كيف زوّرت إسرائيل تاريخ القدس وفلسطين؟ مع المفكر والباحث التاريخي فاضل الربيعي - مؤسسة دار إبن حبتور للعلوم و الثقافة و التوثيق الخيرية

كيف زوّرت إسرائيل تاريخ القدس وفلسطين؟ مع المفكر والباحث التاريخي فاضل الربيعي

 

كيف زوّرت إسرائيل تاريخ القدس وفلسطين؟

مع المفكر والباحث التاريخي فاضل الربيعي

يحاوره الاعلامي: سامي كليب

من برنامج لعبة الأمم على قناة الميادين



نص الحوار:

استولت إسرائيل على القدس وتهوِّدها دعمتها واشنطن ونقلت سفارتها إلى المدينة التي تعتبرها عاصمة أبدية لإسرائيل. ما هي حقيقة تاريخ إسرائيل وبني صهيون؟ هل القدس كانت فعلاً لهم؟ كيف أقنعت إسرائيل العالم بأسطورة بنيت على الأوهام؟ عن هذه الأوهام وعن تفكيك الرواية الإسرائيلية هذه الحلقة من لعبة الأمم مع المؤرخ العراقي فاضل الربيعي وكتبه المهمة في هذا الشأن.


سامي كليب: من اليسار العراقي والقصص القصيرة إلى الترحال في العديد من المُدن العربيّة، إلى الدفاع عن بلاده حين اجتيحت من قِبَل الولايات المتحدة الأميركية و(بريطانيا) وصولاً إلى تفكيك الرواية الإسرائيلية حول أُسطورة أنّ (إسرائيل) كانت هنا في (فلسطين) المُحتلّة. يُسعدني أن أستضيف في هذه الحلقة ضيفاً واحداً هو المُفكِّر العراقي "فاضل الربيعي" لنفكّك معه وعبر كتبه التي وثّقها بالكثير من الدراسات والأبحاث أُسطورة (إسرائيل). أهلاً وسهلاً بك أُستاذ "فاضل الربيعي". لحظات ونبدأ معك


المحور الأوّل


سامي كليب: أهلاً وسهلاً بك أُستاذ "فاضل الربيعي"


فاضل الربيعي: أهلاً وسهلاً بك، أهلاً 


 سامي كليب: أهلاً بكم أعزّائي المُشاهدين ولنبدأ بسؤال شخصي أُستاذ "فاضل". ما الذي دفعكَ للاهتمام بـ (فلسطين)؟ خصوصاً بعد رحلات طويلة، بعد العيش في العديد من المُدن العربية، (دمشق)، (اليمن)، (الأُردن)، (مصر) ثمّ الهِجرة إلى دول غربية من اليسار والقصص القصيرة والآن تُحاول تفكيك الرواية الإسرائيلية. تهتمّ بـ (فلسطين) فيما الكثير من الأنظِمة العربية وليس الشعوب العربية نأت عن (فلسطين)، ما الذي يدفعكَ إلى هذا المجال؟


فاضل الربيعي: أولاً أشكرك على هذه الاستضافة والتقديم


سامي كليب: أهلاً بك


فاضل الربيعي: (فلسطين) بالنسبة لي كعربي هي خلاصة وعي. لا يُمكنني إلّا أن أعتبر أن وعيي تكوّن في الأصل حول فِكرة (فلسطين) التي جرى فيها اغتصاب الأرض وطرد السُكّان وتدمير هذا الشعب، ولذلك شكّلت المسألة الفلسطينية بالنسبة لي منذ وقتٍ مُبكِّر خُلاصة وعيي كإنسان


سامي كليب: غير الوعي وغير الفِكر، هناك جانب عاطفي أيضاً


فاضل الربيعي: بكلّ تأكيد. الوعي من دون عاطفة يبدو جافّاً، والعاطفة من دون وعي تبدو قابلة للكسر


سامي كليب: ممتاز، هناك حبّ، هناك وعي عند كلّ عربي شريف، في النهاية (فلسطين) هي القضية الأولى. متى بدأت تُفكِّر بأن تُفكِّك الرواية الإسرائيلية وتقرأ وأنتَ لستَ مؤرّخاً عملياً؟


فاضل الربيعي: نعم، بدأت الأعمال الأولى لي قبل خمسة وعشرون عاماً تقريباً


سامي كليب: كان هناك سبب مُباشَر دفعكَ إلى هذا الاتجاه؟


فاضل الربيعي: أولاً أنا كنت طوال فترة وجودي في (دمشق)، كنت أعمل مع الثورة الفلسطينية في صُحف ومجلّات الثورة وبالتالي جزء من الاهتمام بالعالم السياسي للفلسطينيين قادني إلى الاهتمام بالعالم التاريخي للفلسطينيين


سامي كليب: وكان في خيارك، لم يطلب منك أي طرف أن تكتب عن تاريخ (فلسطين)!


فاضل الربيعي: بكلّ تأكيد، أظنّ أن عملية التوثيق والبحوث أو الكتابة أو الدراسات من الصعب خصوصاً في هذا الميدان أن تكون موضوعاً للابتزاز أو للطلب. لا يُطلَب من أحد يعني


سامي كليب: تماماً، ليس ابتزازاً ولكن ربما تمنّ من البعض


فاضل الربيعي: ممكن


سامي كليب: على كلّ حال، أُستاذ "فاضل" ربما يلاحظ المشاهدون أن هذا ليس استديو "لعبة الأُمم"، نحن في المملكة المغربية حيثُ يُقيم حالياً "فاضل الربيعي" في (القنيطرة). اختارَ أن ينطلق من هنا في كتاباتٍ جديدة دائِماً في الموضوع نفسه حول التاريخ الفعلي لـ (فلسطين) المُحتلّة وتفكيك الرواية الإسرائيلية، وطبعاً في المملكة المغربية كما نُلاحِظ نبض الناس مناسب تماماً


فاضل الربيعي: تماماً


سامي كليب: لا يزال على قلب (فلسطين). في كتاب، لنبدأ في المضمون مباشرةً، في كتاب "القدس ليست (أورشاليم)" تقول التالي أُستاذ "فاضل": إنّ التوراة لم تذكُر إسم (فلسطين) أو الفلسطينيين قط وأنّها لم تأتِ على ذكر (القدس) في أيّة صورةٍ من الصوَر، وكلّ ما يُقال عن أنّ المكان الوارِد ذكره في التوراة باسم "قدش" أو "قَدَس" قُصِدَ به المدينة الغربية، هذا أمرٌ يتنافى مع الحقيقة التاريخية والتوصيف الجغرافي ولا صلة له بالعِلم لا من قريب ولا من بعيد. (القدس) ليست (أورشاليم)، إشرح لي. طبعاً شرحتها مرّات عديدة ولكن لمُشاهِد لم يرَكَ من قبل


فاضل الربيعي: بالضبط


سامي كليب: ماذا تعني بذلك؟


فاضل الربيعي: الدمج بين إسم (القدس) و(أورشاليم) هو جزء من الخداع الاستشراقي اللاهوتي الذي استمرّ طوال مئة سنة من الأبحاث والحفريات والدراسات والكتابات التي قام بها بشكلٍ أخصّ ما يُعرَف بصندوق آثار (فلسطين) في (لندن). ثمّ تشكّل ما يُعرَف بالتيار التوراتي في علم الآثار الذي سعى بكلّ الوسائِل لتزييف الرواية التوراتية. الرواية التوراتية لا تذكُر على الإطلاق إسم (القدس) لسبب جداً بسيط. أولاً إسم (القدس) إسم حديث وليس إسماً قديماً. يعني نحن كعرب ومسلمين لا نملُك ولا أي أحد في العالم يملك أيّ وثيقة تقول أنّ إسم (القدس) يرقى إلى زمن التوراة. أكثر ما لدينا 


سامي كليب: إذا هو إسم حديث


فاضل الربيعي: إسم حديث لا يتجاوز سنة 73 هجريّة 


سامي كليب: أوكي


فاضل الربيعي: وبالتالي من غير المنطقي أنّ كتاباً قديماً مُقدّساً كُتِبَ في عام 500 قبل الميلاد يذكُر إسم مدينة لم تظهر إلّا عام 73 هجري


سامي كليب: حسناً، الإسم المذكور في التوراة ستمئة وثمانون مرّة، هو (أورشاليم) وليس (القدس)؟


فاضل الربيعي: لا، التوراة تذكُر مكانين. كلّ مكان تذكره تصفه بجغرافيّة لا علاقة لها بالمكان الآخر. المكان الأول الذي تُركِّز عليه التوراة هو مدينة مُقدّسة تُسميها (أورشاليم) وتقول إنّ (أورشاليم) مُحاطة بجبل إسمه "كتاف" ومناطق جبلية ووديان تُدعى "هانوم" ومناطق سكنية يعني قرى تسكنها جماعة تُعرَف باسم "يابوس"


سامي كليب: أوكي. إذاً مناطق حبلية وهضاب وليست (القدس) التي نعرِفها. يعني (أورشاليم) كانت في مكانٍ آخر؟


فاضل الربيعي: تماماً. بينما تتحدّث عن مكان آخر في جغرافيّة أُخرى تُسمّيه "قَدَس" أو "قدش"، السين والشين في اللغة العبرية هما حرفٌ واحد. هذا المكان تُسميه بإسم يختلِف عن إسم المكان السابق


سامي كليب: و"قَدَس" الذي تذكره أين يوجد؟ مكان (القدس) الحالية؟


فاضل الربيعي: أبداً  


سامي كليب: أين؟


فاضل الربيعي: كلّ جغرافية التوراة لا علاقة لها بـ (فلسطين)


سامي كليب: هذا مهمّ أُستاذ "فاضل"، يعني هلّ أفهم منك أنّ (القدس) في جغرافيّتها الحالية ليست لا "قَدَس" ولا (أورشاليم) المذكورتان في التوراة


