أبوبكر باذيب أنزه وأصدق من حمل فِكر اليسار حتى آخر يوم في حياته أ. د. عبدالعزيز صالح بن حبتور - مؤسسة دار إبن حبتور للعلوم و الثقافة و التوثيق الخيرية

أبوبكر باذيب أنزه وأصدق من حمل فِكر اليسار حتى آخر يوم في حياته أ. د. عبدالعزيز صالح بن حبتور

 

أبوبكر باذيب أنزه وأصدق من حمل فِكر اليسار حتى آخر يوم في حياته

15-ربيع الأول-1443هـ الموافق [21/ اكتوبر/2021]

أ. د. عبدالعزيز صالح بن حبتور

المصدر : صحيفة رأي اليوم اللندنية


شكَّلت المِحن والأهوال والكوارث على مدار التاريخ الإنساني كله إحدى العلامات المميزة والبارزة في تميُز مواقف الأفراد والجماعات وحتى القادة السياسيين بعضهم عن بعض، هذا الامتحان العسير الذي يخرج منه الفرد إما بطلاً شجاعاً منتصراً في نظر أتباعه ومُحبيه ومُريديه، أو أنَّه يظهر جباناً مهزوماً مدحوراً ويتحول في نظر الغالبية من الناس أو حتى المحبين له بأنَّه إنسان هزيل وضعيف ومهزوم ولم يعد لتاريخه أية قيمةٍ أو معنى، وحينما يُذكر اسمه ومواقفه فمحلَّه ومكانته في هامش السِّيرة الشعبية العامة وفي بُطُون أضابير التاريخ.

من هذا المفهوم انطلق القائد والمفكر/ أبوبكر باذيب، في تدوين صفحات نضاله الطويل المشرف وحتى لحظة تدوين صفحته الأخيرة في يوم أن ودَّعه أحبابه ورفاق مسيرته إلى مثواه الأخير، وترك الباب على مصراعيه للكتابة والتدوين عن هؤلاء النفر المارقين من (الرفاق) الذين خانوا قضية الوطن والحزب المنتمين إليه، ليرتموا في أحضان أعداء اليمن، مُفضِّلين العيش والحياة والسُكنى في أروقة فنادق وقصور مدينة الرياض عاصمة دولة العُدوان الأولى، ومدينة أبوظبي عاصمة الدولة الشريكة في العُدوان على اليمن، هؤلاء (الرفاق) إن كانوا لازالوا رِفاقاً يحملون قضية الحزب والوطن، كانوا قُبيل أيامٍ من العُدوان قد ملأوا الدنيا ضجيجاً وتشدُّقاً حول الوطن والوطنية ومُعاداة من يقف في وجه اليمن العظيم، لكنهم وبسهولةٍ ويُسر تساقطوا وسقطوا تِباعاً وهم يُهرولون نحو مدينة الرياض السعودية خانعين وطامعين في رضى وكرامات حُكَّام المملكة السعودية وأمراء ومشائخ بعض حُكَّام الخليج المرتبطين بالمشروع الأمريكي الصهيوني.

أبابكر باذيب كان صادقاً مع تاريخه ومواقفه، وتاريخ أسرته اليمنية الأصيلة من آل باذيب الكرام، وصادقاً مع المواقف المكتوبة في أدبيات ووثائق الحزب الاشتراكي وإرث تاريخه النضالي، لأنَّه من صنف البشر الذي يكره النفاق والتزلُف والفساد الأخلاقي والمالي، وكان في موقفه هذا قد دفع ثمناً باهضاً من صحته ونفسيته ومعيشته، وكان يتحسَّر بألمٍ عميق، وبصوتٍ مسموع من أولئك (الرفاق) الذين هرولوا وزحفوا على بطونهم مسرعين نحو مدينة الرياض طلباً لمالٍ رخيص مُدنَّس أو جاهٍ هُلاميٍ ووهمي.

