المؤتمر الشيوعي العالمي الرابع|أطروحات في قضية الشرق|ترجمة محمد علي العربي، نبع، القيروان، سبتمبر 2020
أطروحات في قضية الشرق
★ فقرة 1. نمو الحركة البروليتارية في الشرق. – لقد صاغ المؤتمر الشيوعي العالمي الثاني الموقف المبدئي من مجمل القضيتين القومية والاستعمارية، في مرحلة استمرار الصراع بين الإمبريالية والدكتاتورية البروليتارية، مرتكزا في ذلك إلى تجربة البناء السوفييتي في الشرق ونمو الحركات الوطنية الثورية في المستعمرات.
ولقد أصبح النضال ضد النير الإمبريالي في المستعمرات وأشباه المستعمرات، منذ ذلك الوقت، أكثر حدة على نحو هائل نتيجة تعمق الأزمة الاقتصادية والسياسية عند الإمبريالية إثر الحرب.
إن حقيقة هذا الأمر تؤكدها الوقائع التالية:
1) إفلاس معاهدة سيفر لتقسيم تركيا وإمكانية استرجاع هذه الأخيرة لكامل استقلالها الوطني والسياسي.
2) نمو الحركة الوطنية الثورية في الهند وبلاد ما بين النهرين ومصر والمغرب والصين وكوريا نموا عاصفا
3) الأزمة الداخلية المستعصية عند الإمبريالية اليابانية تدفع إلى نمو عناصر الثورة الديمقراطية البرجوازية في البلد نموا سريعا، وإلى انتقال البروليتاريا اليابانية إلى نضال طبقي مستقل.
4) استيقاظ الحركة البروليتارية في جميع بلدان الشرق وتكون أحزاب شيوعية في جميعها تقريبا.
تشير الوقائع المذكورة آنفا إلى تغير قد حصل في أساس الحركة الثورية الاجتماعي في المستعمرات. وقد أدى هذا التغير إلى اشتداد حدة النضال المعادي للإمبريالية. ولم تعد، على هذا النحو، قيادة هذا النضال منحصرة في العناصر الإقطاعية والبرجوازية الوطنية التي أصبحت مستعدة لإبرام تسويات مع الإمبريالية.
إن حرب 1914-1918 الإمبريالية وما تبعها من أزمة مديدة في الرأسمالية، بالأخص في الرأسمالية الأوروبية، قد أضعفتا وصاية القوى الاحتكارية على المستعمرات. ومن جهة أخرى، جعلت ذات الظروف، التي تسببت في تقلص القاعدة الاقتصادية للرأسمالية العالمية ومجالات نفوذها، التناحر الرأسمالي على المستعمرات أكثر حدة، مما أخل بتوازن مجمل النظام الرأسمالي العالمي (الصراع من أجل النفط، نزاع إنجليزي-فرنسي في آسيا الصغرى، التناحر الياباني-الأمريكي من أجل الهيمنة على المحيط الهادي، الخ).
إن تقلص الضغط الإمبريالي على المستعمرات موازاة لتنامي التناحر بين مختلف المجموعات الإمبريالية قد سهلا تطور الرأسمالية المحلية في البلدان المستعمَرة وشبه المستعمَرة، تلك الرأسمالية التي شرعت تتجاوز إطار الهيمنة الإمبريالية للقوى العظمى الضيق والمعيق. إلى حد الآن، يعمل رأسماليو القوى العظمى، بحفاظهم على حقهم الاحتكاري لضمان فائض ربح من التجارة والصناعة والضريبة في البلدان المتأخرة، على بذل الجهد حتى يعزلوا تلك البلدان عن العلاقات الاقتصادية العالمية. إن مطلب الاستقلال الوطني والاقتصادي الذي ترفعه الحركات الوطنية في المستعمرات إنما يعبر عن الحاجة إلى التطور البرجوازي في تلك البلدان. وبالتالي، يخلق نمو القوى المنتجة المحلية في تلك المستعمرات، تناقضا عدائيا في المصالح لا حل له بينها وبين عالم الإمبريالية. فجوهر الإمبريالية يحتوي أيضا استعمال عدم تناسب مستويات تطور القوى المنتجة في مختلف أنحاء العالم الاقتصادي قصد استخلاص فائض الربح المحتكر.