فاضل الربيعي: أبداً


سامي كليب: بالتالي (القدس) الحاليّة لا علاقة لها بالتوراة


فاضل الربيعي: بكلّ تأكيد. وأكثر من ذلك أنّ كلّ قصص التوراة، كلّ ما هو موجود في التوراة لا علاقة له لا بـ (فلسطين) ولا في أرضها ولا في تاريخها. هذه القصص والمرويّات والأحداث والوقائع والتوصيفات الجغرافية كلّها تتعلّق أو تتصل بتاريخ وجغرافيّة (اليمن) القديم


سامي كليب: ممتاز. قبل الذهاب إلى (اليمن)، (القدس) الحالية منذ متى إذاً؟ ومَن الذي بناها عملياً؟


فاضل الربيعي: (القدس) الحاليّة طبقاً لكلّ ما لدينا من سجلّات ووثائِق ومرويات تاريخية عربيّة إسلامية، كلّها تقول أنّ هذا الإسم ظهَرَ بعد 73 هجريّة، يعني مع بناء ما يُعرَف بـ "قبة الصخرة" يعني في زمن "عبد الملك بن مروان" أو ما بعده بدأ يظهر هذا الإسم، قبل ذلك ليس لدينا أيّة وثيقة على الإطلاق تقول أنّ هذه المدينة كانت تُدعى (القدس)


سامي كليب: قبل العام 73 قبل الميلاد


فاضل الربيعي: 73 هجريّة


سامي كليب: هجريّة. لم يكن مذكوراً أبداً إسم (القدس)؟


فاضل الربيعي: لم يكن. قبل 73 هجريّة لا يوجد إسم (القدس) على هذه المدينة


سامي كليب: أُستاذ "فاضل"، أور ساليم"


فاضل الربيعي: (أورشاليم)


سامي كليب: لا إسمح لي، هناك أيضاً إسم آخر "أور ساليم" أو أرض السلام التي قيل أنّ إسمها كذا تيمّناً بالإله "ساليم"


فاضل الربيعي: لا، هذه لو سمحت لي، هذه جزء من الألاعيب اللغوية التي درجَ عليها بعض الناس الذين هم في الحقيقة ليسوا مُختصّين ولا يعرِفون العبريّة، أنا متخصّص في اللغة العبريّة وأعرِف جيداً ما هو المضمون الحقيقي لنصوص التوراة. كلّ ما ورد في التوراة من قِصص ومرويات لا علاقة له بتاريخ (فلسطين) وأنا لديّ دلائِل كثيرة يُمكن أن نتحدّث عنها


سامي كليب: سنحدّث عنها. "نتنياهو" يقول مؤخراً وحرفياً إنهم عثروا على بُرديّةٍ عمرها 2،700 عام يرِد فيها إسم (أورشاليم)، وهو طبعاً يعتبرها (القدس) 


فاضل الربيعي: هذه جزء من أكاذيب "نتنياهو" والطاقم اللاهوتي. اعتدنا بين حينٍ وآخر أن يخرُج بكذبة من هذا النوع. أنا أقول لك التالي: عالِم الآثار الإسرائيلي "زئيف هرتسوغ" عام 1996 أنهى سلسلة من أعمال التنقيب في (فلسطين) وأصدرَ تقريره الشهير الذي قال فيه حرفياً: "بعد سبعين عاماً من أعمال التنقيب والحفريات


سامي كليب: صحيح، لم يجد أيّ دليل


فاضل الربيعي: في طول (فلسطين) وعرضِها لم نعثر على أيّ دليل". بينما أنا أُقدِّم في كُتبي آلاف الدلائِل في نقوش مكتوبة باللغة العبريّة من أرض (اليمن). والآن علماء الآثار الإسرائيليون الذين يتستّرون على الحقيقة التاريخية هم يستعملون في مُصطلحاتهم تعبير "العبريّة الصنعانيّة" أو "العبريّة السبئيّة". إذا كانوا يؤمنون أنّ هذه العبريّة القديمة هي عبريّة صنعانيّة أو عبريّة سبئِيّة فما علاقة (فلسطين)؟


سامي كليب: صحيح. أستاذي العزيز نحن الآن أُستاذ "فاضل" أمام منظومة إسرائيلية تروي الرواية الإسرائيلية والأُسطورة الإسرائيلية، لا ينفي ذلك وجود بعض المؤرّخين وعلماء الآثار الإسرائيليين أيضاً الذين يُكذّبون هذه الرواية، مثلاً مثل الدكتور "إسرائيل فلنكشتاين" الذي كتب بما يتوافق مع كتبته حضرتك، يعني هناك الكثير من نقاط التوافق بينك وبينه، سنذكُر بعض ما ذكره أيضاً. سؤالي هو التالي قبل أن نُكمِل في الشواهِد، شخص مثلك كرّس حتّى الآن ربع قرن على الأقلّ في البحث، لا نجد أثراً لهذه الأبحاث في الجامعات العربية، لا نجد مُقابل المنظومة الإسرائيلية منظومة عربيّة تدرُس التاريخ الفِعلي لـ (القدس) ولـ (فلسطين) وتعود بهذه النتائِج، لماذا؟ لا يثقون بأبحاثك كمؤرِّخ جديد بالنسبة لهم ربما؟ لا يعتمدونها لأنّ الخيار العربي ذهب في اتجاه آخر؟ هلّ هو تقصير أم عمداً نحن ننفي كلّ هذا التاريخ ولا نعرِف عنه شيئاً؟


فاضل الربيعي: أنا أشكرك على هذا السؤال وهو سؤال جوهري. لو تقبّلت الجامعات العربية روايتي، هذا يعني أنّ هناك مَن قرّر أن يهدُم المعبد على رؤوس أصحابه، ولا أعتقد أنّ هناك قوى قادِرة على أن تهدُم المعبد. هذا المعبد أُنشئ لتكريس الرواية الزائِفة ولتكريس الأُسطورة. لا يُمكن الآن


سامي كليب: لكن هلّ حاولت مثلاً التواصل مع جامعات الدول العربية، مع الجامعات العربية؟ هلّ حاولت أن تُقدِّم كتبك مثلاً لكي تُدرّس في مكانٍ ما؟


فاضل الربيعي: أولاً أنا فرد، ليس لديّ لا مؤسّسة ولا خلفي حزب ولا دولة ولا أيّة جهة. أنا أكتُب هذه الأبحاث وهناك من يتفاعل معها، يعني الآن مثلاً في (المغرب) على الأقلّ هناك جامعتان، "جامعة "بن طفيل" في (القنيطرة) وجامعة (فاس)، تُعتمد فيها خمسة أو ستّة من كُتبي لطلّاب الماجيستير والدكتوراه. أنا لا أستطيع أن أفرض روايتي. هناك مُعضلة مزدوجة، الكثير من أساتذة الجامعات في أقسام التاريخ في العالم العربي لو أنّهم تقبّلوا روايتي، هذا يعني أنهم لن يدرِّسوا شيئاً في الجامعة


سامي كليب: ممَن كانوا يُدرِّسونه


فاضل الربيعي: طبعاُ، لأنهم سيتخلّون عن الرواية الرسمية ويقبلون رواية جديدة وهذا مُستحيل في الراهن


سامي كليب: حسناً، أنا في آخر الحلقة سأتوقف عند هذه النُقطة، وسألتك بشكلٍ عابر لكي نوثِّق هذا علمياً أيضاً في المرحلة المُقبلة ولا بدّ من أن يكون يُدرّس في بعض الجامعات. لكن دعني أعود إلى بعض الشواهِد التي كتبتها حضرتك في (فلسطين) المُتخيّلة، وعندك (إسرائيل) المُتخيلّة، في الواقع مُجلّدات صارت، تقول: "إنّ (فلسطين) لم تعرِف في أيّ وقتٍ من تاريخها القديم قط الأرض التي وصفتها التوراة، وأنّ (القدس) العربية لم تكن تُدعى في أيّ وقتٍ من الأوقات بـ (أورشاليم)، كما أنّ التوراة لم تأتِ على ذكر الفلسطينيين أو (فلسطين). لذلك فإنّ المُطابقة التي روّجَ لها الخيال الاستشراقي، هنا أيضاً تلوم الاستشراقيين


فاضل الربيعي: نعم


سامي كليب: استناداً إلى قراءةٍ مغلوطة للنصّ التوراتي هي التي أدّت إلى شيوع هذه الأفكار والتصوّرات الخاطِئة". كلّ يوم عندنا في الدول العربيّة، الآن تخِفّ قليلاً مع الأسف، تظاهرات لمفكّرين لمثقفين لمن يدّعون بأنهم عُلماء ومؤرّخون. لماذا لا نهتمّ بهذا الشأن الآن؟ وما هو دليلك في الواقع العلمي على أبحاثِك؟ يعني كيف نوثِّق هذه الأبحاث الآن حين تذكُر مثل هذه الأمور؟ ما هو السَنَد العلمي الصحيح؟ ومن وافقَ على ما أرّخته حضرتك؟


فاضل الربيعي: لديّ الكثير من الدلائِل على أنّ أبحاثي تلقى قبولاً وتفاعلات في الكثير من الأوساط الأكاديمية. أنا زرت


سامي كليب: العربيّة أو الأجنبيّة؟


فاضل الربيعي: العربيّة والأجنبيّة


سامي كليب: مثلاً الأجنبي مَن الذي وافق عليها؟


فاضل الربيعي: لا توجد جهات رسمية توافق، هناك أشخاص، أنا تحدّثت عن أوساط ولم أتحدّث عن مؤسّسات. المؤسّسات من الصعب أن تقبل هذه الرواية الآن لأنّ هذا يعني أنّك تُحطِّم أُسطورة بقاء (إسرائيل)


سامي كليب: ولو حِدنا قليلاً عن (إسرائيل) لم يُكذِّبها أحد حتّى الآن، لم يستطع أحد أن يُقدِّم شواهِد لتكذيب هذه الرواية


فاضل الربيعي: إطلاقاً. أنا قدّمت آلاف النقوش بخطّ "المُسنَد" اليمني وبالعبرية ومن النقوش الآشورية من المتحف البريطاني، نتحدّث عن أكثر من خمسة آلاف صفحة من النقوش الآشورية، كلّها تؤكِّد أنّ (القدس) إسم حديث، ليس قديماً، لا وجود له ولكنها مثلاً على سبيل المثال النقوش الآشورية، يعني نتحدّث عن سنة 1,245 قبل الميلاد، يتحدّثون عن جبل إسمه "قَدَس"، والتوراة تتحدّث عن جبل إسمه "قَدَس"، لكن (القدس) العربية ليست جبلاً وليست فوق جبل، يعني لا يُمكن


