إستمرارية:التعشير ........ولاتسْتَغْرِبْ!!!/ د.عبدالعزيز بن عقيل - مؤسسة دار إبن حبتور للعلوم و الثقافة و التوثيق الخيرية

إستمرارية:التعشير ........ولاتسْتَغْرِبْ!!!/ د.عبدالعزيز بن عقيل



إذا سمع أحدهم الآن في المناطق الريفية-القبلية والبدوية ,صوت طلقة نارية ,يقول انّه سمع "تعشيرة بندق".
فمنذُ دخول الاسلحة النارية وحتى الآن ,فأنّ رجال القبائل إذا قَدِموا إلى بلْدة أو قرية لقضية ,أو لأمر مهم أو قدوم مسافر له فترة طويلة , أو في حالات الزواج والتهنئة والضيافات الكبيرة ,فإنهم عندما يصلون إلى قرب القرية المُضيفة:يقومون بأطلاق النار قي الهواء ,ويسمون ذلك "تعشير" أو "تعاشير" أو"تعشيرة" .
وقد يَرُدْ بالمقابل اهل القرية الواصل اليها الضيوف بإطلاق النار "التعشير" في الهواء على سبيل التقديروالمعزة لهم.
....وقد يُطالب بها (أي التعشير) ضمن تنفيذ بعض الأحكام القبلية الأُخرى مِنْ قِبل الذي يُطلق عليها....فلعلها أنطوت في غياهب النسيان؟!!!.لْ "حكم" أختارته قبيلتين أو فخيذتين مُتنازعتين –وذلك بإعتباره رداً للإعتبار.
...هكذا الجميع يفهم كلمة التعشير.
ولكن هل تعلم انّ "التعشير" عند العرب قبل الإسلام كانوا يعدّونه وقاية من مرضٍ "ما" أو رقية من "عين شريرةأو "أرواح خبيثة؟!" فإذا اراد رجل دخول قرية "ما" أو أرضٍ يخاف وباؤها , أو خبائث أرواحها الشريرة ,فأنه يقف على مقربة من القرية قبل دخولها ,ويضع يديه خلف أذنيه ,وينهق عشر نهقات نهيق حمار ثم يدخلها؛ ومن هنا تظن الأرواح الشريرة القادم حماراً(أوأكثرمن حمار واحد) فتتجه إلى الحيوان ,وتخطئ الرجل فيدخل القرية وقد أمَنَ "وباؤها" وشَرَ جِنّها .وقد قال "عروة بن الورد" في هذا الصدد :
وإنّي وإنْ عشّرتُ مِنْ خشية الْرّدى نُهاق حِمـــــارٍ إنني لَجـَزُوعُ
( أنظر:معاجم اللغة العربية-كلمة"عَشّرَ". ومصادر عربية كثيرة ،و كتاب :السيد محمود شكري الألوسي البغدادي"بلوغ الأرب فيمعرفة أحوال العرب".بيروت.بدون تاريخ.الجزء الثاني ص315-316).
* وقد أبطل الإسلام الكريم كل ذلك مع عادات أُخرى لعرب الجاهلية .ولكن بقيت الكلمة (رغم فقدها التعبير عن محتوى الإعتقاد الجاهلي التي كانت تعنيه) . وأصبحت كلمة "التعشير"-لدينا على الأقل - تعني الطلقات النارية الترحيبية .وأنتهت من ذاكرة الأجيال سبب تسمية "التعشير".
*وقد سألت شيخاً مُتقدماً في السن(من منطقة الكسر بوادي حضرموت) في أوائل الثمانينيات عن "التعشير"وهل له(في صباه أو في عهد آبائه وماتناقلوه عن آبائهم)إرتباط ب"رُقية"أو"تفادي وباء" القرى التي يذهبون اليها ؛فنفى ذلك ,وقال أنهم "يعشرون" بإطلاق النار للتقدير ,والإعلان بقدومهم في صفٍ(أو عِدّة صفوف)مُنظّمة ...ولكنه أستذكر وقال لي: انه عندما كان صغيراً ذهب الى ساحل حضرموت لأولّ مرّة(وهي مدينة المكلا)صحبه والده الى قرب ساحل البحر ,في مكانٍ خالٍ من الناس في إتجاه حي "الشرج"الذي كان خاليا من العمائر تقريباً ؛وطلب منه أنْ ينهق مثل نهيق الحمار عشر مرات:وذلك كي لايصيبه مرض جلدي يُسمّى "التخبيز"نَهَقَ إطاعة لوالده ؛وإعتقاداً في تفادي الأمراض التي تسببها البيئة البحرية الحارة الشديدة الرطوبة. وعندما سألته عن أسم هذه "العادة" قال لي بأنه لم يسمع بأسمها..
وحاولت أنْ أعرف أسم هذا الأعتقاد فلم أجد احدا يفيدني حتى الآن ؛بل أن بعضهم لايعرف شيئا عن هذه العادة"وهي عادة النهيق عشر مرات عند رؤية البحر لأول مرّة" المترسبة من عهود ماقبل الأسلام...ناهيك عن الأسم الذي يُطلق عليها....فلعلها أنطوت في غياهب النسيان؟!!!.
*لذا لاتستغرب عزيزي القارئ مثل هذه التحولات في المُعتقدات الشعبية :فكم من "معتقدات " كانت في البداية لتفادي مرض"ما" ثم أصبحت زينة أو احتفالا بالطلقات "كالتعشير مثلا" وكذلك الفشوط أو الوشم أو لبس الحلقات المعدنية على المعصم والزند والأنف والأرجل والأذن وغيره....وغيره.
____________
الرابط أدناه لعرضة أحدى القبائل في منطقة من الأمارات لم يفهم من قام برفعها دلالاتها البعيدة التي أنزاحت عنها الآن واصبحت دلالة لاتحمل الصبغة والمدلول القديم . والصرخات التي يطلقها الرجل -في أعتقادي- وكذا الوجوه الجادة للرجال وهم ذاهبون الى مضيفيهم :ترينا على ماأعتقد مظاهر متحوّلة لتعشير العرب القدماء .


المصدر:

ليست هناك تعليقات