★ فقرة 2. ظروف النضال. – يسم تأخر المستعمرات تنوع الحركات الوطنية الثورية المعادية للإمبريالية الذي يعكس، بدوره، تنوع مستويات الانتقال من العلاقات الإقطاعية والإقطاعية-البطريركية إلى الرأسمالية. ويعطي هذا التنوع في الظروف مظهرا خاصا لإيديولوجية تلك الحركات.
تنشأ الرأسمالية وتتطور، في هذه البلدان، على قاعدة إقطاعية، فتكتسي أشكالا غير ناجزة وانتقالية وهجينة وتكون الغلبة فيها لرأس المال التجاري والربوي (الشرق الإسلامي، الصين). لذا، تتبع الديمقراطية البرجوازية طريقا ملتوية ومضطربة حتى تتمايز عن العناصر الإقطاعية-البيروقراطية والإقطاعية-الزراعية. وذلك هو العائق الرئيسي أمام نجاح النضال الجماهيري ضد النير الإمبريالي. فلم تكن الإمبريالية الأجنبية دون حكمة عندما حولت، في جميع البلدان المتأخرة، الفئة العليا الإقطاعية المحلية (وفي قسم منها شبه إقطاعية وشبه برجوازية) إلى أداة لهيمنتها (الحكام العسكريون – التوتشون- في الصين، الأرستقراطية وأصحاب الريع العقاري –الزيمندار والتلوغدار في الهند، البيروقراطية الإقطاعية في بلاد فارس، تشكل الرأسماليين المزارعين في مصر، الخ).
لذا، ليس للطبقات السائدة في المستعمَرات وأشباه المستعمَرات لا القدرة ولا الرغبة في قيادة النضال ضد الإمبريالية وذلك بقدر بما يصبح ذلك النضال حركة جماهيرية ثورية. فقط هنالك حيث لم يبلغ النظام الإقطاعي-البطريركي درجة من التفسخ تنفصل فيها الأرستقراطية المحلية عن الجماهير الشعبية مثلما هو حال الشعوب البدوية وشبه البدوية يمكن لتلك الفئات العليا أن تلعب دور قائد نشيط في النضال ضد النير الإمبريالي (بلاد ما بين النهرين، المغرب، منغوليا).
في البلدان الإسلامية تعبر الحركة الوطنية عن إيديولوجيتها، في البداية، بشعارات سياسية-دينية من قبيل الوحدة الإسلامية. إن ذلك يسمح لدبلوماسيي وممثلي القوى العظمى استغلال ما لدى الجماهير الشعبية من أفكار مسبقة ولا مبالاة حتى يحاربوا تلك الحركة (فالإمبريالية البريطانية تلعب لعبتي الوحدة الإسلامية والوحدة العربية، والخطة البريطانية لنقل الخلافة الإسلامية إلى الهند، واهتمام الإمبريالية الفرنسية ”بالتآزر الإسلامي“). ومع نمو حركة التحرر الوطني واتساعها تترك الشعارات الدينية-السياسية عن الوحدة الإسلامية المكان لمطالب سياسية ملموسة. إن خير مثال على ذلك هو النضال الذي يجري مؤخرا في تركيا من أجل نزع السلطة الزمنية عن الخليفة.
تتمثل المهمة الأساسية المشتركة بين جميع الحركات الوطنية الثورية في إنجاز كل من الوحدة الوطنية والاستقلال السياسي. إن الحل الحقيقي والمنطقي لهذه القضية في بلد بعينه يتوقف على مدى أهمية الجماهير الكادحة التي ستجذبها هذه الحركة الوطنية أو تلك وراءها بعد أن تكون قد قطعت كل علاقة بالعناصر الاقطاعية والرجعية وجست في برنامجها المطالب الاجتماعية الخاصة بتلك الجماهير.
إذ تدرك الأممية الشيوعية جيدا أن المنادين بالاستقلال السياسي في مختلف الظروف التاريخية عناصر جد متنوعة، فإنها تساند أي حركة وطنية ثورية معادية للإمبريالية. ولا يغيب عن نظر الأممية الشيوعية، في ذات الوقت، حقيقة أن وحده الخط السياسي الثوري المنسجم الذي يرتكز على مشاركة الجماهير الغفيرة في التضال النشيط والذي يقطع دون تحفظ مع أنصار التفاهم مع الإمبريالية هو الخط الذي يمكنه أن يسير بالجماهير المضطهَدة إلى النصر. إن الصلة القائمة بين البرجوازية المحلية والعناصر الإقطاعية-الرجعية تمكن الإمبريالية من الاستفادة بأكبر قدر من الفوضى الإقطاعية وتناحر مختلف القبائل والعشائر والتنافر بين المدينة والريف والصراع بين الشيع والطوائف الدينية-القومية، الخ، قصد تشتيت الحركة الشعبية (الصين، بلاد فارس، كردستان، بلاد ما بين النهرين).