سامي كليب: و "القَدَس" أين يوجد، الذي يتحدّثون عنه؟


فاضل الربيعي: جبل "قَدَس" الذي تتحدّث عنه النقوش المسنديّة اليمنية ونقوش الآشوريين والتوراة، هذا الجبل المُقدّس، جبل "القَدَس" المُبارك يبعُد حوالى سبعين إلى ثمانين كيلومتراً جنوب غرب (تعز)، عفواً في (تعز) إلى الجنوب الغربي من (عَدَن)، هذا الجبل يُدعى حتّى اليوم


جبل "قَدَس" في (تعز) الآن؟ في (تعز)؟


فاضل الربيعي: جبل "قَدَس" موجود في (تعز). حتّى اليوم هذا الجبل المُبارَك وهو جبل مُقدّس ذكرَته النقوش الآشورية ونقوش المسند اليمنية والتوراة، هذا الجبل هو الذي تنطبق عليه أوصاف التوراة. أكثر من ذلك، لو لدينا بعض الوقت أشرح التفاصيل


سامي كليب: سنشرح التفاصيل، عندنا ساعة ونصف الساعة


فاضل الربيعي: تماماً، يعني على سبيل المثال، احتار العُلماء التوراتيّون والاستشراقيّون في الإسم الذي تُطلِقه التوراة على إسم جبل "قَدَس"، تُسميه "قَدَس برنيع" أو "قادش برنيع" لأن في الحقيقة المُشكلة التي تواجه الكثير من المُختصّين في اللغة العبريّة من الاستشراقيين واللاهوتيين هو أنّهم لا يُدركون أنّ بعض تراكيب اللغة العبريّة هي في الأصل تراكيب لغة يمنية قديمة. على سبيل المثال، حرف النون اليمني الذي يُسمونه اليمنيون بالنون الكلاعيّة نسبةً إلى المخلاف اليمني "الكلاع"، هذه النون تدخُل على الأسماء، "برنع"، هذه النون لو ألغينا النون من "برنع" لصارت برَع


سامي كليب: موجودة الآن في (اليمن) "برع"


فاضل الربيعي: حتّى اليوم إسمه جبل "قَدَس بُرع"


سامي كليب: أوكي


فاضل الربيعي: لأنه مُحاط بقرى


سامي كليب: دعني أفهم منك أُستاذ "فاضل" قبل أن نتوقّف مع موجز للأنباء، أنّك تذهب بالأصل لهذه التسميات التوراتية إلى (اليمن)


فاضل الربيعي: بكلّ تأكيد


سامي كليب: في النهاية هذا يتوافق أيضاً مع ما كتبه "كمال الصليبي" في (لبنان) في أنّ التوراة جاءت من الجزيرة في الأحرى وليس من مناطق أُخرى، وحضرتك أيضاً تؤكِّد الاتجاه في أن (اليمن) هو الأساس والجزيرة العربية هي الأساس


فاضل الربيعي: نعم. أولاً أستاذنا العظيم المرحوم الدكتور "كمال صليبي" هو رائِد في هذا المجال، لكن أنا قدّمت رواية مُختلفة عن روايته. هو يقول إنّ كلّ هذه الأحداث جرت في منطقة (عسير) وهي شريط جبلي ضمن المملكة العربية السعودية


سامي كليب: صحيح


فاضل الربيعي: ويؤسفني أن أقول أنّه بالرغم من تمجيدي للجهد العظيم الذي قام به "الصليبي" رحِمه الله ولكنه للأسف انساق وراء لعبة المُطابقة اللغوية ذات الطابع التعسّفي


سامي كليب: ركّز على اللغوي أكثر من التاريخي رغم أنه مؤرِّخ مشهور؟


فاضل الربيعي: أنا روايتي مُختلفة، أنا أولاً في مُجلّدات (فلسطين) المُتخيّلة قمت بنقل كلّ جغرافيّة التوراة إلى جغرافيّة (اليمن) كاملةً، آلاف المواقع


سامي كليب: حسناً، بعد الموجز لو سمحت لي


فاضل الربيعي: عفواً فقط كلمة واحدة


سامي كليب: تفضّل


فاضل الربيعي: ثمّ الآن العمل الجديد مع مُجلّدات (إسرائيل) المُتخيّلة، أدخلت هذه الجغرافيا ضمن التاريخ اليمني، التاريخ السبئي الحِميري


سامي كليب: أوكي. بعد الفاصل أُستاذ "فاضل" سوف نُكمِل في نقاش عن بعض النقاط التفصيلية. إبقوا معنا إن وجدتم هذه الحلقة مُفيدة لكم أعزّائي المُشاهدين، أكيد مُفيدة لكم. لحظات ونعود   


 المحور الثاني


سامي كليب: أهلاً بكم مُجدداً أعزّائي المُشاهدين لمواصلة هذه الحلقة من "لعبة الأُمم" نستضيف فيها المُفكِّر العربي العراقي "فاضل الربيعي" المتربِّع حالياً على عددٍ من المُجلّدات التي تُفكّك الرواية الإسرائيلية حول تاريخ (فلسطين) المُحتلّة، وعنده خصوصاً مُجلّدان مهمّان جداً، "فلسطين المتخيّلة" و"إسرائيل المُتخيّلة". أهلاً وسهلاً بك مُجدّداً


فاضل الربيعي: أهلاً بك


سامي كليب: دعني أقرأ مما ورد في كتاباتك أُستاذ "فاضل"، تقول إنّ التوراة تُطلِق على مكانٍ بعينه إسم (أورشاليم) ولا تقول عنه قط في أيّ شكلٍ من الأشكال أنّ المقصود منه (القدس) أو "قَدَس"، وهذا يعني أنّ شعب بني (إسرائيل) القديم هو من الشعوب والقبائِل العربيّة البائِدة. بنو (إسرائيل) كانوا عرباً


فاضل الربيعي: مرّة أُخرى دعني أشكرك أيضاً على هذا السؤال الحيوي


سامي كليب: أهلاً بك


فاضل الربيعي: هذه مناسبة جيدة في الحقيقة للتمييز بين بني (إسرائيل) واليهود. أنا في هذا السياق أذكُر في إحدى المقابلات التي ظهرَ فيها سماحة السيّد "حسن نصر الله" حفِظه الله انتقد الكثير من رجال الدين الذين يقومون بتأويل تعسّفي لآيات القرآن ويزعُم بعضهم أنّ (فلسطين) وعَدَ الله بها بني (إسرائيل). طبعاً هذا جزء من التزييف في الحقيقة، نحن لا نتحدّث فقط عن التزييف الذي قام به اللاهوت الاستشراقي الأوروبي، إنما هناك لاهوت استشراقي عربي إسلامي للأسف عندما يروّجون لهذه الأكاذيب. بنو (إسرائيل) قبيلة عربيّة يمنية قديمة بكلّ تأكيد ولديّ ما يكفي من الدلائِل. التمييز الذي أدعو له هو أنّ هناك مفهومين، اليهود


سامي كليب: قبل أن تُكمِل لكي أفهم. أنت تؤيِّد ما قاله السيّد "حسن نصر الله" أو تنتقِد؟


فاضل الربيعي: لا، أنا قلت إنّ سماحة السيّد "حسن نصر الله" انتقدَ الذين يزعمون أنّ القرآن الكريم وعَدَ بني (إسرائيل) بأن يُعطيهم أرض (فلسطين)، هذا جزء من التزييف يعني


سامي كليب: هو غير موجود طبعاً


فاضل الربيعي: هذا جزء من التزييف، أنا على العكس، أعتبر التفاتة السيّد "نصر الله" حفِظه الله لهذا الجانب هامّة وحيوية جداً لأنّها يجب أن تُنبِّه كلّ الناس من ألاّ يُخطِئوا في تفسير وتأويل القرآن الكريم. القرآن الكريم يُميِّز تمييزاً دقيقاً بين بني (إسرائيل) واليهود. في معرض إشارات القرآن لبني (إسرائيل) هناك تمجيد لأنّ بني (إسرائيل) عائِلة دينية مُقدّسة عرِفها العرب وتاريخ (اليمن) بشكلٍ أخصّ. يعني هي قبيلة عربية يمنيّة على وجه التحديد. التمييز بين بني (إسرائيل) واليهود أهميّته تكمُن هنا. بنو (إسرائيل) قبيلة واليهودية دين، وهذا تماماً يُشبه تمييزنا


سامي كليب: وبنو (إسرائيل) لم يكونوا معتنقين للديانة اليهودية؟


فاضل الربيعي: نعم


سامي كليب: لم يكونوا؟


فاضل الربيعي: نعم. اليهودية دين متأخِّر، بنو (إسرائيل) قبيلة عربيّة مُقدّسة أفرَدَ لها القرآن الكريم مكانة قُدسيّة خاصّة


سامي كليب: أُستاذ "فاضل"


فاضل الربيعي: فقط أكمِل هذه لو سمحت، أُكمِل هذه


سامي كليب: تفضل


فاضل الربيعي: اليهودية دين، هذا التمييز ضروري بين بني (إسرائيل) واليهودية، لماذا؟ كأنك تماماً كما تُميِّز بين "قريش" القبيلة والإسلام الدين. يعني ليس كلّ


سامي كليب: أهل "قريش" كانوا مسلمين؟


فاضل الربيعي: ليس كلّ مُسلِم هو من "قريش" وبالتالي ليس كلّ يهودي هو من بني (إسرائيل). هذا التمييز ضروري لأنّ هؤلاء الآن الذين يدّعون أنّهم من بني (إسرائيل) لأنهم يهود. هذا يُشبِه تماماً ربما أن يكون المرء مسلِماً فيليبينياً أو مسلماً صينياً. أنا من "قريش" لأنني مُسلِم فيقال له لا، أنت مُسلِم نعم ولكنك لستَ من "قريش"


