قصة محاولة أيليوس جالوس غزو مأرب ومعه الجيش الروماني
قصة محاولة أيليوس جالوس غزو مأرب ومعه الجيش الروماني
كان ايليوس جالوس ثاني ولاة الرومان لمصر عام 24 ق. م. جاء اليه الأمر من أغسطس قيصر باعداد حملة لاحتلال منطقة Arabia Felix (بلاد العرب السعيدة) حيث مملكة سبأ القوية الغنية في ذلك الوقت. والحملة كتب عنها بالتفصيل المؤرخ الروماني سترابو وعنه نقل كاسيوس ديو وبلينوس، ومما كتبوه ننقل لكم هذه الاحداث.
خلال حكم السبئيين، عرف الرومان بلاد اليمن وثراءها من التجارة مع الهند وشرق افريقيا، فأعجبهم رخائها، وقرروا عمل مستعمرة هناك تتحكم في مضيق باب المندب، ومن ثم تتحكم في التجارة المارة من خلاله. أو حتى يبرم الوالي عددا من معاهدات الصداقة مع السبئيين (وبذلك يجعل ولائها لروما) فيحصل على ما يُريد. أيضا، كان يُعتقد في ذلك الوقت أن الجزيرة العربية مليئة بجميع أنواع الكنوز! وكان نجاح مملكة سبأ يعتمد على زراعة وتوريد التوابل والعطريات بما في ذلك اللبان والمر.
وزحف ايليوس جالوس عبر الطريق البري مع جيشه البالغ عشرة آلاف جندي، الى البطراء ومنها الى تبوك، بينما تحرك الاسطول حاملا العتاد من ميناء القلزم (السويس حاليا)، ليقابل الجيش في موقع قرب تبوك، حيث التقى ايليوس جالوس بدليل نبطي اسمه سلايوس (على رواية سترابو) والذي قادهم للجنوب عبر الطريق البري لعدم توفر السفن التي تحمل الرجال، وبالرغم من ذلك ظلت سفن الاسطول تسير أمامهم في البحر! وسار الجيش الروماني من تبوك شمالا حتى بلغ مأرب جنوبا في حوالي ستة اشهر! أصاب الجنود خلالها التعب والملل وفقدان الأمل من السير في صحراء لا حد لها، كذلك هاجمتهم الامراض التي لم يعرفون لها شفاء، تحت شمس لا تعرف الرحمة، وليل قارس لا يمُتّ للنهار من قريب أو من بعيد!
حاصر ايليوس جالوس مدينة مأرب لمدة أسبوع فقط، وأمام استبسال السبئيين في الدفاع عن بلادهم اضطر لفك الحصار، والذهاب لاحتلال ميناء عدن، ريثما يستطيع ان يقابل سفن الاسطول ويركب مع جنوده، ولكنه فشل أيضا. وبعد سلسلة من الهزائم المتوالية، قرر ايليوس جالوس ان ينهي الحملة ويعود للإسكندرية بما تبقى من رجاله، واستعان بدليل أعرابي أخر، وفي طريق عودته، غزا ايليوس جالوس مدينة يثرب (المدينة المنورة) دون أي مقاومة تُذكر لتكون قاعدة رومانية في طريق التجارة البري بين اليمن والشام، ولكنه فشل في ترك أية حامية بها لأنه خشي من تمرد الجنود الذين طالت بهم فترة حرب بلا هدف ولا غنيمة، أيضا لبُعد المسافة بينها وبين مصر فقد يكون من الصعب تعزيز الحامية إذا لزم الأمر. فاضطر جالوس الى إخلاء المدينة والعودة بالجنود. وعندما عاد جالوس الى تبوك خلال شهرين فقط، هنا أدرك خدعة الدليل النبطي الذي كان أحد أهم أسباب فشل حملته. وهكذا اكتفى الرومان، ومن بعدهم البيزنطيين، بالعلاقات مع عرب الشمال فقط دون ان يفكروا في احتلال الجزيرة العربية مرة ثانية، وذلك حتى خرجت الجيوش الإسلامية أواسط القرن السابع الميلادي لتنهى عهد السيطرة البيزنطية على الشام ومصر والشمال الافريقي، والى الأبد.
أضف تعليق