ماهي المسؤولية الأخلاقية للدول "المتحضرة" تجاه العدوان على اليمن؟ أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور | 02-04-2016م
ماهي المسؤولية الأخلاقية للدول "المتحضرة" تجاه العدوان على اليمن؟
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور | 02-04-2016م
مقـال نُشـر بتاريخ : 02-04-2016م
تابع العالم باهتمام بالغ وخوف شديد جراء سماع دوي الانفجارات والتفجيرات الإرهابية التي وقعت بتاريخ 22مارس2016م في مدينة بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي، وعاصمة بلجيكا بطبيعة الحال، وقبلها تابعنا معاً بذهول الاعمال الإرهابية في :
باريس 13 نوفمبر 2015 م
لندن 7 يوليو 2005م
مدريد 2004م
تدمير برجي التجارة العالمية (بنيويورك 11 سبتمبر 2001م)
اليمانيون لم يتابعوا كمتفرجين على هذه الدراما الكونية المُرعبة بل أدانوها بأشـد العـبارات وأقوى المواقف على المستويين الرسمي والشعبي، لأنها اعمال منافية للدين والاخلاق والفعل الإنساني، نعم هي اعمال مدانة لأنها لا تَمت بصله لديننا الاسلامي الحنيف البته، وتاريخ الاٍرهاب طويل في قاموس التجارب الانسانية، لأنها مرتبطة بفكرة ضيقة، متشددة ومتعصبة لا ترى في الآخر سوى الشك والريبة والحقد والكراهية، والديانات السماوية كلها ترفض هذه الصفات والسلوكيات جملة وتفصيلا، والفكر الإنساني كله قائم على مبدأ التعايش والتآخي والعيش المشترك وتبادل المصالح كما تحدده الشرائع السماوية والوضعية .
لكن ظهرت شخوص وأحداث في تاريخ البشرية، لها خصوصيتها، إذ جاؤوا قادة أشرار لن يغفر لهم التاريخ افعالهم القبيحة أمثال نيرون الذي دمر روما (عام 64م)، النازي أدولف هتلر (1939– 1945م) الذي دمر أوروبا وألمانيا بمشاركة حليفه الفاشي/ موسوليني (1939– 1945م) ، وبول بوت (عام 1976– 1979م) الذي أباد جزء من شعبه الكمبوتشي ، و أغستو بيونشيه (1937 – 1990م) في تشيلي، والإرهابيون الصهاينة/ مناحيم بيجِن و شامير و أرائيل شارون (تاريخهم البشع هو عمر تاريخ الكيان الصهيوني) الذي أبادوا جزء من اهلنا بفلسطين واستوطنوا الأرض ونكلوا بالفلسطينيين، وجورج بوش الابن ( في عام 2003م ) الذي دمر أهلنا بالعراق العظيم بمساعدة دول الخليج العربي للأسف ، هؤلاء خلدهم التاريخ باعتبارهم مجرمين تلاحقهم اللعنات إلى يوم القيامة، الا ترون معي كم من قادة دول العدوان على اليمن سيلحقون بهذا الطابور من مجرمي الحرب بالعالم ؟ .
وهناك مثقفون ومفكرون ساهموا في تبرير قتل الانسان للإنسان مُنذ كتابات (نيقولا ميكافيلي) مروراً (بجوبلز) وحتى آخر المفسبكين الذين يزينون للشيطان افعاله، وللعدوان جرائمه، وللعملاء من السياسيين عمالتهم، وانحطاطهم السياسي والإنساني، هؤلاء موجودون في كل زمان ومكان مثقفين وكتاب لا يطيب لهم المقام الا على موائد القتلة والمجرمين ويسامرون شياطين سلاطينهم، ويحولون ثقافتهم وكتاباتهم إلى سلعة رخيصة تُباع وتُشترى في ( المولات والدكاكين ) إلى جانب أطقم الماكياج والأحذية ذات الماركات العالمية .
لكنني أتوقع كما هي السلعة مهما أجاد صانعها في صناعتها بجودة عالة لكنها تُستهلك وترمى في نهاية المشوار إلى مكب القمامة والزبالات، لأنها بضاعة مؤقتة الاستعمال والاستهلاك، اما الأفكار المرتبطة بالانسان والدفاع عن كرامته وإنسانيته، فهي بطبيعة الحال تبقى فكرة نيره وتشع كوهج الضوء قادمة من عظمة التاريخ تنير لنا الدروب الحالكة في لحظاتنا الموجعة، وتشبه إلى حدٍ بعيد ذرات الأوكسجين التي لا غنى عنها ونحتاج اليها في كل زمان ومكان، وهنا يظهر البون الشاسع بين المفردات والمعاني .
للأسف نشاهد اليوم في عالمنا ( المتحضر ) دول ومنظمات حكومية وأهلية شعبية، تشاهد هذا النزيف الإنساني هنا وهنا ولا تحرك ساكن ولا حتى تذرف الدموع من باب المجاملة او التعاطف الإنساني الطبيعي، وكأن من يموتون ليسو بشر من صنف البشر في هذه الدول ( المتحضرة ) وأنما مجرد أرقام تُنشر من باب الإحصاء اذا استدعت الضرورة لكتابة مقال او تقرير او مقارنة بين الأحداث .
إننا امام مُعضلة أخلاقية تعيشها البلدان الغربية التي تتشدق ليل نهار بقضايا تقول انها جزء من مكونها الحضاري والثقافي ولإنساني، وأنها تتميز كمجتمعات عن الآخرين بهذه الخصوصيات، مثل الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الانسان وحرية الفرد والجماعة … الخ من المفردات التي شغلوا العالم بها .
