الحزب وإيران والخليج، أي سرٍّ؟ لعبة الأمم - مؤسسة دار إبن حبتور للعلوم و الثقافة و التوثيق الخيرية

الحزب وإيران والخليج، أي سرٍّ؟ لعبة الأمم

 

الحزب وإيران والخليج، أي سرٍّ؟

لعبة الأمم : سامي كليب




غالباً ما يحدُث أنه بعد تبادل الاتهامات بين الحزب والسعودية أو الإمارات، يصدُر فجأة تصريحٌ إيراني يحمل بشائر إيجابية حول مستقبل العلاقة مع السعودية والجوار الخليجي. هذا ما حصل أمس حيث بعد أن تبادل أمين عام الحزب والرياض تهمة ” الإرهاب”، خرج وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان يقول لقناة الجزيرة التالي: ”  


إن “حوارنا مع السعودية إيجابي وبناء ونحن مستعدون لإعادة العلاقات في أي وقت”

“خلال أيام سيعود ممثلونا لمنظمة التعاون الإسلامي في جدة وهذه خطوة إيجابية”.

نؤمن بأهمية حوار إقليمي واسع يشمل السعودية ومصر وتركيا لحل مشاكل المنطقة”

اذ أشار  وزير الخارجية الايرانية الى أن التباين الوحيد مع الرياض حاليا في شأن المفاوضات يتعلق برغبة الرياض بطرح ملفات إقليمية بينما طهران تريدُها ثنائية فقط، فإن السفير الإيراني في العراق بشّر بجولة جديدة للتفاوض السعودي الإيراني على أرض العراق.


كذلك الأمر مع الإمارات التي حذّرها وزير الخارجية مجددا من “ثمن التطبيع مع إسرائيل”، فإن العلاقات الثنائية الإماراتية الإيرانية تعود الى أفضل أحوالها وهي واعدة بالتقدّم أكثر، وحصلت زيارات هامة بين الجانبين كان آخرها تلك التي قام بها علي باقري كني مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية الى دبي، وتحدث بعد لقائه أنور قرقاش مستشار الرئيس الاماراتي عن:” فتح صفحة جديدة في علاقات البلدين”.



 مثل هذا التناقض الظاهري في التصريحات بين إيران والسيد حسن نصرالله حيال الخليج، يطرح سؤالا وحيدا:” هل أن في الأمر تناقضاً فعلياً أم أن فيه توزيعَ أدوارٍ؟” وذلك  بانتظار ما ستُسفر عنه مفاوضات فيينا النووية، وما ستؤول اليه جولات التفاوض السعودي الإيراني والتي يبدو واضحا في خلالها أن طهران تحاول استغلال بعض التناقضات السعودية الإماراتية في لعبة التوازنات الدقيقة.


في الإجابة على السؤال دعونا نفكّر بالتالي بعيدا عن المدح والقدح اللذين غالبا ما يكونان تملّقا للداخل والخارج:


لا شك أولا: أن الحزب هو الطرف الأقوى بالنسبة لإيران على مستوى ” المحور” فهو سيد القرار في لُبنان ( في التعطيل أو التسهيل)، وهو القادر على التحرّك ضد إسرائيل وفي الساحات العربية، بينما كل الساحات الأخرى للمحور مُنهكة بالحروب أو الصراعات الداخلية أو الحصار والفقر. من السذاجة إذاً التفكير بأن إيران تُضحّي به لأجل علاقاتها الخليجية أو الدولية. وقد كان واضحا أنه حين اشتد الحصار على لبنان، كانت طهران جاهزة لمد الحزب بمساعدات جعلت بيئته أقل تأثرا بالانهيارات المالية والمصرفية والاقتصادية وغيرها.



 لا شكّ ثانيا: أن الحزب لعب ويلعب أدواراً كبيرة تحت وفوق الطاولات في الساحات المُشتعلة من فلسطين الى سورية فالعراق واليمن، وغالبا ما يستقبل نصرالله وفوداً للتشاور والتخطيط للمراحل المُقبلة. وهو بذلك يخفّف عن طهران عبئا، أو ربما يقدّم لها رؤيا تسير ببنودها.


لا شكّ ثالثا: أن الحزب، وبعد قتل أميركا لقائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني الذي كان صاحب الكلمة الأولى في كل المحور، زاد محورية دوره في اتكال إيران عليه، أولا لملمة البلبلة التي أحدثها الاغتيال المفاجئ والخطير لسليماني على أرض العراق بعد مغادرته سورية، وثانيا لعدم ترك الساحات أو إحداها تتقهقر أو تنهار، وقد مارس السيد نصرالله دوره بدقة متناهية.