أبابكر حافظ حتى يومه الأخير على تراث اليسار اليمني بِرُمَّته وكأنه كان كالقابض على الجمر كي لا يُقال أنَّه تنازل عن فكرة اليسار وأسقطها من معادلاته السياسية والفِكرية والأخلاقية، وظلَّ يحملها في عقله ووجدانه وضميره، كيف لا يكون هكذا وهو الأخ الأصغر للمفكرين اليساريين العملاقين وهما /عبدالله عبدالرزاق باذيب و/علي عبدالرزاق باذيب، هكذا حملت الأسرة الحضرمية – العدنية – اليمنية القادمة من مدينة الشحر فكر اليسار اليمني، الذي استوعب آمال وأحلام الفقراء والمُعدمين اليمنيين على مستوى الوطن، إنَّها أسرة حضرمية – عدنية يسارية الفِكر والموقف، حملوا معهم ذلك الفِكر الإنساني لأكثر من سبعة عقود ويزيد في مسيرتهم الكفاحية الصُلبة، نعم كانت أسرة استثنائية زرعت فِكر اليسار في تُربةٍ يمانيةٍ خصبه، ومستمرة العطاء حتى يومنا هذا.

تعرفت عليه شخصياً عن قُرب حينما كان سكرتيراً عاماً للعمل الحزبي في الدائرة التنظيمية في اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي، وعضواً في المكتب السياسي للحزب الاشتراكي في جنوب الوطن، وكُنَّا حينها على مشارف التخرج من جامعة عدن، وازدادت علاقتنا الرفاقية تعمُّقاً وتجذُّراً بعد أن تم تكليفي لقيادة العمل الحزبي والسياسي المركزي في الجامعة في مطلع الثمانينات من القرن العشرين، واستمرت علاقتنا الممتازة حتى حلَّت في جنوب الوطن وبالحزب الاشتراكي كارثة 13 يناير 1986م.

تعرض الفقيد المُفكِّر/ أبابكر باذيب لثلاثة مراحل عصيبة من الجحود والنكران من قِبل رفاقه (الرفاق) الخصوم الأعداء في المراحل الآتية:

أولاً: حينما نقرأ من أرشيف الرفاق الكالح الذين ناصبوه الخصومة والعِداء في أحداث كارثة يناير 1986م، صبوا عليه جام حِقدهم ومرضهم، وقالوا فيه وفي تاريخه أشياء لا يقولها إنساناً عاقلاً رشيداً، وزادوا في غيّهم بأنَّهم وضَّفوا أقلام البُسطاء الأبرياء من أعضاء الحزب ليكيلوا عليه سِبابهم ومُفرداتهم الرعناء في حفلةٍ صاخبةٍ ماجنة بالمفردات اللغوية الركيكة وغير الأخلاقية، والغريب أنَّ هؤلاء تناسوا ما اقترفوه من جُرمٍ أخلاقيٍ ضدَّ شخص يُعدُ من أنبل وأشرف وأصدق الشخصيات القيادية التي تولَّت موقعاً قيادياً في قيادة الحزب الاشتراكي في جنوب الوطن.

بعد هذه الكارثة المدوية تفرَّق رفاق الفِكر والثقافة والموقف، فأتجه /أبابكر باذيب إلى العاصمة صنعاء التي احتضنته بودٍ وحميميةٍ لسنوات، وبعدها انتقل إلى مدينتي برلين – وهاله في ألمانيا الشرقية ليقضي قُرابة نصف العام في ضيافة الحزب الاشتراكي الألماني المُوحد، وبعدها عاد إلى العاصمة السورية دمشق للاستقرار شبه المستمر في ضيافة الشعب العربي السوري الأصيل وقيادته العروبية الفذة هو ورفاقه، وهم الرئيس/ علي ناصر محمد رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني الأسبق، والأستاذ/ عبدالغني عبدالقادر الشيباني عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي،  والسفير/ حسن علي عليوه وآخرين، وكانوا في ضيافةٍ كريمة من قِبل الرئيس/ حافظ الأسد رحمه الله وأسكنه الجنة، وبعده الرئيس المناضل/ بشار حافظ الأسد متعه الله بالصحة وطول العمر.