اننا نقدر لهم تعقيدات القضايا السياسية الداخلية الملتبسة، وربما صَعب عليهم تحديد الموقف السياسي المطلوب، ولكن كيف سيشرحون لشعوبهم ويبررون لشعوبنا الاحداث ذات الصبغة الانسانية البحته ، على سبيل المثال :
أولاً : وقوع الجرائم المتكررة بقتل المواطنين المدنيين وهم يقيمون إحتفالات الاعراس، او يتسوقون بالأسواق الشعبية او يقيمون فرائضهم بالمساجد او عمال يقومون بعملهم بالمشاغل والمصانع المدنية، او يذهبون إلى البحر للإصطياد .
ثانياً : المواطنون المدنيون المرضى الذين حُرموا من التطبيب والحصول على الأدوية بفعل الحصار الجوي والبحري والبري الخانق المفروض على اليمن من قبل دول العدوان دون مصوغ قانوني ، كأمراض القلب وفشل الكُلى، ومرضى الضغط، ومرضى السكري ، الأطفال الخُدج، ……الخ، هؤلاء يموتون بالعشرات دون ان تظهرهم التقارير الطبية لنتائج العدوان.
ثالثاً : أشار تقرير اليونيسيف المقدم لمجلس الأمن الدولي ان ضحايا الحرب من الأطفال تجاوز عشرة آلاف طفل منذ بدء العدوان، هم أطفال قُتلوا في مواقع بعيدة عن جبهات الصراع العسكري، لماذا كل هذا الصمت المُريب والتغاضي الأعمى ؟ من قبل هذه الدول (المتحضرة) على قتل الأطفال في اليمن أم ( ان القضية تستحق الثمن ) كما قالت السيدة العجوز وزيرة خارجية الولايات المتحدة الامريكية /مادلين اولبرايت ذات يوم، حينما سئلت عن الضحايا من أطفال العراق الذين يموتون جراء الحصار، وكأننا نكرر الجريمة دون ان يُعاقب الجاني وهم عدد من الدول ( المتحضرة ) .
رابعاً : استهدفت طائرات العدوان مستشفيات مدنية وبعضها يُدار من منظمات الهلال والصليب الأحمر ومنظمة أطباء بلا حدود، تخيلوا يستهدفون مرضى وأطباء ومواطنين بسطاء ولم يتحرك الضمير الجمعي للأمم المتحدة وشعوبها، عدى من تصريحات خجولة يقولها تارة الامين العام السيد/ بان كي مون وتارة أخرى أحد مساعديه، اي قبح هذا الذي أصاب العالم (الحر) وأجهزته المتصلبة الواهنة أخلاقياً؟ .
خامساً : بسبب العدوان التي تقوده المملكة العربية السعودية على اليمن وحصاره الجائر، يشير آخر تقرير خبراء بعض المنظمات الدولية إلى أن 85% من سكان الجمهورية اليمنية هم معرضون للمجاعة الجزئية والكاملة وللأمراض الفتاكة، و أن أكثر من 90% من السكان محرومين من الكهرباء لأكثر من عام، السؤال الحتمي ،،، كم هي النسبة الإضافية المطلوبة كي توقظ الضمير العالمي وأخلاقياته للدول النافذة بالعالم التي تستطيع ان تقول إلى هنا ينبغي أن يقف العدوان وتتوقف آلة الحرب الفتاكة على اليمنيين ويذهب جميع الفرقاء السياسيين للحوار والحل السياسي .
سادساً : استهدف العدوان خلال عام ويزيد تدمير الآثار التاريخية للشعب اليمني وهي كنوز التاريخ للبشرية جمعاء، ترون ما هو سر هذا العمل التدميري للإرث الثقافي للانسانية في اليمن ؟ واين هي المنظمات والمؤسسات الإقليمية والدولية من هذا الفعل القبيح، أين منظمة الأيسيسكو الاسلامية والالكسو العربية واليونسكو العالمية لتدين هذا العمل البربري من قبل طيران العدوان، كما وتقوم قطعان داعش والقاعدة بحرق الكنائس والأضرحة والمزارات الدينية والمساجد التابعة لطائفة الخوجه الاسماعيليين في عدن والمساجد العامة في صنعاء.
حينما نطلب تضامنكم مع الشعب اليمني بكل شرائحه، فهذا لأننا نذكركم بواجبكم الأخلاقي والإنساني الذي يلزمكم كدول وشعوب ( متحضرة ) بالقيام بهذا الواجب، ولان السلام العالمي مصدرة اليمن، لا تنسون ان جغرافيا الشعب اليمني بموقعه الاستراتيجي هو مصدر أمن العالم او توتره ، وان تقوموا بنصح جدي للغاوين بهوس المال والسلاح والعظمة من الدول المُعتدية علينا، وتوقفوا معهم صفقات الأسلحة التي تقتل أطفال و نساء وشيوخ شعبنا اليمني الصابر، واليمن لن تكون حديقة خلفية لأيٍ كان لو امتلك مال فرعون وقارون معاً، وليعلم الجميع بان اليمن هو وطن الأحرار التواقين لشراكة وسلام الشجعان مع الجيران لا أقل ولا أكثر، لان الله مُنذ ان خلق اليمن قال عنها في محكم كتابه العزيز انها ( بلدة طيبة ورب غفور ) .
﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾
المقال نُشر في :
أضف تعليق