سامي كليب: ممتاز، أُستاذ "فاضل" ذكرت وأشكرك أنّك ألمحت إلى أحد شيوخ الإسلام عملياً، هو قائِد مقاومة ولكنه أيضاً الشيخ والسيّد "حسن نصر الله"، ونحن نسأل هنا بالنسبة للمشايِخ الآخرين الذين يُتحفوننا كلّ نهار بفتوى هنا وفتاوى هناك، فتاوى أكثر في القتل مما هي في أمور أُخرى. حتّى الآن لم نرَ مجمعاً إسلامياً أو لغوياً أو فكرياً أو عقائِدياً يوضِّح كلّ ما توضّحه حضرتك في هذا الكتاب


فاضل الربيعي: نعم


سامي كليب: لذلك أنا سأعود إلى القرآن الكريم. مذكور إسم (إسرائيل) وبني (إسرائيل) مرّات عديدة في القرآن الكريم


فاضل الربيعي: بكلّ تأكيد


سامي كليب: عن أيّ (إسرائيل) يتحدّث القرآن؟


فاضل الربيعي: نعم، يتحدّث عن بني (إسرائيل) القبيلة العربية اليمنية القديمة، بين قوسين "العائِلة المُقدّسة" التي أفرَدَ لها القرآن الكريم مكانةً خاصّة في آيات كثيرة


سامي كليب: تذكُر (اليمن) الآيات؟


فاضل الربيعي: القرآن يذكُر (اليمن)


سامي كليب: أنا أسألك، يُذكر في الآيات


فاضل الربيعي: لا، الآيات هي في معرِض تمجيد، " ويا بني إسرائيل اذكروا نعمتي عليكم


سامي كليب: صحّ


فاضل الربيعي: "وفضّلناكُم على العالمين"


سامي كليب: ولكن ما الدليل في العلاقة مع (اليمن)؟


فاضل الربيعي: في سورة "الدخّان" على سبيل المثال. في سورة "الدخّان" يدور الحوار التالي: بنو (إسرائيل) يتضرّعون إلى الله سبحانه وتعالى أن يُعيدَ لهم آباءهم، فيقول النصّ القرآني بوضوح "أهُم خيرٌ أم قومِ تُبّع؟". لو كان بنو (إسرائيل) في (فلسطين) فمن غير المعقول والمنطقي أنّ القرآن الكريم يَقرُن بني (إسرائيل) بقوم "تُبّع"، ولا وجود لقوم تُبّع إلّا في (اليمن)، لا يوجد أيّ شعب من شعوب الكرة الأرضية يعرِف جماعة دُعيت بـ "تُبّع" أو قوم "تُبّع" إلّا في (اليمن)، وسورة الدخّان واضحة، بل أنّ بنية النصّ التوراتي، النصّ التوراتي كُتِبَ بالفِعل بلغة عبريّة يمنيّة قديمة، حتّى التراكيب. حتّى الآن لو أنّك أعطيتني فُرصة لأعطي الكثير من


سامي كليب: أعطيك كلّ الفُرصة


فاضل الربيعي: نعم، سأُعطيك بعض الأمثلة


سامي كليب: نعم، تفضّل


فاضل الربيعي: الأمثلة اللغوية. على سبيل المثال، في "سِفر يشوع"، عندما يقود "يشوع" مجموعة من الفرسان ويقتحم جبل "أريحا". بالمناسبة، "أريحا" التوراتية جبل، بينما (أريحا) الجغرافيا الفلسطينية هي


سامي كليب: مدينة مُسطّحة، نعم


فاضل الربيعي: أكثر المُدن في العالم انخفاضاً، هي مُنخفض. عندما يقتحمون الجبل وتقع المواجهة يسقُط جرحى وقتلى، فيستخدِم النصّ العِبري لعمليات إجلاء الجرحى تعبير "ويردفُم"، وهذا التعبير لا وجود له إلّا في اللغة اليمنية، من "أرداف"، أردفه خلفه. هلّ من المنطقي تخيُّل أنّ هذه البيئة اللغوية والجغرافيّة والتاريخية في النصّ التوراتي هي في (فلسطين)؟ لا يوجد أيّ أثر لا لغوي ولا تاريخي ولا جغرافي لكلّ قصص التوراة في (فلسطين)


سامي كليب: أعطني مثالاً آخر على أنّ المقصود (اليمن)، غير هذا المثال اللغوي. هل هناك مثال آخر أكيد؟


فاضل الربيعي: سأُعطيك عشرات الأمثلة


سامي كليب: مثال قوي


فاضل الربيعي: سأعطيك مثالاً قوياً جداً من التاريخ. تذكُر التوراة في "سِفر صموئيل الثاني" أنّ الملِك "آسا" قرّر أن يتخلّى عن الملكيّة ويُصبِح كاهِناً. يعني هذا النص التوراتي يُفيد بأنّ أحد الملوك اليهود، هو أحد ملوك "يهودا" وليس من بني (إسرائيل)، ملوك (يهودا)، ملوك الجنوب وليس ملوك الشمال، تخلّى عن مرتبة الكِهانة لصالح الملكية، أنه أعطى الكهانة لكاهن آخر. هذه الواقعة لم تحدُث على الإطلاق إلّا في تاريخ (اليمن) عندما قام "كيريب إيل وتر" إبن "سَمَع علي"، أي إسمه إبن "إسماعيل"، نتحدث عن "كيريب إيل وتر" سنة 650 قبل الميلاد. إسمه " كيريب إيل وَتَر بن ذَمَر سمع علي" إبن "ذمار"، "سمع علي" أي "إسماعيلي"، عندما قرّر بمرسوم ما يُعرَف بقوس النصر الشهير أو "نقش النصر"، بمرسوم باللغة السبئِيّة يقول فيه أنّه تخلّى عن الكهانة، لأن كلمة "كيريب" تعني كاهن، وأنه سيظلّ ملكاً


سامي كليب: "كيريب" تعني                


فاضل الربيعي: "كيريب" بمعنى الكاهن، هو المُقرِّب الذي يُقرِّب الذبيحة الإلهية. وأبقى لنفسه لقب الملك وتخلّى عن الكهانة وطلبَ من أحد الكهنة أن يتولّى نيابةً عنه تقديم الذبيحة. هذه الواقعة التاريخية الموثّقة في النقوش المَسندية سنة 650 قبل الميلاد لا أثرَ لها إلّا في هذا النصّ التوراتي، عندما تُصوِّر ملكاً إسرائيلياً، تُطلِق عليه إسم، ملكاً يهودياً من ملوك الجنوب، تُطلِق عليه إسم "آسا"


سامي كليب: أُستاذ "فاضل"، حضرتك تعمّقت في دراسة اللغة التي كُتِبَت فيها التوراة؟ اللغة الأولى؟


فاضل الربيعي: اللغة العبرية القديمة، أنا مُختصّ في اللغة العِبريّة القديمة


سامي كليب: درستها سنوات طويلة وتعمّقت بها؟ أو كيف؟ من خلال أحد؟


فاضل الربيعي: يعني منذ العام 1996 وأنا أدرُس هذه اللغة


سامي كليب: أوكي. وتعتبر اليوم لو جاءك شخص ربما ضليع في اللغة ويقول ربما أنت تُخطئ في بعض الفترات


فاضل الربيعي: فليتفضّل


سامي كليب: يعني تعمّقت فيها إلى درجة أنّك صرت تفهم كلّ تفاصيلها عملياً؟


فاضل الربيعي: أنا أعتقد أنني في كُتبي واضح، لو هناك شخص مختصّ يُفنِّد روايتي، أنا أخرجت عشرات الكُتب


سامي كليب: هلّ حاول الإسرائيليون تفنيد رواياتك مثلاً أو الردّ عليك؟


فاضل الربيعي: لا على العكس، أنا مثلاً، على سبيل المثال "شلومو ساند" تحدّث مع بعض معارِفه، وأنا أعرِف بعض المعارِف، وهم قالوا لي أن "شلومو ساند" يبلّغك تحياته وهو مُستعِدّ لأن يلتقيك في أيّ مكان في العالم لأنه يعلم أنّ أدواتك صحيحة


سامي كليب: حسناً، "فلنكشتاين" هلّ حاولت التواصل معه أو حاول التواصل معك؟


فاضل الربيعي: هناك من أخبرني أنه أرسل الكثير من كُتبي التي تُرجِمت إلى اللغة الإنكليزية أو إلى العبرية، أنا لديّ كُتُب تُرجِمت للعبرية لكن للأسف طبعاً أنا أتحدّث عن مجهود فردي، أنا لوحدي، وليس خلفي لا دولة ولا مؤسّسة ولا حزب


سامي كليب: إلى كم لغة تُرجِمت الكُتب حتّى الآن، الإنكليزية والعبرية فقط؟


فاضل الربيعي: الإنكليزية والعبرية والفرنسية، ولكن للأسف أنا لا أستطيع أن أطبع هذه الكُتب. أنا حاولت عن طريق الكثير من الأصدقاء المثقفين في الأرض المُحتلّة


سامي كليب: فليتفضل ثري عربي، على الأقل هذا ليس قتالاً وليس صواريخاً، يريد أن يطبع كتباً. إسمح لي لأنني وجهت هذه الدعوة بإسمك


فاضل الربيعي: أنت تعرِف إبنتي


سامي كليب: طبعاً السيّدة "ندى" ونوجّه لها تحية


فاضل الربيعي: هي التي قالت بصراحة ووضوح أمام الجميع، قالت: "نحن ندفع تكاليف كلّ ما نترجمه من رواتبنا"، أولادي يدفعون


سامي كليب: وهي أعزّائي المُشاهدين التي اشترت له بيتاً في (القنيطرة). كلّ هذا الفِكر في الواقع لا يستطيع أن يعيش منه للأسف. تقول أنّ جبل "صهيون" هو جبل عربي شامخ من جبال (اليمن). هذا أساساً دليل


فاضل الربيعي: نعم


سامي كليب: وأنّ الشِعر الجاهلي تغنّى به وذَكَره بالارتباط مع منطقة (نجران) وليس بـ (فلسطين)


