريْن: السلفي والإخواني، على الدولة الفرنسية، وعلى الدول الغربية كلها، كان ينبغي أن يأتي في وقت أبكر. بل نحن لا نبرئ الحكومات الغربية، من استغلالها للتّيّاريْن المذكوريْن، محليا (في بلدان المسلمين)، وعالميا (في بؤر التوتر)؛ وهكذا، فإننا نقول لها: ذوقي الكأس التي سقيت منها البلدان المسلمة قبل سنوات... ولسنا نقول هذا من باب التشفي -ونحن بحمد الله أبعد الناس عن ذلك- ولكن نقوله، من باب إلحاق المحاسبة بالمسؤولية، كما يعلمه الغربيون ويتشدقون به!...
7. إن منع ماكرون للمساجد والجمعيات الإسلامية، من التمويل الخارجي، قد جاء هو أيضا متأخرا. وذلك لأنه لا يليق ببلد "متقدم" كفرنسا، أن يترك بلدانا متخلفة، تعبث بسياسته الداخلية، عن طريق التمويل. ونحن نعلم أن الغرض من ذلك لدى الممولين، هو الإبقاء على عقول المسلمين هناك، ضمن السجون العقدية والفقهية، التي يخافون أن تُنقض عليهم من الخارج، ومن قِبل أبناء الجالية الإسلامية إن هي تنوّرت. ولا نعني من التنوُّر هنا، إلا إزاحة الأقفال عن القلوب، كما نبه إلى ذلك الله تعالى بقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ . أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 23 - 25]. وإننا بموافقة الدولة الفرنسية، على قطع الإمداد عن المؤسسات المشبوهة، لا نروم إلا الحفاظ على عقول المسلمين في بلاد المهجر، وعلى أمن تلك البلاد واستقرارها.
8. إن دعوة ماكرون إلى إسلام زمام تديُّن المسلمين الفرنسيين، إلى علماء المسلمين من الفرنسيين، هو من أصول الفقه لدينا؛ لأن الفقيه الدال على أحكام الشرع، ينبغي أن يكون من أهل البلد، ومن الخبراء بأحوالها وأعرافها. نقول هذا، ونحن ندعو منذ مدة إلى فقه عولمي مشترك؛ نرى أنه يكون المرحلة التالية لاستقلال البلدان الغربية في فقهها. ولو أننا رأينا فقهاءنا على خير، ما حذرنا منهم المسلمين في العالم كله، وحذرنا الدول الغربية على الخصوص. ونحن نعلم من علماء الفرنسيين أشخاصا، نعدّهم قريبين من تحقيق الغرض المنشود، نسأل الله لهم التوفيق والسداد. ولولا خوفنا من حجر الواسع، لذكرنا بعض الأسماء، ممن نرى لهم الكفاءة المناسبة. ونحن نبغي من إعانة فرنسا، على أخذ أمرها بيدها، قطع امتدادات الفساد الذي نعاني منه في بلداننا، والذي يتغذى على إنجازاته هناك.
9. إن قيام مؤسسة الأزهر، وما يُسمّى "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، لمواجهة ماكرون، ليس من قبيل الدفاع عن الإسلام؛ وإنما هو إما دفاع عن مؤسسات رسمية، تقتات على التديُّن الميت؛ أو هو دفاع عن توجه تيّار "الإسلام السياسي" الفاسق عن أصل الدين. وعلى هذا، فينبغي أن يتنبه عموم المسلمين إلى هذه الخطابات المضللة، وأن يقيسوا أحوال أصحابها بما سنذكره هنا:
ا. ما مدى عمل الأزهر، على تحكيم الشريعة الإسلامية في مصر؟... وكم من مرة وافق الأزهر النظام الحاكم في مخالفة صريحة لأحكامها؟... فهل يُمكن أن يدافع المرء عن دينه في الخارج، مع خذلانه له في الداخل؟!...
ب. ما مدى عمل الأزهر على تجديد الفقه؟... إن كان حقا يعمل من أجل المسلمين؟!...
