غُرير دخلت التاريخ أ.د. عبد العزيز صالح بن حبتور | 01-03-2016م
غُرير دخلت التاريخ أ.د. عبد العزيز صالح بن حبتور | 01-03-2016م
مقال نُشر بتاريخ : 01-03-2016م
تناقلت معظم وسائل الإعلام العربية واليمنية المهتمة بنقل أخبار الحرب على اليمن بخبر هام وإستثنائي صباح يوم الاثنين بالساعة الحادية عشر وعشرين دقيقة –بتاريخ 29/2/2016م ومفاده الآتي :
وأخيراً دخلت قرية غُرير /بغيل حبان / مديرية الروضة / محافظة شبوه كطرف بالحرب الدائرة من قبل دول التحالف بقيادة السعودية ضد اليمن ، إذ قامت مقاتلات التحالف بقصف وتدمير جسر غُرير الحيوي الذي لا يتعدى طوله اثنى عشر متراً وعرضه لا يتعدى سبعة أمتار و ارتفاعه أحد عشر متراً ونصف ولكنه في أهميته الإستثنائية بأهمية إحدى فِقرات العمود الفقري للإنسان ، ولأن هذه القرية أصبحت مهمة إستراتيجياً لدى دول الحلف صرح العميد/ أحمد حسن عسيري ، والناطق الحربي لدول التحالف إذ قال في تصريحه العسكري بان طائراتهم المُغيرة على قرية غرير استهدف جسرها الإستراتيجي الذي تعبر عليه التعزيزات اللوجستية لقوات مليشيا الحوثي وعفاش المتواجدة شمال محافظة شبوه ، مديرية بيحان والتي تبعد قرابة 280 كم تقريباً٠ إلى هنا وانتهى الخبر الذي أوردته وسائل إعلام دول التحالف على اليمن .
كنت مشغولاً في اجتماعات متواصلة في العاصمة صنعاء ورن الهاتف مراراً وإذا بالعديد من الأهل وهم من الأعمام والاخوة والأبناء وحتى الأحفاد يكررون إبلاغي بهذا الخبر المفاجئ الذي تحول إلى صدمة مرعبة لدى الأهالي من النساء والأطفال والكهول ، وقال لي احد الأعمام مازحاً لقد دخلت غُرير من هذه اللحظة بوابة التاريخ من خلال قصف جسرها الحيوي الرابط بين حضرموت وشبوه وأبين ومأرب والبيضاء، وهذه طُرفة طريفة ومحزنة ان يتم ضم القرية إلى قائمة بنك الأهداف العسكرية لدول التحالف مع انها بعيدةٍ عن جبهة المواجهات العسكرية وهي خاليةٍ من الإرهابيين بصنوفهم والامر لا يستدعي كل هذا العنترية التدميرية المفرطة
وهنا أسوق للقارئ اللبيب معلومات عامة عن غُرير وجسرها المُعتدى عليه ، فالجسر بُني مُنذ مطلع السبعينات من القرن العشرين من قبل الاصدقاء الصينيين جزاهم الله خير الجزاء ، والقرية متوسطة المساحة والسكان فهي تبعد عن مدينة عتق حاضرة محافظة شبوه ب 66 كم ويصل عدد سكانها قرابة 1500 إنسان ويعتمد أهلها في معيشتهم على العمل بالوظائف الحكومية والخاصة والزراعة ولان جيل لابأس به من ابنائها تأهلوا علمياً بالجامعات اليمنية والعربية والأجنبية فقد