فاضل الربيعي: بكلّ تأكيد


سامي كليب: أعطني بعض الأمثلة عن الشِعر الجاهلي الذي ذَكَر (القدس) مثلاً


فاضل الربيعي: سأروي لك الرواية التالية. الكثير من الموارِد التاريخية العربية القديمة تورِد قصّة "أعشى همدان"، "الأعشى"، لأنّ هناك في الحقيقة تسعة عشر "أعشى"


سامي كليب: صحيح


فاضل الربيعي: ما يهمنا من هؤلاء هو "أعشى همدان"، "همدان" هي القبيلة اليمنية. "أعشى همدان" كانت له صِلات صداقة بمسيحيي (نجران) وكان يتردّد عليهم. مسيحيو (نجران) في ذاك الوقت كان أسقفهم الأكبر، الأعظم، يعني أُسقُف (نجران) الكبير هو "الحارث بن كعب" وكان لديه ولدان، الأول إسمه "عبد المسيح" والآخر إسمه "يزيد"، وكان "أعشى همدان" يتردّد عليهم ويبدو لي أنّ "أعشى همدان" كان في ذاك الوقت نصرانياً


سامي كليب: نعم


فاضل الربيعي: هو الذي حذّرَهم في قصيدة شهيرة يقول فيها، في أحد مقاطعها: فإن أجلبت صهيون بوماً عليكما وكنتم إلى الحربِ الدكوف إلى آخره. لماذا يُحذِّر


سامي كليب: من بني "صهيون"


فاضل الربيعي: لماذا يُحذِّر "أعشى همدان" في قصيدة طويلة عريضة، يُحذِّر أساقفة (نجران) من زحف سيأتيهم من "صهيون"؟ في ذاك الوقت طبعاً، هذه القصيدة طبقاً لقراءتي للقصيدة وتحقيقاتي التاريخية تاريخها حوالى 524 ميلادي. في ذاك الوقت، كان عصر "ذو النوّاس الحِميري"، الملك الحِميري


سامي كليب: لا نريد الإطالة كثيراً في هذه المسألة، فقط بعض الشواهِد، لا بأس إسمح لي لأنّ عندي أسئِلة ربما ستكون أهمّ، فقط بعض الشواهِد من الشِعر الجاهلي حول ذِكر (القدس) ومن هي المقصودة بهذه (القدس)


فاضل الربيعي: نعم


سامي كليب: تفضّل


فاضل الربيعي: الشعر الجاهلي العربي القديم عرِفَ إسم (القدس) كإسم لمجموعة من المناطق والجبال الموجودة حتّى في الجزيرة العربيّة


سامي كليب: أوكي، في جميع الأحوال ليست "القدس" الحاليّة


فاضل الربيعي: بكلّ تأكيد


سامي كليب: ماذا قال مثلاً؟


فاضل الربيعي: على سبيل المثال، نُعطي "خُفافة بن نُدبة السُلّمي" مثلاً. "فالطَودُ فالملِكات أصبح دونها ففراعُ قُدسٍ فعُمقها فعسوا". يعني ما علاقة "قدس" هنا؟ هذه أسماء مواضع لا وجود لها إلّا في (اليمن)، فالطود فالملِكات أصبح دونها بمعنى قبل أن نصل إلى منطقة "الطود" و"الملكات" نشاهِد فراع "قدس"، بمعنى امتداداتها الصخريّة


سامي كليب: غير هذا البيت، بيت آخر


فاضل الربيعي: مثلاً "البحتري"، "صعدوا جبالاً من "عُلاكة" كأنها هضبات "قدسٍ" و"يذبُلَ" و"حدا"


سامي كليب: كأنّها هضبات "قدس"، يعني كانت هضبة


فاضل الربيعي: هنا بمعنى، (القدس) العربية هي فوق هضبة واحدة ونتحدث عن هضاب بمعنى الصخر لأنّ في الوصف الجغرافي في قصيدة "البحتري" يتحدّث عن جغرافيا وعِرة جداً، مناطق جبليّة


سامي كليب: حسناً، هل هناك غيره؟


فاضل الربيعي: يعني "الأسود بن يعفُر النهشري"، " وحاملٍ كزُهاء اللاب كلفه ذو مربضٍ من مياه "الفِهرِ" أو "قُدس"


سامي كليب: أوكي. تقول في الكتاب بعد أن تذكُر كلّ هذه الأبيات أُستاذ "فاضل"، " من سائِر هذه المقتطفات الشِعرية نفهم أنّ العرب القُدماء عرفوا (القدس) في "وادي الرمّة" وهما جبلان بإجماع الرواة والجغرافيين


فاضل الربيعي: هذا جبل عُرِف في الشعر الجاهلي بـ "قدس أوّارة" أو "قدس آرا"، "وأنت من أهل "قدس آرا، كفاك الله.." إلى آخره. الكثير من أشعار الجاهليين ذكَرت إسم جبال في "الجزيرة العربية" حمِلت أو عُرِفت باسم جبل، وكان يُقال عن جبل "قدس" في شمال الجزيرة العربية، يعني أتحدث عن الشِعر الجاهلي في شمال الجزيرة العربية، عرِفَ مكاناً بإسم جبل يُسمّى "جبل قدس"، وهذا أمرٌ مألوف أنّ كلّ المُهاجرين ينقلون معهم أسماء أماكنهم


سامي كليب: صحيح. وكأنّ هذا الإسم كان متناولاً من قِبَل العديد من الأطراف. مثلاً وأنت تتكلّم الآن "قدس وقَدَش" أُفكِّر مثلاً بمغارة "قاديشا" عندنا في (لبنان)، هلّ لها أصل قُدسيّ مثلاً في رأيك؟


فاضل الربيعي: أنا أفترِض أنّ العاملين الرئيسيين في وجود الكثير من الأسماء المتشابهة، يعني من أرض (اليمن) حتّى (لبنان) أو في (سوريا) أو في (العراق)، العامل الأول هو هجرات القبائِل


سامي كليب: صحيح


فاضل الربيعي: يعني كلّ الذين يُهاجرون يحملون معهم أسماء أماكنهم أو ذكرياتهم عن الأماكِن التي عاشوا فيها، والعامل الثاني هو العامل الديني، بمعنى أنّ الميل الغريزي الطبيعي للقبائِل والسُكّان


سامي كليب: أن تُحافِظ على أسماء ذات بعدٍ ديني


فاضل الربيعي: أو أنهم يضيفون عليه القداسة فيقدّسونها، وهذا تقليد ديني مألوف


سامي كليب: كنّا نتحدّث عن دكتور "إسرائيل فلنكشتاين" المؤرِّخ والباحِث الأثري الإسرائيلي


فاضل الربيعي: عالِم الآثار


سامي كليب: نعم، عالِم الآثار بالأحرى يقول في كتابه "التوراة مكشوفة على حقيقتها" كلاماً مهماً يتوافق تماماً مع ما تتفضل به. يقول: إنّ العديد من أحداث التاريخ التوراتي لم تحدُث لا في المكان ولا في الطريقة والأوصاف التي رُوِيَت في الكتاب المُقدّس العبري، وهذا أعزّائي المُشاهدين مؤرِّخ إسرائيلي ويُدرِّس في (إسرائيل)، يقول: بل بعض أشهر الحوادث في الكتاب المُقدّس العبري لم تحدُث مُطلقاً وهو يقول أيضاً: (أورشاليم) لم تكن سوى قرية نائِية وصغيرة في منطقةٍ هضبيّة. إنّ أسفار الكتاب المُقدّس العبري، الخمسة الأولى على الأقل، قد كُتِبَت ثمّ وُسِّعَت وزُيِّنَت لاحقاً من قِبَل مُحرّرين مجهولين ومُراجعين متعدّدين على مدى عدّة قرون. هذا التاريخ تمّ تأليفه أثناء فترة النفي في مُحاولةٍ، وهذه نُقطة مُهمّة، للحفاظ على تاريخ وثقافة وحضارة وهويّة الأُمّة المقهورة بعدَ كارِثة دمار (أورشاليم)، وإنّ أجزاء أُخرى قد أُضيفت بعد قرون. إنّ الهِجرة الغربية المُفتَرَضة لمجموعاتٍ من بلاد ما بين النهرين نحو "كنعان" لم تعُد صالِحة ولم تكن أساسية. هنا أنا أودّ أن أسألك عن الهُجرات التي تمّ الحديث عنها، "داوود" وأبناء "داوود" وبني "كنعان" ومن "مصر" و"سيناء" وما إلى ذلك، كلّ هذا متخيّل أيضاً؟


فاضل الربيعي: لا. هذا لم أقل أنّه متخيّل ولكن جرى تأويله في طريقة تعسّفيّة


سامي كليب: كيف مثلاً؟


فاضل الربيعي: مثلاً، نبدأ من القصّة الأُمّ الكُبرى وهي هُجرة "إبراهيم" النبي عليه السلام الذي يُزعَم أنّه هاجر من (أور) الكلدانية. النصّ العِبري الأصلي لا يقول إنّ "إبراهيم" خرَجَ من (أور) الكلدانية بل يقول خرج من (أور) الكِزديم


سامي كليب: يعني أين؟


فاضل الربيعي: أولاً، قبل أن نسأل أين، لماذا تُرجِمَت كلمة "كزديم" إلى كلدانية؟


سامي كليب: أوكي


فاضل الربيعي: هذه ترجمة، وهذا هو جزء من التزييف، التأويل الذي قام به الاستشراقيون اللاهوتيون لتزييف الرواية لمُطابقتها مع أرض (فلسطين)، كأنّ النبي "إبراهيم" هاجر من (أور) الكلدان. أولاً، في عصر "إبراهيم" لم يكن هناك شعب إسمه كلداني، هذا الشعب سيظهر بعد "إبراهيم" بسبعمئة سنة