لا شك رابعا: ان الدول العربية والغرب يتعاملون مع إيران والحزب بطريقة مُختلفة، فلا هم وضعوا إيران على لوائح الارهاب ولا اذا كتبت اسم ” ايران ” او السيد علي “خامنئي”  أو الرئيس إبراهيم رئيسي ستُحجب عن وسائل التواصل الاجتماعي خلافا للحال لو وضعت اسم السيد “حسن نصرالله”.


هنا بدأت المُشكلة:  


فكما أن كل القوى والأحزاب التي زاد سلاحُها عن حجمها، وتخطّت قدراتها كلّ ما كان مسموحا به لدى القوى والتنظيمات الكُبرى سابقا في لبنان والمنطقة، فإن حزب الله تصرّف حتى سنوات قريبة خلت، على أنه بات صُلبَ المحور وأن كلّ ما هو آتٍ استراتيجيا سيكون لصالحه. لكن الانهيارات المُتتالية في لبنان، والتعقيدات الكُبرى في العراق، والفقر الكبير في سورية، أمورٌ وضعت الحزبَ مرارا في موقع الاتهام، وخصوصا على الساحة اللبنانية، اولا لتخبط بعض الممارسات والتصريحات ( حيال التظاهرات وانفجار المرفأ مثلا)، وثانيا بسبب نجاح الآلة الإعلامية المناهضة له، رغم كل ما بذلته ودفعته إيران للتأسيس لمنظومة إعلامية كثُرت مؤسساتُها وانعدم تأثيرُها تقريبا، كما أن الضربات الإسرائيلية المتتالية لقواته والقوات الإيرانية على الساحة السورية طرح أكثر من سؤال حول محدودية التحرّك العسكري في ظل السد الروسي.  


من المُغالاة القول إن الحزب هو سبب كل مآسي لُبنان الحالية الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية، لكن من المغالاة أيضا القول بإنه بريء من كل ما يحصُل، فأسباب الانهيارات الاقتصادية والسياسية اللبنانية حاضرةٌ في جسد ” شبه” الدولة اللبنانية منذ عقود طويلة ومن قبل تأسيس الحزب، لكن حزب الله كغيره من القوى اللبنانية الكُبرى، مسؤول مُباشرة أو مداورة عن جزء لا بأس به من الكارثة الحالية، وغالبا ما يوحي بأن المعركة الاستراتيجية الكُبرى في المنطقة أهم من الداخل.



 الحزب مشارك أيضا في مسؤولية عدم انتاج أي حلول وطنية عامة لمواجهة الانهيار الداخلي، وما عاد قادرا على تحميل الآخرين من قوى محلّية وإقليمية وغربية مسؤولية ما يجري، والقول ” من لا يعجبه فليدق رأسه بالحائط”. فالحزب الذي هزم إسرائيل في حرب 2006، ولاقى ترحيبا لبُنانيا وعربيا كبيرا، ورُفعت صورُه من جامع الأزهر في القاهرة الى أقصى قرية مغاربية، وحصل على مساعدات مالية خليجية لإعادة اعمار مناطق الجنوب، صار في عين العاصفة، لعجزه عن توظيف دوره العسكري الكبير في  دفع الأطراف ( خصوصا الحلفاء) الى تسويات سياسية وطنية، ولتمريره تسويات محلّية وانتخابية غريبة في بعض المرّات خصوصا مع خصومه الايديولوجيين، ولاحجامه بسبب احراجه عن ملاحقة ملفات الفساد حتى النهاية، ولتوليه قيادة المعركة الإعلامية ضد الدول العربية بسبب اليمن وسورية وفلسطين وما تركته من آثار على اللبنانيين في الخليج والداخل ، بينما حليفته إيران بقيت تفاوض وتناور حتى مع أعداء حلفائها، أي تركيا حيال سورية مثلا، والخليج حيال حزب الله، والغرب في سياق التفاوض النووي.