★ فقرة 3. القضية الزراعية. – أهمية القضية الزراعية في أغلب بلدان الشرق (الهند، بلاد فارس، مصر، سوريا، بلاد ما بين النهرين) في المقام الأول في النضال من أجل التحرر من هيمنة القوى الاحتكارية. وإذ تستغل الإمبريالية أغلبية الفلاحين في الأمم المتأخرة وتدمرها، فإنها تجردها من وسائل العيش الأولية، وفي الوقت، ينحصر تطور الصناعة البطيء في نقاط معدودة مبعثرة في كامل البلاد مما يجعلها غير قادرة على استيعاب فائض سكان الريف الذين لا يستطيعون حتى أن يهاجروا. إن الفلاحين الفقراء الذين بقوا على أراضيهم تحولوا أقنانا. ففي حين كانت الأزمات الصناعية قبل الحرب تقوم بدور المعدل للإنتاج الاجتماعي في البلدان االمتمدنة، فقد أصبحت المجاعة هي من يقوم بذلك الدور في المستعمرات. إن الإمبريالية، التي من مصلحتها الحيوية استخلاص أكبر ربح بأقل تكلفة، فإنها تساند بكل قواها الأشكال الاقطاعية والربا في استغلال اليد العاملة في البلدان المتأخرة. في بعض البلدان، كالهند مثلا، استحوذت على احتكار استغلال الأراضي، بعد أن كان للدولة الإقطاعية المحلية، وحولت الضريبة العقارية إلى إتاوة تدفع لرأس المال الاحتكاري وموظفيه الإقطاعيين المحليين (الزيمندار والتالوكدار). وفي بلدان أخرى تستحوذ الإمبريالية على الريع العقاري معتمدة على التنظيم المحلي للملكيات العقارية الكبيرة (بلاد فارس والمغرب ومصر، الخ). لذا، يكتسي النضال في سبيل تحرير الأرض من الحواجز الإقطاعية والإتاوات الإقطاعية على الأراضي طابع نضال تحرر وطني ضد الإمبريالية والملكية العقارية الكبيرة الإقطاعية. ويمكن أن نقدم أمثلةمثالين لذلك هما نهوض الموبلاه (Moplahs) في الهند ضد المالكين العقاريين المحليين والبريطانيين في الهند في خريف 1921 وانتفاضة السيخ في 1922.
فقط ثورة زراعية ترمي إلى نزع أملاك المالكين العقاريين الكبار يمكنها أن تُنهض حشود الفلاحين وكسب تأثير فاصل في النضال ضد الإمبريالية. يخشى الوطنيون البرجوازيون الشعارات الزراعية فيخففونها ما أمكنهم ذلك (الهند، بلاد فارس، مصر). وإن ذلك ليبرهن على وجود صلة متينة بين البرجوازية المحلية والملكية العقارية الكبيرة الإقطاعية والإقطاعية-البرجوازية. وذلك يبرهن أيضا أن الوطنيين إنما هم في تبعية إيديولوجية وسياسية للملكية العقارية الكبيرة. لذا، يجب على العناصر الثورية ان تستغل ذلك التردد والتذبذب لتنتقد بانتظام وبالتفصيل السياسة الهجينة عند قادة للحركة الوطنية البرجوازيين. فتلك السياسة الهجينة هي، على وجه التحديد، ما يمنع تنظيم الجماهير الكادحة وتناغمها. ولقد تأكد ذلك بإفلاس تكتيك المقاومة السلبية في الهند (الامتناع عن التعاون).
لن تنجح الحركة الثورية في بلدان الشرق المتأخرة إلا إذا ما استندت إلى نشاط حشود الفلاحين. لذا، يجب على الأحزاب الثورية في جميع بلدان الشرق أن تحدد برنامجها الزراعي بدقة وأن تطالب بإلإطاحة التامة بالإقطاع ومخلفاته المتمثلة في الملكية العقارية الكبيرة وبالإعفاء من الضريبة العقارية. كما أنه من الضروري لمصلحة النضال في سبيل التحرر الوطني إعلان تغيير جذري في نظام التمتع بالأراضي. ومن الضروري أيضا إجبار الأحزاب الوطنية البرجوازية على قبول أكبر قسم ممكن من ذلك البرنامج الزراعي الثوري.