سامي كليب: أوكي


فاضل الربيعي: ثانياً، النصّ التوراتي لا يذكُر إسم الكلدانيين، يقول "كسديم". الياء والميم في العربية هي أداة تثنية أو جمع، يعني الكُساد من مفرد "كسد"، "الكساد". هذا الجبل أو هذه المنطقة أو هذا المكان لا وجود له إلّا في (اليمن)، يعني أنا تحدّثت وكتبت في الكثير من مؤلفاتي وتحدّثت في مناسبات مُختلفة أنّ "كسديم" هو هذه المنطقة في الجغرافية الممتدّة بين "طالِع" و"لحج"، وهناك حدثت هجرة "إبراهيم". لذلك ما يُسمّى بأرض "كنعان" هو جزء من التلاعُب والتزييف، لا يوجد شيء إسمه شعب "كنعان" ولا أرض "كنعان"، هذه أُكذوبة


سامي كليب: طالما لا يوجد شعب لم تكن هجرة إذاً عملياً


فاضل الربيعي: بكلّ تأكيد


سامي كليب: حسناً، أُستاذ "فاضل" الآن نحن أمام "حائِط المبكى" و "حائِط البراق". "حائِط المبكى" له أساس؟


فاضل الربيعي: لا توجد على الإطلاق في التوراة أيّة إشارة أو تلميح، مُجرّد تلميح، أنّ هناك حائِطاً في معبد يهودي يُدعى "حائِط المبكى". هذا جزء من التلاعُب والخداع الاستشراقي الحديث


سامي كليب: من أين جاءت هذه الأُسطورة؟ ويذهب اليهود ويبكون هناك


فاضل الربيعي: سأُخبرك. الاستشراقيون اللاهوتيون، التوراتيون المتعصّبون وجدوا قصيدة في النصّ التوراتي لـ "حزقيال" النبي. في "حزقيال" هناك مقطع صغير يقول فيه حرفياً "حزقيال": "وها هنا ثمّة يهوديات يبكين على تمّوز". هلّ يُمكنك أن تتخيّل النساء اليهوديات يبكين على إله وثني عراقي قديم هو الإله "تمّوز"؟ هذا المقطع أُخِذَ على أنّه قُصِدَ به ما يُسمّى "حائِط البراق" على أنه "حائِط المبكى". أولاً لا توجد تقاليد بكائية لليهود الغربيين الذين يتحدّرون من أصول هولندية أو ألمانيّة أو فرنسيّة أو روسيّة أو أميركية، لا يعرِفونها، لا توجد تقاليد بكائية. تقاليد البُكاء موجودة في المنطقة، في (العراق)، في (لبنان)، في (مصر)، هذه تقاليد بُكاء وثقافة بكائية قديمة اليوم أنت تُشاهدها في طقوس استشهاد الإمام "الحسين" أو في (مصر) استمراراً لطقوس مصرع الإله "أوزيروس"، وفي (العراق) استمراراً لمصرع الإله "تمّوز"، هذا الإله العراقي القديم. إذاً ما يُسمّى "حائِط المبكى" هو جزء من الخداع لا أصل له. التوراة لا تذكُر على الإطلاق في أيّة صورة ولا حتّى مُجرّد تلميح تذكُر إسم "حائط المبكى". هي تروي فقط كيف يُقرِّع النبي اليهودي الكاهن "حزقيال" الشاعر، يُقرِّع اليهوديات لأنّهنّ يبكين في معبد "تمّوز". هذا يعني أنّ هذه القصيدة تتحدّث عن جماعة يهودية ارتدّت إلى الوثنيّة وقامت بعبادة الإله "تمّوز" وناحت عليه


سامي كليب: في الديانة اليهودية لا توجد علاقة مع "حائِط المبكى" عملياً؟


فاضل الربيعي: لا، لا يوجد، و "حائِط المبكى" هو جزء من تلفيق، لا يوجد. هو جزء من التلفيق، من الأكاذيب كما كذبوا وقالوا أنّ (القدس) هي (أورشاليم) القديمة. بالمناسبة، ما أهمية أن نتحدث عن الفصل بين (القدس) و(أورشاليم)؟ ما أهمية هذا الفصل؟ لا يُمكنك أن تُقاتل أو تناضل من أجل تحرير (القدس) ومن أجل (القدس) وأنت تؤمِن أنّ (القدس) هي (أورشاليم)؟ إذا لم نفُكّ الارتباط بين إسمي (القدس) و(أورشاليم) لن نتمكّن من مواجهة هذه الرواية


سامي كليب: حسناً أُستاذ "فاضل"، هنا مسألة حساسة جداً سأقول لك لماذا. لأنّ عندنا أيضاً كاتب كبير هو "يوسف زيدان" يُريد أن يُفكِّك الأُسطورة أيضاً في جانبها الإسلامي، وتعلم أنه تطرّق إلى قضيّة تاريخ (المسجد الأقصى)


فاضل الربيعي: أنا إذا تسمح لي


سامي كليب: إسمح لي فقط سؤال، تطرّق إلى (المسجد الأقصى) وإلى "الإسراء والمعراج" إلى "صلاح الدين" وما إلى ذلك وأثار الكثير من ردود الفِعل الناقدة والأكثر من ناقدة. الآن تفضّلت حضرتك بجُملة أساسية وأنا أعلم أنّ قلبك ينبُض على قلب (فلسطين) وأنت مناضل لأجل (فلسطين). لكن الآن حين نقول للناس، "لا تناضلوا ولا تُجاهدوا من أجل (القدس) لأنّ هذه (القدس) هي مُتخيّلة عملياً ولم تكن هذه هي الأساس. على أيّ أساس ستقول للفلسطينيين هذه كانت أرضهم وهذه (القدس) العربيّة قُدسهم؟


فاضل الربيعي: أوّلاً لأنا لم أعتَد في الحقيقة


سامي كليب: أن تردّ على أحد، أنا عارِف


فاضل الربيعي: ولا أُسيء لأحد، كلّ الناس يعني لهم نصيبهم في الاجتهاد، لكن يؤسفني أنّ الكثير من هذه الاجتهادات هي في الحقيقة ترّهات


سامي كليب: اجتهادات "يوسف زيدان"؟


فاضل الربيعي: لا، أنا لا أُسيء لأيّ شخص ولا أتحدّث عن أيّ شخص، أنا أتحدث عن هذا النوع من الاستنتاجات التعسّفية. أولاً لا يوجد أيّ دليل فيما يُزعَم أنّ (القدس) هي مدينة يهودية قديمة، وهذا جزء من في الحقيقة تكريس لأكاذيب المُستشرقين واللاهوتيين والتوراتيين


سامي كليب: أوكي


فاضل الربيعي: ثانياً، أنّه لا يُمكن لأيّ شخص أن يتخيّل أنني حين أدعو للفصل بين إسميّ (القدس) و(أورشاليم) كأنني أُقلّل من قداسة المدينة أو من أهميّتها، على العكس، مدينة (القدس) لا تستمدّ قداستها ممّا يُزعَم أنّه إرثٌ يهودي. قرار اليونيسكو، تعرِف جيداً أنّ قرار اليونيسكو أبطل أيّة مزاعِم تقول أنّ هناك تُراثاً يهودياً في المدينة المُقدّسة، ومن بين الوثائِق التي قُدِّمت


سامي كليب: نُشِر بالكامل القرار؟ تفاصيل القرار؟


فاضل الربيعي: لم يُنشر ولكن من بين الوثائِق التي قُدِّمت لليونيسكو لاعتماد هذا القرار كتابي "القدس ليست أورشاليم"


سامي كليب: أوكي، لا شيء مُقدّس، فلنفترِض ذلك وربما سيرُدّ عليك كثيرون بعد هذه الحلقة، لن نفترض أنه يوجد أي شيء مُقدّس يهودي في (القدس) ولكن هناك أشياء مُقدّسة إسلامية ومسيحيّة أنت توافق عليها


فاضل الربيعي: أنا أقول إنّ (القدس) مدينة عربيّة إسلاميّة وليست مدينة يهوديّة


سامي كليب: إذاً يحُقّ للعربي والفلسطيني أن يُقاتل وليس فقط يُجاهِد في الكلمة من أجل (القدس)


فاضل الربيعي: بكلّ تأكيد، لذلك أنا أدعو هذا الفلسطيني أن يكُفّ عن تبنّي الرواية التوراتيّة التي تقول إنّ (القدس) هي (أورشاليم) لأنّك إذا أنت


سامي كليب: أُستاذ "فاضل" لكي نُبسِّط المسألة، وأنا إسمح لي أُحاول أن أُساعدك ولستُ أُقاطعك، بماذا ننصح الفلسطيني اليوم، أن يُناضِل من أجل ماذا؟ تقول "أفصل بين (أورشاليم) وبين (القدس)، إذا ما الذي يجب أن يتبنّى، أيّة مقولة يجب أن يتبنّاها؟


فاضل الربيعي: (القدس) ليست (أورشاليم)، لماذا؟ إذا كنت أنت تؤمِن أنّ هذه المدينة، أنت المُسلِم العربي الذي اغتُصِبَت أرضك، تؤمن أنّ هذه المدينة التي إسمها (القُدس) هي (أورشاليم) وعدوّك الذي اغتصب (المدينة) وقتلك وشرّدك يقول إنّها (أورشاليم) وأنت تقول هي (أورشاليم) فعلى ما الصراع؟ لم يعد هناك صراع. استمرار الفلسطينيين في القول إنّ (القدس) هي (أورشاليم)، هذا يعني أنّهم يؤيِّدون الرواية التوراتية


سامي كليب: حاولت أن تنصح الرئيس الفلسطيني أو السُلطة بذلك؟ خصوصاً أنّ لك تاريخ طويل في النضال معهم مباشرةً، مع المنظمات الفلسطينية


فاضل الربيعي: أنا كما قلت لك أقول مرة أُخرى، أنا فرد ضعيف وأعزل ولا أملُك أيّ شيء


سامي كليب: خذ هاتفك واتّصل به وقل له


فاضل الربيعي: أنا لا أتّصل بأحد


سامي كليب: لماذا لا تتصل؟


فاضل الربيعي: لا أتصل بأحد


سامي كليب: أنا أتّصل عنك، يعني من اللازم أن يصير هذا الشيء


فاضل الربيعي: أنا زهدت في الدنيا منذ وقتٍ طويل


ل سامي كليب: لكن نحن لم ولن نزهد بك، هذا الأساس


فاضل الربيعي: يا سيّدي أنا قلت كلاماً، هذا الكلام إذا وصَلَ لأسماع الفلسطينيين سأكون سعيداً


