العلاقات العثمانية الفرنسية في عهد السلطان سليم الثالث 1789 - 1807م - مؤسسة دار إبن حبتور للعلوم و الثقافة و التوثيق الخيرية

العلاقات العثمانية الفرنسية في عهد السلطان سليم الثالث 1789 - 1807م

 

العلاقات العثمانية الفرنسية في عهد السلطان سليم الثالث 1789 - 1807م

المؤلف : أمل حسنة


من خلال تتبعنا للعلاقات العثمانية الفرنسية خلال عهد السلطان سليم الثالث، لاحظنا التحول الكبير الذي شهدته هذه المرحلة، في طبيعة العلاقات والعوامل التي تحكمت فيها، إذا ما قارنّاها بالمرحلة التي تمتد من بداية التقارب العثماني الفرنسي في عهد سليمان القانوني، إلى غاية أواخر القرن الثامن عشر، والتي كانت فيها العلاقات مبنية على أسس اقتصادية، من خلال الامتيازات الكبيرة التي كان يمنحها السلاطين العثمانيون للرعايا الفرنسيين المقيمين بالأراضي العثمانية. لكن العامل الأساسي الذي تحكم في العلاقات هو موازين القوى، ففي عهد سليمان القانوني ونظرا لقوة الدولة العثمانية عسكرياً، كان الفرنسيون ينظرون إليها كدولة صديقة، وبالمقابل بقيت فكرة غزو الأراضي العثمانية تسيطر على أذهان أغلب الملوك الفرنسيين، منهم فرنسوا الأول الذي عرف بصداقته للسلطان العثماني، في وقت كان حلمه الكبير هو الوصول بجيشه إلى العاصمة اسطنبول، لكن الظروف الصعبة التي عاشها خاصة بعد تعيين شارل الخامس على رأس الإمبراطورية الرومانية المقدسة، دفعته إلى التقرب من العثمانيين وطلب المساعدة منهم، والاحتمال الكبير أنه لولا ذلك الصراع حول قيادة الإمبراطورية، لأخذت العلاقات العثمانية الفرنسية مساراً آخر. ربما كانت ستفضي آنذاك إلى صدام عسكري بين سليمان القانوني وفرنسوا الأول الذي كان يحلم بالسيطرة على العالم. إن مواقف فرنسا وسياستها الخارجية تجاه الدولة العثمانية خلال القرن السابع عشر أكدت ما أشرنا إليه آنفاً، حيث ظهرت عدة مشاريع لتقسيم ممتلكات الدولة العثمانية، خاصة في عهد الملك هنري الرابع، ولويس الرابع عشر. لكن الظروف لم تسمح بتنفيذها، ولذلك يمكن تلخيص العلاقات العثمانية ــ الفرنسية منذ بداية العلاقات، إلى غاية أواخر القرن الثامن عشر، ونقول أن فرنسا كانت الحليف العلني والعدو السري للعثمانيين، رغم أن أغلب الدراسات تركز على الحلف العثماني ــ الفرنسي، كما أن الأحداث أثبتت أن العلاقات بينهما كانت تسير وفقاً لمصالح الدولتين وتبعاً لموازين القوى. كما شهدت هذه الفترة صراعاً على أشّده بين الدول الأوروبية الكبرى للحصول على امتيازات أكثر من السلاطين العثمانيين لضمان الهيمنة الفعلية في الجانب الاقتصادي، دون وجود تدخلات عسكرية، نظراً لقوة الدولة العثمانية التي هددت أوروبا في مراحل متتالية. وبحلول القرن الثامن عشر تغيرت موازين القوى تلك فمن جهة بدأت الدول الأوروبية في التطور، وبالتالي زيادة الاهتمام بالمشرق الإسلامي خاصة بعد الثورة الصناعية في أوروبا خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر، ومن جهة أخرى كانت الدولة العثمانية قد دخلت مرحلة الضعف، حيث تقلص نفوذها وفقدت الهيمنة الفعلية على بعض أقاليمها، مم زاد من التنافس الدولي عليها، ومن الطبيعي أن تحاول الدول الأوروبية القوية استغلال هذا الوضع لتحقيق أطماعها وطموحاتها، وفي