إحترفوا مهن نوعية كالطب والهندسة و الاقتصاد والقانون ، ومنهم من إستحين العيش بالهجرة للعالم الخارجي فسافر طلائعهم منذ ما يقارب قرن ونيف من الزمان ، إذ هاجر ابنائها إلى كلٍ من اندونيسيا وماليزيا وإثيوبيا وأريتيريا والهند والصومال ودول الجزيرة العربية كالسعودية والإمارات وعُمان والكويت ، كذلك هاجر العديد من ابنائها لطلب العلم إلى دول اجنبية وعربية ، وبرز عددٍ من ابنائها من زمن مُبكر في مجال التجارة بأنواعها ، وقدمت القرية عددٍ من ابنائها شهداء في زمن اليمن الجنوبي مقاومين للفكر الشمولي الاستئصالي المتعصب للجبهة القومية والحزب الإشتراكي اليمني آنذاك ٠
تقع غُرير على ضفتي غيل حبان ووادي غُرير الذي بني الجسر عليه وهو موضوع حديثنا اليوم .. تشتهر غُرير وغيل حبان عموماً بتُربةٍ طينيةٍ خصبة تُزرع فيها مُختلف انواع الحبوب كالقمح والبر والذرة الحمراء والدخن (المسيبلي) والكنب الأسمر ، كما تشتهر بزراعة اجود انواع التمور الطيبة كالسقطري والعزاني والجذور والبقول والبرني وفي زمن الانفتاح ما بعد الوحدة اليمنية المباركة أُدخلت زراعة انواعٍ جديدةٍ من النخيل كالبرحي ، والسكري ، الخلاص ، الروثانا والنخيل العراقي بأنواعه ٠كما تشتهر بزراعة انواع من الأشجار المثمرة المُعمرة كالمانجو بأنواعه ، الليمون ، الكادونيا ، والكريسا ، إلينقدنيا ، العباسي وأشجار الجامبو .
بداء التعليم بالمنطقة في المدرسة التقليدية ( الكتاتيب ) مُنذ أربعة قرون ونيف تقريباً ( كتاب الإبريز في كتاب الله العزيز للعلامه الشيخ محمد بن عبدالقادر الإسرائيلي الحباني ، والمتوفي عام 1607م الموافق 1015هجري ) اما في المرحلة الأخيرة فالتقارير الموثقة ترجعها إلى الأربعينيات من القرن العشرين وكان بإشراف ورعاية الأسرة الهاشمية الكريمة على يد الحبيب / أحمد بن محسن الجُنيدي أبي حامد وأخوته رحمة الله عليهم وقبلها أهله الكرام واستمروا في أداء رسالتهم السامية في تعليم وتحفيظ القرآن الكريم وأصول الفقه والحديث واللغة ، وكانت أسرة مباركة حملت رسالة العلم والخير معاً في غيل حبان والروضة وحتى منطقة عزان ، وانطلق التعليم النظامي الرسمي بالقرية والغيل عموماً مُنذ العام 1964م أي في مرحلة الإستعمار البريطاني ، واليوم أصبح النظام التعليمي ممتد من التعليم الأساسي وحتى المرحلة الثانوية بمباني حديثة بُنيت على موازنة الدولة وبُني بها مدرسة موازية لتعليم الفتاة من المرحلة الأساسية وحتى المرحلة الثانوية ولكنها لأسباب بيروقراطية مركزية لم يُستكمل البناء .