سامي كليب: سيصل، على الأقل سيشاهدونه على "لعبة الأمم"


فاضل الربيعي: إن شاء الله


سامي كليب: وإلّا سنوقِف البرنامج إذا لم يُشاهدوه. حسناً أُستاذ "فاضل"، الآن تعرِف ونعرِف أنّه نُهِبَت متاحِف بلدك الأصل، (العراق) ونُهِبَت متاحف في (سوريا) غيرها. ما لا يقلّ عن خمسة آلاف مخطوطة وقطعة بعضها يعود إلى فترة السبي البابلي، ويقول المُشرفون على متاحف (بغداد) أنّ جزءاً أساسياً منها ذهب إلى (إسرائيل)، و(إسرائيل) تعرِض هذه المخطوطات في (القدس) حالياً. هلّ نهب هذه الآثار هو لاختلاق رواية إسرائيلية أو لتأكيد الرواية الإسرائيلية؟ هلّ في هذه الآثار والمخطوطات ما يؤكِّد كذب الرواية الإسرائيلية؟


فاضل الربيعي: شوف. الإسرائيليون اليوم يتلهّفون، يتحرّقون، يتشوّقون لأيّ دليل مادّي يؤيِّد روايتهم. يعني هم حاولوا


سامي كليب: لكن هلّ في هذه المتاحف ما ينفي روايتهم كي يسرقونها؟


فاضل الربيعي: لا لا، أنا سأقول لكم، أهمّ قطعة هُرِّبَت لـ (إسرائيل) هي منحوتة السبي البابلي


سامي كليب: صحيح


فاضل الربيعي: أنا أذكُر أنني شاهدت هذه القطعة مراراً وتكراراً في زياراتي للمتحف العراقي عندما كنت في (العراق)


سامي كليب: حتّى يُقال أنّ بينها لفافات تاريخية أيضاً أهمّ


فاضل الربيعي: نعم، سُرِقت لفافات توراتية قديمة، صحيح، سُرِقَ الكثير من الأشياء


سامي كليب: وهذه كانت في يد العرب عملياً وعندهم الرواية الأصلية، حين تذهب إلى (إسرائيل) قد يستندون إليها لرواية أُخرى، هذا ما الذي أُريد أن أعنيه


فاضل الربيعي: وهذا ما قصدته أنا، أنّ هؤلاء يتشوّقون للحصول على أيّة قطعة أو أثر أو مخطوطة فقط ليستخدموها لدعم روايتهم الهشّة والضعيفة والتي لا يؤيِّدها حتّى علم الآثار. علم الآثار بما في ذلك جهود عُلماء الآثار الإسرائيليين المُتعاقبين طوال سبعين سنة فشلت في الحصول على أي دليل أركيولوجي واحد، لذلك بالمناسبة جرت مؤخراً عمليّة فيها جزء من الخداع عندما زعَم "نتنياهو" أنّه حصَلَ من (اليمن) على توراة قديمة وأنا كتبت وقلت أنّ هذا جزء من الأكاذيب لأنّ هذه المخطوطة التوراتية التي عرَضها "نتنياهو" لا يتجاوز عُمرها ثلاثمئة سنة وهي من الورق العادي، وأنا في جولاتي في (اليمن) ذهبت لأكثر من عشر مرّات في زيارات ميدانية لـ (اليمن) وجمعت مئات المخطوطات باللغة العبرية من المعابِد اليهودية، بما في ذلك مخطوطات مكتوبة على جلد الإيل أو الغزلان ويرقى عُمرها إلى أكثر من ألفيّ سنة


سامي كليب: لا توجد أيّة مؤسسة حالياً عند العرب ولا في جامعة الدول العربية العظيمة ولا أيّة مؤسسة للحفاظ على هذه المخطوطات وإعادة دراسة هذا التاريخ؟ يعني على الأقلّ، إذا كانت الجامعة لا تُقدِّم شيئاً، في العلم أيضاً لا تُقدِّم شيئاً؟ في دراسة المخطوطات؟


فاضل الربيعي: للأسف، لا الجامعة ولا الجامعات


سامي كليب: ولا الجامعات؟


فاضل الربيعي: هم مشغولون بأُمور أُخرى يعلمها الله


سامي كليب: واضحة، ماذا يعلم الله! تشريع اجتياح (ليبيا) واجتياح (العراق) واجتياح (سوريا)، يعني عندهم هموم أكثر. أُستاذ "فاضل"، الآن الكلام في كُتبِكَ طبعاً، وكما أشرنا في البداية، يستنِد إلى مخطوطات، يستنِد إلى كُتب، يستنِد إلى توثيق، إلى دراسة ربّما تتعّدّى الربع قرن. حتّى الآن عملياً لم نرَ إّلّا كما تفضلت في بعض الجامعات هنا في المملكة المغربيّة. الإحجام عن تدريسها في جامعات أُخرى قد يكون أيضاً ناتجاً من عدم الانتشار لهذه الكُتب لأنّ لا أحد يُساعِد في انتشارها لأسباب سياسية وربما تُقلِق هذه الدول. إن شاء الله بعد هذا النوع من المُقابلات وغيرها التي أُجرِيَت معك أن يصير هناك اهتمام. تقول في أحد كتُبِكَ أيضاً عن أُسطورة إمبراطورية بني (إسرائيل)، أنّ هذه الإمبراطوريّة المزعومة قبيلة صغيرة إسمها "بنو إسرائيل"، وهذا لا وجود له في التاريخ لأنّ تاريخ البشرية لا يعرِف قبيلة صغيرة افتَرَست امبراطوريتين عظيمتين في (مصر) وبلاد ما بين النهرين بسهولة ومن دون قتال وحروب. حين نسمع الشعار الأساسي الإسرائيلي، "من النيل إلى الفُرات" أو العكس، من أين جاء هذا الشعار؟ ما هو سنده؟


فاضل الربيعي: مرّة أُخرى، هذا جزء من التلفيق الاستشراقي ولا يوجد في التوراة في النصّ العِبري، وأنا أتحدّى كلّ المُختصّين من العرب وغير العرب، من كلّ الذين يزعمون أنّ هناك نصّاً في التوراة يقول إنّ الله، أنّ الربّ وَعَد بني (إسرائيل) بأن يُعطيهم الأرض من (مصر) حتّى بلاد ما بين النهرين، هذا جزء من الأكاذيب. الوعد الإلهي أو ما يُسمّى بالميثاق أو العهد هو العهد مع النبي "إبراهيم" في التوراة، يتحدث عن أماكن صغيرة ومساحة محدودة، "لنسلِكَ أُعطي هذه الأرض" من نهر "مصريم"، كلمة "مصريم"


سامي كليب: لا تعني (مصر)


فاضل الربيعي: لا تعني (مصر)، و(مصر) لم تُعرَف أنها


سامي كليب: "مصريم" أم "مصرايم"؟


فاضل الربيعي: "مصرايم" بالـ


سامي كليب: بالعبري


فاضل الربيعي: باللفظ العِبري الحديث


سامي كليب: أوكي


فاضل الربيعي: في القديم "مصريم"


سامي كليب: أوكي


فاضل الربيعي: "لنسلِكَ أُعطي هذه الأرض من نهر "مصريم" حتّى النهر الكبير". في التصحيحات على النسخة اليونانية من التوراة فسّروا كلِمة "النهر الكبير" أنّها تعني (الفرات) بما أنّ هناك نهر "مصريم"، يعني هذا هو (النيل)، إذاً النهر الكبير يعني (الفرات)، فلِذلك وُضِعت في شُروحات الكتاب المقدّس على النسخة اليونانية القديمة أنّ المقصود من هذا النصّ هو (الفرات)


سامي كليب: نعم


فاضل الربيعي: لذلك نشأت أُسطورة


سامي كليب: "من النيل إلى الفرات"


فاضل الربيعي: "من النيل إلى الفرات"، أمّا النصّ التوراتي فواضح ولا وجود لكلمة لا (النيل) ولا (الفرات)


سامي كليب: أوكي، هذا يدفعنا أُستاذ "فاضل" لسؤال جوهري حول التوراة، يعني منذ أيام الترجمات الأولى التي قادها مسيحيّون عملياً كان بعضهم أو أساسهم يريدون فعلاً نقل العلوم ولم يكن هناك أسباب سياسية أو دينية وما إلى ذلك. مثلاً حين نتحدّث، منذ فترة "بطرس البستاني" حتّى اليوم لاحظنا أنّ في العقود الماضية أو حتّى في القرن العشرين لحدّ القرن الواحِد والعشرين ربّما كانت الترجمات ضئيلة جداً للتوراة. هلّ من ترجمة مُعتمدة يُمكن أن تنصح بها لقارئ عربي لا يعرِف العبريّة؟ مثلاً اليوم موجودة في الأسواق ويمكن أن يشتريها؟


فاضل الربيعي: لا. أفضل طبعة هي ما تُعرَف في (بيروت) بالطبعة اليسوعية، هي أفضل طبعة وأفضل ترجمة. لكن أنا شخصياً لا أقرأ التوراة بالعربي لأنّ هذا النص لا أعترِف به لأنّ كلّه مُتلاعب به ومُزيّف ومُزوّر 


سامي كليب: حسناً، النصّ الأصلي؟


فاضل الربيعي: النصّ الأصلي باللغة العِبرية


سامي كليب: لم يُترجَم إلى العربيّة نهائياً؟


فاضل الربيعي: لا، هذا هو الذي تُرجِم ولكن كيف تُرجِم؟


سامي كليب: هذا مُزوّر تقول


فاضل الربيعي: في التأويلات للنصّ العِبري أثناء الترجمة تلاعبوا بالكثير من


سامي كليب: أقصد لا يوجد نصّ أصلي لم يتمّ التلاعُب به؟


فاضل الربيعي: لا لا، النصّ الأصلي للتوراة في اللغة العِبريّة لا غبار عليه، المُشكلة هي في الترجمات التي تمّت عن هذا النصّ