★ فقرة 4. الحركة البروليتارية في الشرق. – الحركة البروليتارية الفتية في الشرق هي نتاج تطور الرأسمالية المحلية خلال السنوات الأخيرة. لا تزال البروليتاريا في الشرق، إلى الآن، بما في ذلك نواتها الأساسية، في مرحلة انتقال من الحرفة الصغيرة إلى الصناعة الكبيرة الرأسمالية.
وبقدر ما يجذب المثقفون البرجوازيون الوطنيون البروليتاريا إلى الحركة الثورية في سبيل النضال ضد الإمبريالية،فإن ممثليهم يوكلون لأنفسهم دور القيادة في نشاط وتنظيم منظماتها النقابية الجنينية. لا يتجاوز نشاط البروليتاريا، في البداية، إطار المصالح الديمقراطية البرجوازية «المشتركة بين جميع الامم» (الإضرابات المعادية للبيروقراطية والإدارة الإمبريالية في الصين والهند). وغالبا، مثلما بين المؤتمر الشيوعي العالمي الثاني، ما يكسوا ممثلو الوطنية البرجوازية تطلعاتهم الديمقراطية البرجوازية ثوبا «اشتراكيا» و«شيوعيا»، مستغلين ما لروسيا السوفييتية من نفوذ سياسي ومعنوي ومستغلين غريزة العمال الطبقية، قاصدين بذلك، وأحيانا عن غير وعي، صرف الاجهزة البروليتارية الجنينية عن مهماتها التنظيمية الطبقية المباشرة (مثال ذلك حزب باهيل-أوردو في تركيا الذي طلى النزعة التركية بلون أحمر، وما يبشر به بعض ممثلي الكيومينتانغ في الصين من ”اشتراكية الدولة“).
ورغم ذلك حققت البروليتاريا في البلدان المتأخرة في السنوات الأخيرة تقدما عظيما في النشاطين النقابي والسياسي. إن تكون أحزاب مستقلة خاصة بالبروليتاريا في جميع بلدان الشرق تقريبا إنما هو واقع بارز للعيان رغم أن أغلب تلك الأحزاب يطلب إعادة تنظيم داخلي كبير حتى تتخلص من أشكال العمل الحلقي وغير ذلك من النقائص. لقد قدرت الأممية الشيوعية، متذ البداية، أهمية الحركة البروليتارية في الشرق، تقديرا صحيحا. منذ البداية وهذا دليل واضح على وحدة عمال العالم أجمع وحدة أممية حقيقية تحت راية الشيوعية. وإلى حد يومنا هذا لم تجد الأمميتان الثانية والثانية والنصف سندا ولو في بلد واحد من البلدان المتأخرة لأنهما تلعبان دور «خادمتين» للإمبرياليتين الأوروبية والأمريكية.
★ فقرة 5. الأهداف العامة للأحزاب الشيوعية في الشرق. – ينظر الوطنيون البرجوازيون إلى الحركة البروليتارية من جهة ما يمكن أن يكون لها من أهمية في انتصارهم. أما البروليتاريا العالمية فتنظر إلى الحركة البروليتارية في الشرق من جهة مستقبلها الثوري. وفي ظل النظام الرأسمالي، لا يمكن للبلدان المتأخرة، أن تبلغ نصيبا من العلم والثقافة المعاصرين دون أن تدفع ضريبة عالية قوامها استغلال واضطهاد وحشيين من جانب راس المال الاحتكاري. لذا، فالتحالف مع بروليتاريا البلدان المتقدمة جدا سيكون مفيدا كثيرا لا فقط لأنه يوافق مصالح النضال المشترك ضد الإمبريالية فحسب، بل يمليه أيضا واقع أنه فقط بانتصار البروليتاريا في البلدان المتقدمة جدا يمكن لعمال الشرق أن يحصلوا على عون جدي لتطوير قواهم المنتجة المتأخرة.
فالتحالف مع بروليتاريا الغرب يفتح الطريق نحو فيدرالية عالمية من الجمهوريات السوفييتية. ذلك أن النظام السوفييتي يوفر للشعوب المتأخرة الطريق الأسهل للانتقال من ظروف العيش البسيطة إلى أرقى ثقافة شيوعية، ويهدف إلى أن يحل محل نظام الإنتاج والتوزيع الراسماليين في الاقتصاد العالمي. وخير شاهد على ذلك هو تجربة البناء السوفييتي في المستعمرات المحررة التي كانت تابعة للإمبراطورية الروسية.