القوى العسكرية الكُبرى في لبنان (من الحركة الوطنية الى المنظمات الفلسطينية الى اليمين المسيحي بكل تنويعاته)، انتهت بتسويات كُبرى في المنطقة خصوصا بين سورية والولايات المتحدة الأميركية، حين كان الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد يُتقن معارك ” الوصول الى حافة الهاوية” ثم التفاوض غربا وشرقا. صحيح أن الحزب تخطى كل الحركات المُسلّحة السابقة، بدقة تنظيمية لافتة، وبقدرات عسكرية وتكنولوجية عالية، وبسريّة عملٍ حالت دون اختراقات كُبرى، وبحصر تحالفاته بدولة إقليمية كُبرى (بينما كانت التنظيمات السابقة مُشتّتة بين سورية والعراق وليبيا وكل من هبّ ودبّ)، لكن الصحيح أيضا، إن اهتراء الأرض تحت قدميه وأقدام الآخرين في لُبنان، يُسهّل حروب إسرائيل ضده في المُستقبل مهما ارتفعت جهوزيته، ويحمّله مسؤولية كُبرى حيال الانهيار. 



 لا أحد منُزّه في لبنان، لا خصوم الحزب ولا هو، ولا أحد مستقلا عن التأثيرات الخارجية لا خصومه ولا هو، وما ارتكبه خصومه من حماقات وفساد واراقة دماء  وانبطاح تاريخي أمام أي دولة خارجية كبيرٌ في تاريخ الوطن، وبعضهم يُفضّل إسرائيل على الحزب. لكن الأكيد أن الحزب صار بحاجة طارئة الى مراجعة نقدية دقيقة لكل تجربته السياسية والاجتماعية والإعلامية والخطابية، والى وضع استراتيجية وطنية جديدة وجامعة في الداخل، خصوصا بعد أن وصل الأمر بأبرز حلفائه أي التيار الوطني الحر الى البدء بالتحلّل منه لأهداف سياسية وانتخابية محلية ودولية، أما حليفه الآخر أي حركة أمل بزعامة رئيس مجلس النواب نبيه برّي، فهو ضمنيا لن يكون كبير الانزعاج لو ضعُف الحزب سياسيا في الداخل.


خُلاصة القول


صحيح أن إسرائيل المستمرة باعتداءاتها على لبنان جوا وبحرا وبرا مستفيدة من الهجوم الكبير على الحزب الذي يشعُر بالظُلم من بعض الهجمات الداخلية والعربية عليه، لكن الصحيح أيضا أن الاكتفاء بتحميل المسؤولية للخارج ما عاد ينفع. لا يُمكن للحزب أن يكون في بيئة شيعية ليست كلها موالية له، ولا يُمكنه أن يستمر في صراعه مع دول عربية بينما إيران تفاوضها، ولا يمكن لبعض جيشه الالكتروني أن يهاجم كل حليف وطني سابق لمجرد أنه انتقد أمراً نُصرة للناس.  فحتى توزيع الأدوار بحاجة الى استراتيجية أخرى، والاّ فإن طهران ستكون المستفيد الأكبر لأن لُبنان لم ولن يحتمل أن يتمدد فيه أي حزب أكثر من اللزوم، حتى ولو ان إعادة تركيب النظام اللبناني، وبعض الصفقات في المنطقة (لو نجحت) تفترض توسيع الدور الشيعي في الحُكم لاحقاً. حين كان حافظ الأسد ينجح في التفاوض مع إيران، كان يُخفّف دورَ حلفائه في الداخل وليس العكس. وإيران دولة براغماتية، فكل التشدد في قيادتها الجديدة لم يمنعها من تبنى خيارات التفاوض مع الخليج والغرب. لا احد يستطيع الغاء الحزب في الداخل لأنه يستند الى قاعدة شعبية وبرلمانية وهو جزء من المكوّنات اللبنانية على حد تعبير الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، لكن الحزب أيضا لن يستطيع أخذ مساحة أكبر من المقبول. 


لبنان بحاجة الى الحوار لانتاج نظام جديد يسوده العدل والمساواة والحرية، ويكون فيه الانتماء للوطن لا للمذاهب والطوائف والخارج، وتكون دولته قوية لمواجهة الأخطار الحدودية، وتكون علاقاته العربية والدولية جيدة مع كل الاطراف. هذا ما يريده الناس، وهذا ما يعيد تأسيس الدولة،وهذا وما ينبغي على كل الاطراف التفكير به، اذا كانوا فعلا مؤمنين بعد بوطن. لن ينتصر أحدٌ على أحد. هكذا علّمنا التاريخ، بينما المهزوم دائما هو الوطن. ولو كان القانون الانتخابي عادلا، لراينا كم هي نقمة الناس على الجميع.  فلا الحزب بريء ولا الخصوم حمامات سلام.


المصدر : لعبة الأمم

ليست هناك تعليقات