سامي كليب: حسناً، في مسألة "من النيل إلى الفُرات"، معروف أنّ (إسرائيل) ربما الدولة الوحيدة في العالم، أو دعنا نقول الكيان وليس الدولة، التي ليس فيها دستور ولا حدود على أساس أنّ الدستور هو التوراة والحدود مفتوحة على كلّ ما يُمكن أن تناله يد (إسرائيل). على كلّ حال، هلّ لهذه المسألة أيضاً بعد ديني أو أساس ديني أم مُختلقة أيضاً، أنه من غير اللازم أن يكون هناك حدود؟


فاضل الربيعي: هذا يقودنا إلى نقاش حول ما يُسمّى الآن بقانون "يهوديّة الدولة". أولاً يجب أن يتحلّى الفلسطينيون بالشجاعة الكافية ليقولوا للإسرائيليين، "نتحدّاكُم أن تُقدِّموا برهاناً واحِداً أنّ (إسرائيل) القديمة كانت دولة يهودية، وأنا سأُقدِّم كلّ الدلائِل أنّ (إسرائيل) القديمة كانت مُعادية لليهوديّة


سامي كليب: أعطني مثالاً


فاضل الربيعي: مثلاً، مملكة (إسرائيل) طبقاً للنصّ التوراتي انقسمت إلى مملكتين، مملكة الشمال ومملكة الجنوب. "سِفر الملوك" الأول والثاني يتحدّث عن القتال البشِع الذي استمرّ عشرات السنين بين الشماليين والجنوبيين، بين بني (إسرائيل) الشماليين والحِميريين اليهود الجنوبيين. هذا الصراع يدور، عندما نُطبقه على الجغرافيا والتاريخ اليمني، لأنّ هذا هو الصراع الذي سيقودنا إلى الصراع بين "عابِر" و"هود". السبئيون الشماليون اليمنيون ينتسبون إلى أب أعلى هو "عابر" بينما الجنوبيون الحِميريّون اليهود ينتسبون إلى أب أعلى هو "هود"، وكما تعلم أنا تحدّثت عن هذا في كُتبي أنّ الياء اليمنية اللاصقة في اللغة اليمنية القديمة، في سائر لهجات (اليمن) القديم ما يُسمّى بالياء اليمنيّة اللاصقة مثل في "يعرِب" و"يكرب" و "يثرِب"، هذه الياء تُضاف غالباً على أسماء، "عرب" تُصبح "يعرِب" تُضاف إلى "هود" فتصبح "يهود" يعني بمعنى بالنسبة للأب الأعلى وليست هنا في معنى الدين، هذا الصراع استمرّ عشرات السنين كما يرويه "سفر الملوك" الأول والثاني هو دليل وطبعاً يجري على خلفيّة صراع ديني


سامي كليب: دليل على ماذا؟


فاضل الربيعي: على أنّ اليهودية كانت تراجعاً أو ارتداداً عن الديانة الإسرائيلية القديمة، ديانة الأب الأعلى "يعقوب" الذي تحوّل إلى (إسرائيل)، يعني الديانة الإسرائيلية القديمة هي امتداد من الحنفيّة الإبراهيمية يعني "إبراهيم" ثم "إسحاق" ثمّ "يعقوب" الذي تحوّلَ إلى (إسرائيل)، هذه ديانة إسرائيلية، وأولئِك القرآن يُمجّدهم. هؤلاء بني (إسرائيل)


سامي كليب: وليس لهم علاقة بالديانة اليهودية


فاضل الربيعي: اليهودية ظهرت كارتداد، يعني عندما حدث الانشقاق بين المملكتين أعلَن الجنوبيون أنّهم يُقيمون مملكتهم اليهودية


سامي كليب: حسناً، أُستاذ "فاضل" الآن حين نتحدّث عن يهود (أثيوبيا) مثلاً "الفالاشا"، لهم أصل عملياً في الديانة اليهودية؟


فاضل الربيعي: طبعاً


سامي كليب: أو بـ (إسرائيل)؟


فاضل الربيعي:  لا، لا علاقة لهم، لهم علاقة بـ (اليمن). أولاً إسم "الفالاشا" من أين جاء؟ "الفالاشا" أو "الفالاسا" في العبرية، النصّ التوراتي يتحدّث عن الفلاشتيم أو الفالاستيم. من هم "الفلاستيم"؟ هؤلاء هم الفالاشا أو ما يُسمّون "الفالاسا. هم عبّاد إله وثني قديم يُدعى الإله "الفَلَس"، هم يُنسبون إليه، فلاشتيم، الياء والميم أداة جمع، يعني "فَلَس"، الياء والميم تلعب فقط تلعب دور أداة التعريف أو تثنية وجمع. هذه الجماعة التي عبدت الإله القديم الذي لا وجود له إلّا في (اليمن)، وهو حتّى اليوم باسم "وادي المفاليس"، ما يُسمّى "المفاليس" في (تعز)، و(تعز) هي أرض اليهودية القديمة


سامي كليب: إذاً أصلهم من (اليمن) أيضاً


فاضل الربيعي: نعم، متى رحلوا إلى (أثيوبيا)؟ هناك تاريخان مهمّان في وجود هذه الهِجرة، سأتحدث عن الثاني وأترك الأول لمناسبة أُخرى، الثاني عندما اندمج جنوب (اليمن) مع (الحبشة) في وِحدة سياسية وعسكرية واقتصادية وجغرافيّة واحدة عُرِفت بدولة "أكسوم"


سامي كليب: صحيح


فاضل الربيعي: وعندما أصبحت دولة مسيحية حصلت الهُجرة من الجنوبيين ولذلك (تعز) كانت ضمن جنوب (اليمن)


سامي كليب: أوكي ممتاز. في حديث نشرته مجلّة " Jerusalem Report" الإسرائيلية يقول "فلنكشتاين"، وأنا أُركِّز عليه في الواقع لأنه فعلاً مُهمّ ما يتحدّث عنه وخصوصاً أنه من قلب (فلسطين)


فاضل الربيعي: لكن لا تنسى أنّ "فلنكشتاين" يُصِرّ على أنه ما زال صهيونياً


سامي كليب: أوكي. يقول: إنّ وجود باني هيكل "سليمان بن داود" مشكوك فيه حيثُ تقول التوراة أنّه حكم إمبراطورية تمتد من (مصر) حتّى نهر (الفرات) رغم عدم وجود أي شاهِد أثري على أنّ هذه المملكة المُتّحدة المترامية الأطراف قد وُجِدَت بالفِعل في يومٍ من الأيام. نقلت عنه أو نقل عنك "فلنكشتاين"؟ لأنه


فاضل الربيعي: لا نقل عنّي ولا نقلت عنه


سامي كليب: لأنكما تُشبهان بعضكما كثيراً


فاضل الربيعي: لم ينقل عنّي ولم أنقل عنه لكن أنا عندي قناعة أنّ عُلماء الآثار الإسرائيليين يعرِفون الحقيقة، "فلنكشتاين" كتب منذ سنتين أو ثلاث سنوات في مجلة أميركية علمية تُعنى بعِلم الآثار، كتب مقالةً أنهاها بالعبارة التالية: هذه روايتنا وليس لدينا أية رواية أُخرى. هناك من لديه رواية أُخرى ويضع الجغرافيا في أرض (اليمن)


سامي كليب: حسناً، سؤال أخير في ثلاثين ثانية، أنا كنت أود أن نعطيك ساعة. هلّ (فلسطين) كانت لنا كلياً؟


فاضل الربيعي: بكل تأكيد طبعاً، بكلّ تأكيد


سامي كليب: ما الدليل؟


فاضل الربيعي: هذه أرضنا، هذه أرضنا. أولاً (فلسطين) هي جزء لا يتجزّأ من الإمبراطورية السورية القديمة، وليس الأشورية. يعني جزء من التجزئة في السائِد الآن هو إسم الإمبراطورية الأشورية ويعنون أنّها إمبراطورية قامت في (العراق) فقط وهذا طبعاً جزء من الأكاذيب. (العراق) في جغرافيته المحدودة لا يُشكِّل إمبراطورية إلّا إذا أصبح جزءاً من بلاد (الشام) أو أصبحت بلاد (الشام) جزءاً منه، وفي هذه الحال هي الإمبراطورية السورية، هي جنوب الإمبراطورية السورية


سامي كليب: لماذا تُقيم في (المغرب) وليس في بلدك (العراق) حالياً؟


فاضل الربيعي: للأسف قادتني الظروف إلى أن أستقرّ في (المغرب)


سامي كليب: لكن لا يوجد سبب يمنعك من العودة إلى (العراق)؟


فاضل الربيعي: اللهم إلّا احتجاجي على ما في البلد من خراب


سامي كليب: ما بعد الاجتياح


فاضل الربيعي: أنا كنت من الذين قاوموا الاحتلال الأميركي


سامي كليب: طبعاً


فاضل الربيعي: منذ اللحظات الأولى


سامي كليب: وكتبت كثيراً ضدّهم


فاضل الربيعي: وما زلت في الحقيقة مُستاء مما جرى


سامي كليب: على كلّ حال الحياة في المملكة أيضاً جميلة، وكلّ عربي شريف لا يُفرِّق بين بلده وبين وطن ثان. نتمنّى لك طول العُمر كي تكتب كتباً جديدة. أعزّائي المُشاهدين قبل أن أشكُر ضيفنا، فقط يُمكنكم أن تُشاهدوا على الشاشة كلّ الكتب الأساسية للأُستاذ "فاضل الربيعي" المؤرِّخ العربي العراقي الذي أتحفنا في الكثير من الكتب، وأنا لا أستطيع أن أجزُم إن كانت صحيحة أم غير صحيحة فأنا لست مؤرّخاً، ولكن في الواقع تعلّمت منها الكثير. شكراً جزيلاً لك


فاضل الربيعي: شكراً لك


سامي كليب: إلى اللقاء أعزّائي المُشاهدين في حلقة مقبلة من "لعبة الأُمم" عبر قناة "الميادين"


منقول من موقع قناة الميادين




ليست هناك تعليقات