وحده الشكل الإداري السوفييتي يمكنه أن يضمن انجاز الثورة الفلاحية-الزراعية بانسجام. إن الأشكال الخصوصية في فلاحة في بعض مناطق بلدان الشرق (الري الاصطناعي) الموروثة من الماضي في إطار تنظيم مميز من النشاط التعاوني على قاعدة إقطاعية-بطريركية ودمرتها الرأسمالية الناهبة، تتطلب أيضا تنظيما سياسيا قادر على تلبية الحاجات الاجتماعية بانتظام. وبسبب ظروف خاصة مناخية واجتماعية وتاريخية سيكون لتعاون المنتجين الصغار في الشرق دورا هاما في المرحلة الانتقالية.
تتجاوز المهمات الموضوعية للثورة المعادية للإمبريالية إطار الديمقراطية البرجوازية. ذلك أن انتصارها الفاصل لا يتوافق والهيمنة الإمبريالية العالمية. في البداية، يوكل المثقفون المحليون والبرجوازية المحلية لأنفسهم دور رواد الحركة الثورية المعادية للإمبريالية. لكن ما إن تتدخل جماهير العمال والفلاحين في تلك الحركة حتى تغادرها عناصر البرجوازية الكبيرة والبرجوازية العقارية متخلية عن أولى الخطوات نحو مصالح الفئات الدنيا من الشعب.
وسيكون أمام البروليتاريا الفتية في المستعمرات نضالا طويلا يمتد على مرحلة تاريخية بأكملها، نضالا ضد الاستغلال الإمبريالي وضد الطبقات المحلية السائدة التي تحكمها وتعمل على ضمان احتكار فضائل التطور الصناعي والثقافي وعلى إبقاء جماهير الكادحين على حالهم «البدائي» القديم.
لذا، سيكون النضال في سبيل ضمان التأثير على جماهير الفلاحين بمثابة إعداد البروليتاريا المحلية لدور الطليعة السياسية.
فقط بعد أن تنجز ذلك الإعداد في صفوفها وبعد أن تنجزه في صفوف الفئات المتحالفة معها تحالفا متينا، يمكنها حينئذ أن تسير ضد الديمقراطية البرجوازية الشرقية التي لها نزعة شكلية أكثر نفاقا مما عليه البرجوازية الغربية.
إن رفض شيوعيي المستعمرات المشاركة في النضال ضد الاضطهاد الإمبريالي بحجة «الدفاع» المزعوم عن المصلحة الطبقية المستقلة إنما هو أسوء ضروب الانتهازية ولا يمكنه إلا أن يضعف الثقة في الثورة البروليتارية في الشرق. وليس أقل ضررا من ذلك محاولة التخلي عن النضال في سبيل مصالح العمال اليومية والمباشرة باسم «الوحدة الوطنية» أو «السلم الاجتماعي» مع الديمقراطيين البرجوازيين. لذا، تلقى على كاهل الأحزاب الشيوعية في المستعمرات وأشباه المستعمرات مهمة مزدوجة: فمن جهة أولى، النضال في سبيل الحل الجذري لقضايا الثورة الديمقراطية البرجوازية وكسب الاستقلال السياسي. ومن جهة ثانية، تنظيم جماهير العمال والفلاحين للنضال في سبيل مصالحهم الطبقية الخاصة واستغلال كل ما في النظام الديمقراطي-البرجوازي الوطني من تناقضات. وإذ تتقدم تلك الأحزاب بمطالب اجتماعية، فإنها تحفز الطاقات الثورية وتدفعها إلى التحرك وذلك ما لا تملكه المطالب البرجوازية الليبرالية. يجب على البروليتاريا في المستعمرات وأشباه المستعمرات أن تدرك جيدا أن دورها كقائدة للثورة لا يمكن أن يتحقق إلا إذا ما تعمق النضال ضد القوى الاحتكارية وتوسع. وأن وحده تنظيم البروليتاريا والعناصر شبه البروليتارية اقتصاديا وسياسيا وتثقيفه، يمكنه أن يزيد في الاتساع الثوري للنضال ضد الإمبريالية.