بعد تحقيق الوحدة اليمنية المباركة عاد إلى صنعاء، ليواصل مشواره السياسي كأمين عام مساعد للحزب الاشتراكي اليمني.

ثانياً: تم الاعتداء والسطو على منزله الشخصي في مدينة عدن من قِبل أحد أعضاء المكتب السياسي للحزب، ولم تستطع كل هيئات الحزب التنظيمية والحزبية والسياسية أن تُعيد منزله الشخصي إليه، وعاش محروماً من هذا الحق القانوني إلى يوم وفاته.

ثالثاً: بعد أن شنَّ دول العُدوان عُدوانهم الكاسح على اليمن، وهرب من هرب من قيادة الحزب الاشتراكي اليمني للمشاركة في مؤتمر الرياض لمباركة العُدوان ومحاولة تبييض صورته القبيحة، رفض السياسي المُجرب والفيلسوف المُحنَّك /أبوبكر باذيب مغادرة العاصمة صنعاء عاصمة اليمن العظيم، وظلَّ يعيش بين أهله ورفاق دربه ومُحبيه في صنعاء، حتى أسلم الروح الطاهرة إلى بارئها في يوم السبت الموافق 16 أكتوبر 2021م، وتمت مواراة جثمانه الطاهر في مقبرة الرئاسة (رئاسة الجمهورية اليمنية) بمُحاذاة ميدان السبعين في العاصمة صنعاء.

كان / الباذيب واقعياً في تناولاته السياسية والحزبية والفِكرية في أثناء معايشتنا للأحداث التي تزامنت مع الأزمة السياسية التي اسموها (ثورة ربيع توكل وإخوانها الإسلامويين)، وظهرت أفكاره ومواقفه بواقعية وعقلانية من خلال اشتراكنا معاً في اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني الشامل في العام 2011م، الذي استمر قُرابة العام ونصف تقريباً، كان في جميع المحطات الحِوارية يظهر بجلاء فِكر اليسار الواقعي والمنطقي، بعيداً عن الشطط وغطرسة الشعارات البراقة الجوفاء الذي أظهرها المزايدون المنافقون في زمن الحوار والنقاش، ومُعظم هؤلاء قد هرب من الوطن حينما سقطت أول صواريخ وقذائف دول العُدوان فوق أحياء صنعاء وتعز وبقية المحافظات اليمنية.

زرناه إلى منزله المتواضع بحي حدَّه في صنعاء أكثر من مرة، وأتذكر من الزملاء الذين رافقوني وهم :- البروفيسور/ عبدالعزيز محسن الترب مستشار المجلس السياسي الأعلى، والفريق أول/ جلال بن علي الرويشان نائب رئيس الوزراء لشؤون الأمن والدفاع، والأستاذ/ محمود الجنيد نائب رئيس الوزراء لشؤون الرؤية الوطنية لبناء الدولة الوطنية، والمهندس/ هشام شرف وزير الخارجية، والأخ/ أحمد القنع وزير الدولة لشؤون المصالحة والحوار الوطني، والأخ/ طارق سلام محافظ م/ عدن، و اللواء/ لقمان باراس محافظ م/ حضرموت، والشيخ/ أحمد حمود جريب الصبيحي محافظ م/ لحج، والأخ/ هاشم بن عايود السقطري محافظ م/ سُقطرى وكانت زياراتنا بشكل رسمي، ومرات عدة بشكل شخصي ومعي الصديق/ جمال الجوهري، وفي كل زيارة نزورها للفقيد نلحظ هِمَّته ومعنوياته العالية وثبات وصلابة أفكاره ومواقفه الوطنية.

نسأل الله العلي القدير أن يتولاه برحمته ويسكنه الجنة الواسعة ويُلهم أهله وذويه وأحبابه وطُلابه ومُريديه الصبر والسلوان، إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، يقول الله في مُحكم كتابه الكريم:

بسم الله الرحمن الرحيم ((يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي)) صدق الله العظيم.

﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾

رئيس مجلس وزراء حكومة الإنقاذ الوطني  -  صنعاء

المصدر : صحيفة رأي اليوم اللندنية


ليست هناك تعليقات