ج. ما مدى عجز الأزهر، أمام تيّار الإسلام السياسي الضال؟... وفي المقابل، كم تُرك الشعب المصريّ (والمسلمون عموما) نُهبة لأقاويل الجهلة والمـُغرضين؛ وكأنه هو من ينبغي له التصدي لما هو من شأن العلماء وحدهم!...
د. ما مدى إصرار الجماعات الإخوانية، على ضلالها، رغم نُصح الناصحين؟!... وكأن الدين محوره الحكم، لا عبادة رب العالمين؟!...
ه. كم عدد القيادات المنافقة، التي تتولى توجيه المسلمين؟!... وما مدى السكوت عليها من قِبل الفقهاء الرسميين؟!...
و. ما مدى بدوِّ نتائج مخالفة الشريعة لدى المسلمين في بلداننا؟!... ومع ذلك، تصر الشعوب ونُخبها "العلمية"، على المـُضيِّ في النهج نفسه؛ في مخالفة صريحة، للعقل وللدين؟!... وكيف يكون المستهين بدينه في بلده، مدافعا عنه في البلدان الغربية؟!... أم يريد هؤلاء المتخلفون، تصدير أزماتهم إلى غيرهم؟!...
ز. ما مدى جاهزية المسلمين للمواجهة الحضارية؟!... وهم من انقطعوا عن دينهم منذ قرون!... ونحن هنا نفرق بين الدين والتديّن الأجوف الذي يبغي بعضهم إخفاءه عن النظر، عن طريق رفع صوت التعصب والهمجية...
لذلك، فنحن ندعو الشعوب المسلمة، قبل الدول الغربية، إلى عدم اعتبار فتاوى الأزهر، وفتاوى "الاتحاد العالمي"، اللذيْن هما مظهران من مظاهر أزمة تديُّن المسلمين العامة؛ لأنها (الفتاوى) مخالفة في أصلها للشريعة الإسلامية؛ وهي: إما تخدم أجندات أجنبية عن الإسلام والمسلمين، وإما صادرة عن جهة جاهلة بالإسلام؛ لذلك فالسكوت في هذه الحال يكون أولى من الكلام.
10. نحن ندعو الجالية المسلمة في بلدان المهجر، إلى نبذ التيّاريْن الإخواني والسلفي (الوهابي)، وإلى العودة إلى أصل الإسلام المحمدي. ونخبرهم، بأن ما يتوهّمون أنه نشر للإسلام هناك، بهذا الأسلوب المرتبك، هو حرب عليه في الحقيقة؛ سواء أعلموا، أم لم يعلموا. ونؤكد لهم، أن عدوّهم ليس بلدان المهجر؛ ولكن هو جهلهم بدينهم، وبطريقة عيشه هناك.
11. ندعو الدول الغربية، التي لا نَكْذبها الحديث، عندما نحكم عليها بالكفر في كلامنا؛ إلى فهم الإسلام على وجهه الحقيقي، والذي من أُسسه:
ا. حرمة إكراه الناس من قِبلنا على الإسلام، بجميع الوسائل المباشرة وغير المباشرة.
ب. وجوب اعتبار دين اليهود والنصارى، ووجوب توفير الحماية لهم في بلداننا: الحماية المادية والمعنوية. وهذا يعني أننا إن كنا في بلدانهم، فاعتبارنا لهم ينبغي أن يكون أكبر وأظهر. ونحن نقول هذا، لأن العلمانية في البلدان الغربية، ليست مطلقة؛ ولا هي استطاعت سلخ الناس عن النصرانية بالتمام، كما تزعم.
ج. وجوب التزام المسلمين بالمعاهدات مع الدول الكافرة، ما دامت هي ملتزمة بها، وما دامت لا تُخالف أصلا من أصول شريعتنا.
وفي الختام، ليسمح لنا إخواننا في الدين الذين خالفناهم الرأي؛ وليسمح لنا إخواننا من غير المسلمين الذين وافقناهم في بعضه؛ أن ندعوهم إلى ما يجمعهم على الخير العام، وإلى أن ينبذوا الخلافات السطحية المحرَّفة؛ وأن يتخلّصوا من فعل التوجيه المـُغرض، الذي لا يخدم إلا أنصار الخراب والدمار...
المصدر - العمري للتجديد الصوفي
أضف تعليق