يجب على الأحزاب الشيوعية في المستعمرات وأشباه المستعمرات في الشرق، وهي لا تزال في مرحلة جنينية، أن تشارك في كل حركة من شأنها أن تسهل الصلة بالجماهير. لكن، يجب عليها، في ذات الوقت، أن تناضل بحيوية ضد الأفكار المسبقة البطريركية-الحرفية وضد التأثير البرجوازي في المنظمات البروليتارية حتى تصون تلك الأشكال الجنينية للمنظمات المهنية من الاتجاهات الإصلاحية وقصد تحويلها إلى أجهز كفاح جماهيرية. وأخيرا، يجب على تلك الأحزاب أن تبذل كل الجهد حتى تنظم الأعداد الغفيرة من عمال الفلاحة المياومين وذلك الشبان المتربصين من الجنسين على قاعدة الدفاع اليومي عن مصالحهم المباشرة.
★ فقرة 6. الجبهة المتحدة المعادية للإمبريالية. –
لقد أطلق شعار الجبهة البروليتارية المتحدة في البلدان الغربية حيث تشهد مرحلة انتقالية تتميز بتراكم المقاومة المنظمة، وسيكون من الضروري أن يوضع، في الوقت الحاضر، شعار الجبهة المتحدة المعادية للإمبريالية في المستعمَرات الشرقية. وفائدة هذا التكتيك إنما هي مشروطة بأفق نضال طويل ضد الإمبريالية العالمية يتطلب تعبئة كل القوى الثورية. ولقد أصبح هذا النضال أكثر ضرورة على الإطلاق بسبب كون الطبقات الحاكمة المحلية خضعت لتفاهمات مع رأس المال الأجنبي على حساب المصالح الأساسية للجماهير الشعبية. فكما أن شعار الجبهة البروليتارية المتحدة في الغرب يسهل فضح خيانة الاشتراكية الديمقراطية لمصالح البروليتاريا، كذلك سيسهل شعار الجبهة المتحدة المعادية للإمبريالية فضح تذبذب وتردد بعض المجموعات الوطنية البرجوازية في الشرق. كما سيساعد هذا الشعار على تطوير الإرادة الثورية وسيساعد أكثر على تحديد ملامح الوعي الطبقي عند جماهير الكادحين ويدفع بهم إلى الصفوف الأمامية في النضال لا ضد الإمبريالية فحسب، بل أيضا ضد كل بقايا الإقطاع.
يجب على الحركة البروليتارية في المستعمرات وأشباه المستعمرات، قبل كل شيء، أن تضمن لنفسها موقع قوة ثورية مستقلة في الجبهة المشتركة المعادية للإمبريالية. فلا تكون الاتفاقات المؤقتة مع الديمقراطية البرجوازية مقبولة وحتى ضرورية إلا إذا ما وقع الاعتراف لها بتلك الاستقلالية وإذا ما حافظت على كامل استقلاليتها السياسية. والبروليتاريا تساند، بل تصوغ، مطالب جزئية من قبيل جمهورية ديمقراطية مستقلة ومنح المرأة الحقوق المحرومة منها، الخ، وذلك طالما أن ميزان القوى في الوقت الراهن لا يسمح لها بأن تضع على جدول أعمالها إنجاز برنامجها السوفييتي. ويجب في ذات الوقت، بذل الجهد لصياغة شعارات من شأنها أن تساعد على الاندماج السياسي بين جماهير الفلاحين وشبه البروليتاريين بالحركة البروليتارية. فالجبهة الموحدة المعادية للإمبريالية إنما هي في صلة لا انفصام لها عن الاتجاه نحو روسيا السوفييتات.
لذا، إن أحد النقاط الأساسية في تكتيك الجبهة المتحدة المعادية للإمبريالية هو أن نشرح لحشود الكادحين ضرورة تحالفهم مع البروليتاريا العالمية ومع الجمهوريات السوفييتية. فلا يمكن للثورة المعادية للإمبريالية أن تنتصر إلا مع الثورة البروليتارية في البلدان الغربية.
إن التفاهم بين الوطنيين البرجوازيين وبعض القوى الإمبريالية المتناحرة على حساب مصالح جماهير الشعب يكون خطره أقل شأنا في المستعمرات مما هو عليه في أشباه المستعمرات (الصين، بلاد فارس) أو في تلك البلدان التي تكافح في سبيل الاستقلال السياسي عبر الاستفادة من تناحر الإمبرياليين (تركيا).