مقدمتها فرنسا التي دشنت عهداً جديدا بعد قيام الثورة الفرنسية. لقد كانت الثورة الفرنسية من أهم العوامل التي غيرت طبيعة العلاقات العثمانية ــ الفرنسية، وحتى العلاقات الخارجية لفرنسا مع الدول الأوروبية التي ثارت أغلبها ضد تلك الثورة والمبادئ الجديدة التي أتت بها، خاصة عندما حاول الجمهوريون نشرها خارج الحدود الفرنسية. إن هذه الصراعات أدخلت فرنسا في أزمة داخلية حادة، ومما زاد من صعوبة الأمر ظهور أول تحالف دولي ضدها، مباشرة بعد إعلان الثوار عن قيام الجمهورية، وهنا راحت الدبلوماسية الفرنسية تعيد ربط جسورها مع الدولة العثمانية، والتقرب من العثمانيين تماماً كما حدث عندما أسر فرنسوا الأول بمدريد، فقامت ببعث سفراء إلى اسطمبول، لكسب ثقة الدولة العثمانية والتحالف معها، أو على الأقل ضمان حيادها، خوفاً من انضمامها إلى التحالف الدولي الموجه ضد فرنسا. لكن سليم الثالث لم يولِ أهمية كبيرة للصراع الأوروبي آنذاك، حيث اتخذ موقف الحياد، الذي يمكن تفسيره بضعف الدولة العثمانية واستحالة مواجهة قوات التحالف الدولي لذلك رفض الاعتراف بالجمهورية لفرنسية في البداية، ورغم هذا الموقف السلبي تواصلت مساعي الفرنسيين للتقرب من الدولة العثمانية، خاصة في عهد حكومة الإدارة، التي بدأت عهدتها ببعث سفير جديد إلى اسطنبول، وكلف من جديد بالتفاوض حول مشروع التحالف العثماني ــ الفرنسي الذي سطر في عهد سابقه ديسكورش، في حين كانت الجمهورية الفرنسية في موقع قوة. فتمسك العثمانيون بأفكار الدبلوماسيين الفرنسيين، كما اعترف سليم الثالث بالجمهورية الفرنسية، في هده الظروف راحت حكومة الإدارة تفرض شروطا على العثمانيين للمصادقة على معاهدة التحالف، التي كانت فرنسا تطالب بها عندما كانت في أزمة داخلية من جراء ثورتها. ومن تتبع مسار العلاقات الفرنسية من بداية الثورة إلى غاية سنة 1798، نلاحظ التناقض الكبير في السياسة الخارجية الفرنسية تجاه الدولة العثمانية خلال عشرية واحدة. وببروز نابليون كان له دور كبير في رسم السياسة الخارجية الفرنسية في تلك الفترة، حيث كانت طموحاته كبيرة في التوسع شرقاً وتهديد الدولة العثمانية من خلال حملته على مصر عام 1798، والتي أدت إلى قطع العلاقات بين الدولة العثمانية، وفرنسا لبعض الوقت،حيث انتهز الفرنسيون فرصة تدهور أوضاع الدولة العثمانية وضعفها عسكرياً فأرسلت حملتها المشهورة إلى مصر، والتي كانت نتيجة مباشرة لما جاءت به الثورة الفرنسية من أفكار ثورية، حيث سعى رجال الحملة الفرنسية إلى زعزعة الدين في نفوس الشيوخ والعلماء وعوام المسلمين بعرض نماذج من الحضارة الغربية عليهم . وبالتالي انتهت مرحلة هامة من تاريخ العلاقات بإجراء لم يسبق وأن قامت به فرنسا أو أية دولة أوروبية أخرى في العصر الحديث، هذا يؤدي بنا إلى القول أن حتى مشروع التحالف العثماني - الفرنسي، لو تحقق سيكون ظرفياً ريثما تتجاوز فرنسا أزمتها الداخلية، إذن فرغم تغيير النظام السياسي بفرنسا وتغيير طابع العلاقات العثمانية ــ الفرنسية في بداية عهد سليم الثالث، إلاّ أن العامل الثابت الذي بقي مسيطراً على أذهان الحكومات الفرنسية المتعاقبة هو غزو العثمانيين


لتحميل الدراسة PDF من ( مكتبة دار بن حبتور ) من هنـــــا


ليست هناك تعليقات