ما جعلني استطرد في التعريف بقريتنا غُرير الوادعة ، ذلك الصاروخ الغازي الذي دمر جسرنا الحيوي ، وزلزل معها ذكرياتنا الجميلة القادمة من زمن طفولتنا وشبابنا واستذكرنا أحداثاً وشخوصاً ظلت حية في وجداننا برغم مرور ما يزيد عن أربعين عاماً ، وكان هذا الجسر شاهد حي في عبور أحلامنا وطموحاتنا المسافرة عبره إلى فضاء أرحب لعوالم مثيرة ومُبهجة في غالب الأحيان ماذا ترك وسيترك الحدث من أثرٍ في قادم الأيام ؟؟؟
أولاً : سيترك هذ التدمير أثرٍ سلبي في جوانبه الإقتصادية والإجتماعية والنفسية على أهلنا بالمنطقة لسنوات قادمه ٠
ثانياً : سيتذكر الأهالي هذا الحدث لأجيال عديده قادمة باعتباره حَدَث إستثنائي يحدث لأول مرة في تاريخ القرية وسيتم توثيق الحدث بالصوت والصورة في سجلات الأسر وطلاب المدارس والمؤرخين ٠
ثالثاً : كنت أسمع بعض الحِكم والأمثله يرددها أبي الحاج / صالح بن أحمد بن حبتور رحمة الله عليه في مرحلة صبانا وهو يقول (حينما تندلع شرارة الحرب في مصر يا رب جنبنا حرائقها) ، تصوروا والحرب الإفتراضية تحدث في مصر ، والناس هنا يستنجدون بالله وحده لتجنيبهم ضررها وأثارها المدمرة ، فكيف وبالحرب تدور رحاها في شبوه ومأرب وعدن وصنعاء وتعز اي في معظم مدن اليمن ٠
رابعاً : الحرب والصراع الدائراليوم في اليمن ليست حرب الشمال ضد الجنوب أو العكس ولكن في أزمنة الحروب يتم خلط أوراق اللعبة بخبث ، ويتم تجنيد كل وسائل الإعلام للمغالطة وقلب المعطيات والوقائع وهنا يذهب ضحيتها الأكثرية من البسطاء الذين يرددون تلك المعلومات المفبركة ، ويتحولون إلى ضحايا ذلك الإعلام المسموم ٠
خامساً : الحدث هو عدوان بواح على جسر صغير في قريتنا وتحكي قصة موثقة في يوميات الحرب العدوانية على اليمن منذ الصاروخ الأول على العاصمة صنعاء وحتى صارخ غُرير "التاريخي" وما بعدها ، والهدف هو تذكيرنا بعدد الجسور المُدمّرة باليمن التي تجاوزت الخمس مائة جسر على طول اليمن وعرضها ٠
سادساً : وهي رسالة بليغة لمن قال من شبابنا ذات يوم شكراً (سلمان) ، وشكراً إمارات (آل نهيان) ، وشكراً قطر (إخوان موزه) وشكراً لبقية الدول التي تحالفت لمحاولة تركيع اليمن أرضاً وانساناً ، نقول لهم جسر غُرير المُهشم أضحى شاهداً رمزياً عليكم وعلى مواقفكم غير السوية ، ورسالتي لهؤلاء الشاكرين لمن أعتدى على وطنهم بان مراجعة النفس والمواقف الذاتية الخاطئة تعد فضيلة إسلامية محمودة وجزء أصيل من تراثنا الإسلامي الحنيف ٠
سابعاً : تم قصف القرية والجسر في تاريخ 29/2/2016م ، لا ادري هل تم تحديد هذا التاريخ بعناية باعتباره تاريخ لا يتكرر إلا كل أربعة أعوام باعتبارها سنة كبيسه !!! وهو يوم غير مبروك كما يتقول ويتنبأ المنجمون في عددٍ من بلدان العالم ، وهذا الامر ينسحب على السؤال الأهم من سيعوض الأهالي الذين تضررت منازلهم الشخصية جراء هذا التدمير ؟ وعلى كل من ناصر وآزر دول التحالف ضد اليمن أن يرفع صوته الآن لقادة بلدان التحالف برفع الشعار الآتي : إلى متى هذا التدمير المُفرط لشعب مسالم جار ، والآن حان الحساب والتعويض ياسلمااااااااان ، واليمني سيصبر ولكنه لن ينسى العدوان.
انني أتضامن إنسانياً ووجدانياً مع قريتي غُرير وأهلها الكرام وأقول لهم صبراً جميلاً على ما حدث ، واذكرهم بان إخوانهم في كل اليمن عانوا ويعانوا مُنذ أشهر من صلف و وحشية العدوان من أشقائهم من الأعراب بقيادة المملكة العربية السعودية .
والله من وراء القصـد ،،،


أضف تعليق