إذ نقر بقبول وحتمية مساومات جزئية ومؤقتة قصد تأمين التراجع في النضال الثوري ضد الإمبريالية، يجب على البروليتاريا أن تقاوم بعناد كل محاولة، معلنة أو مستترة، لتقاسم السلطة بين الإمبرياليين والطبقات الحاكمة المحلية التي تسعى إلى الحفاظ على امتيازاتها الطبقية. ويجب أن تكون راية الجبهة الموحدة المعادية للإمبريالية هي المطالبة بالتحالف مع جمهورية السوفييتات البروليتارية. لكن، فور تكونها، يجب خوض نضال فاصل في سبيل احلال أوسع ديمقراطية في النظام السياسي، حتى يجري الإجهاز على أكثر العناصر السياسية والاجتماعية رجعية وحتى يتمكن الكادحون من حرية التنظم والنضال في سبيل مصالحهم الطبقية (مطلب الجمهورية الديمقراطية، الإصلاح الزراعي، إصلاح نظام الضريبة العقارية، تنظيم جهاز إداري على قاعدة حكم ذاتي موسع، قانون الشغل، حماية عمل الأطفال، حماية الأمومة والطفولة، الخ). فحتى فوق أرض تركيا المستقلة لم تتمتع البروليتاريا بحرية التحالف. وإن ذلك لمؤشر نموذجي على موقف الوطنيين البرجوازيين من البروليتاريا.
★ فقرة 7. مهمات البروليتاريا في بلدان المحيط الهادئ. – إن ضرورة إقامة جبهة معادية للإمبريالية يمليها أيضا النمو الدائم والمتواصل في التناحر الإمبريالي. ويتخذ هذا التناحر في أيامنا أشكالا أكثر حدة تجعل نشوب حرب عالمية جديدة ساحتها بلدان المحيط الهادئ أمر محتوما إن لم تتداركها الثورة العالمية.
لقد كانت ندوة واشنطن محاولة لتفادي ذلك الخطر، لكنها في واقع الأمر لم تقم إلا بمزيد تعميق التناقضات في ما بين الإمبرياليين والتشديد من حدتها. إن النزاع الأخير الذي نشب بين وُو-بيي-فو وتشانغ-تسو-لين في الصين إنما هو نتيجة مباشرة لفشل كل من الرأسمالية اليابانية والأنجلو-أمريكية في خلق انسجام في مصالحها في واشنطن. إن الحرب العالمية الجديدة التي تهدد العالم سوف لن تمس اليابان وأمريكا وإنجلترا فحسب، بل ستمس أيضا قوى رأسمالية أخرى (فرنسا، هولندا، الخ) وهي تنذر بأن تكون أكثر تدميرا من حرب 1914-1918.
تتمثل مهمة الأحزاب الشيوعية في البلدان المستعمَرة وشبه المستعمَرة على ضفتي المحيط الهادئ في القيام بدعاية واسعة لتشرح للجماهير الخطر الذي يتربص بها، ودعوتها إلى الانخراط في نضال نشيط في سبيل التحرر الوطني وحثها على مساندة روسيا السوفييتات: حصن كل الجماهير المضطهَدة والمستغَلة.
وعلى الأحزاب الشيوعية في البلدان الإمبريالية،كأمريكا واليابان وإنجلترا وأستراليا وكندا، ونظرا للخطر المهدد، ألا تقتصر على دعاية معادي للحرب، وإنما يجب عليها أن تبذل كل جهدها حتى تزيح كل العوامل المعيقة للحركة البروليتارية في بلدانها وحتى تحول دون استفادة الرأسماليين من التناحرات القومية والعرقية.
إن هذه العوامل المعيقة هي قضية الهجرة وازدراء اليد العاملة غير البيضاء.
لا يزال نظام التعاقد إلى يومنا هذا هو النظام الرئيسي في انتداب العمال غير البيض في مزارع السكر في بلدان جنوب المحيط الهادئ، التي ينقل إليها العمال من الصين والهند. لقد دفع هذا الواقع عمال البلدان الإمبريالية إلى المطالبة بسن قوانين ضد هجرة العمال غير البيض مثلما هو الحال في أمريكا وأستراليا. إن هذه القوانين المانعة تعمق التناحر بين العمال البيض وغيرهم من العمال وتحطم وحدة الحركة البروليتارية وتضعفها.
يجب على الأحزاب الشيوعية في أمريكا وكندا وأستراليا أن تشن حملة نشيطة ضد القوانين المعادية للهجرة، ويجب عليها أن تشرح لجماهير البروليتاريا في بلدانها كيف أن تلك القوانين إنما هي لإثارة الحقد القومي وكيف أنها تعود بالوبال في آخر الأمر على عمال البلد الذي يطبقها.
ومن جهة أخرى، يرغب الرأسماليون في تعليق القوانين المعادية للهجرة حتى يحافظوا على وفود يد عاملة غير بيضاء بخسة الثمن وحتى يجبروا العمال البيض على قبول أجور متدنية. لا يمكن اتقاء خطر هذه المحاولات الهجومية إلا باستيعاب العمال المهاجرين في نقابات العمل البيضاء. وتجب في ذات الوقت المطالبة بالرفع من مستوى أجور العمال غير البيض حتى تصبح في مستوى العمال البيض. إن تكتيكا من هذا القبيل من شأنه أن يفضح مخططات الرأسماليين ويكشف بوضوح للعمال غير البيض كيف أن الأفكار المسبقة العنصرية غريبة عن البروليتاريا العالمية.
ولإنجاز هذا التكتيك يجب على ممثلي البروليتاريا الثورية في بلدان ضفتي المحيط الهادئ أن تجتمع في ندوة بلدان ضفتي المحيط الهادئ حتى تضع خطا صحيحا للعمل وحتى تقرر الأشكال التنظيمية المناسبة قصد توحيد كل العمال من جميع الأعراق في بلدان ضفتي المحيط الهادئ.
★ فقرة 8. مهمات الأحزاب الشيوعية في البلدان الإمبريالية. – إن الحركة الثورية المعادية للإمبريالية في صدارة الأهمية بالنسبة لقضية الثورة البروليتارية العالمية وهي لذلك تجعل من الضروري تقوية العمل في المستعمرات وبالأخص تقويته من جانب الأحزاب الشيوعية في البلدان الإمبريالية.
تقيم الإمبريالية الفرنسية كل حساباتها على أساس إخماد النضال البروليتاري الثوري في فرنسا وأوروبا باستخدام عبيد المستعمرات كاحتياط قتالي للثورة المضادة.
وتواصل الإمبرياليتين البريطانية والأمريكية تقسيم الحركة البروليتارية بالمحافظة على الأرستقراطية العمالية داخلها بوعدها بإشراكها في فائض الربح المستخلص من استغلال المستعمرات.
على كل حزب شيوعي في بلد مهيمن على مستعمرات أن يباشر مهمة تنظيم منهجي للمساعدة الإيديولوجية والمادية للحركة البروليتارية والثورية في المستعمرات. وعليه أن ينجز نضالا ثابتا وحازما ضد الاتجاهات الاشتراكية الاستعمارية التي تجد صداها بين بعض الفئات من العمال الأوروبيين رفيعي الأجور في المستعمرات. على العمال الشيوعيين الأوروبيين في المستعمرات أن يبذلوا الجهد حتى يجذبوا نحوهم البروليتاريا المحلية وأن يكسبوا ثقتها على أساس مطالب اقتصادية ملموسة (المساواة في الأجور بين العمال البيض والعمال المحليين، حماية العمل، تأمين العمل، الخ).
إن تأليف منظمات شيوعية أوروبية منفردة في المستعمرات (مصر، الجزائر) لا يزيد عن كونه يخفي نزعة استعمارية وعونا للمصالح الإمبريالية. وتأليف منظمات شيوعية على أساس مبدأ وطني إنما يناقض مبدأ الأممية البروليتارية. لذا، يجب على كل الأحزاب المنخرطة في الأممية الشيوعية أن تشرح على الدوام للجماهير الكادحة أهمية النضال ضد الهيمنة الإمبريالية في البلدان المتأخرة. وعلى كل حزب شيوعي في بلد إمبريالي أن يؤلف لجنة خاصة بالمستعمرات داخل لجنته التنفيذية لهذا الغرض. ويجب أن يتجسد عون الأممية الشيوعية للأحزاب الشيوعية في الشرق، قبل كل شيء، في المساعدة على تركيز صحافة ونشر الجرائد والدوريات باللغات المحلية. ويجب أن يولى العمل في المنظمة البروليتارية الأوروبية وفي جيوش الاحتلال في المستعمرات اهتماما خاصا. لا يجب على الأحزاب الشيوعية في البلدان الإمبريالية أن تضيع ولو فرصة واحدة لتفضح ما لسياسة حكوماتها الإمبريالية وأحزابها البرجوازية والانتهازية من وحشية.
Source: notre édition inédite:
Les Sept Congrès Mondiaux de l'IC.
المصدر

أضف تعليق