بعض من تاريخ زعيم حضرموت السيد : ابي بكر بن شيخ الكاف
بعض من تاريخ زعيم حضرموت السيد : ابي بكر بن شيخ الكاف
من أعماله (طريق الكاف)
حضرموت مخلاف مترامي الأطراف ، ولم يكن به في تاريخه قبل بزوغ نـجم الـزعيم أبي بكر بن شيخ الكاف أي طرق تربط مدنه وقراه، وساحله وداخله، وذلك لعدة أسباب منها : انعدام الأمن وهو أحد أهم الأسباب، ومنها أن الحكومتين القعيطية والكثيرية في ذلك الوقت ليس لديهما الإمكانية المالية على تنفيذ مثل هكذا المشروعات، ويضاف إلى تلك الأسباب النزاع التاريخي القائم بين السلطنتين الحاكمتين في حضرموت في تلك الفترة. وكان أهل حضرموت يعتمدون في التنقل ونقل بضائعهم بين المدن والقرى على الجمال والحمير.
وأول من اهتم بتعبيد الطرق في حضرموت هو الزعيم أبوبكر بن شيخ الكاف لما يعلمه من أهمية الطرق في نهضة البلاد وكان أول مشاريعه في تعبيد الطرق تعبيد (طريق الكاف) الذي يربط ساحل حضرموت بالداخل.
تصدى الزعيم ابوبكر لهذا العمل واكتهله لوحده، وقديماً قالوا: (إنَّ همم الرجال تهد الجبال). على الرغم من كل العقبات والمبالغ الطائلة التي يحتاجها هذا المشروع الكبير . بدأ الزعيم أبوبكر بن شيخ باستشارة بعض المهندسين المحليين المعروفين في البلاد، ومنهم المهندس عبيد عوض باعديل الملقب (بالإنقريز) والمهندس علوي بن أبي بكر الكاف (الخضيب)، وطلب منهم وضع المخططات والرسومات اللازمة لإنشاء هذا الطريق.
وبالفعل أعدت الرسومات اللازمة وبدأ العمل في تعبيد (طريق الكاف) سنة 1342هـ/1924م، ثم توقف حتى سنة 1345هـ/1926م وذلك بسبب الحصار الذي ضرب على مدينة تريم جراء الحرب المعلنة بين قبائل آل تميم من جهة وسلطان تريم من الجهة الأخرى، ثم استأنف العمل فيها، ومما ينبغي الإشارة إليه أن العمل في تعبيد هذا الطريق كان يدوياً لأنه لم تكن في حضرموت في تلك الآونة آلات حديثة.
ويبلغ طول الطريق حوالى300 كيلو متر ويبدأ من اتجاه قرية مشطة وبالتحديد من مكان يقال له حصن فلوقة، صعوداً بتعبيد وشق عقبة (الـمُسَنَّدَة)، ويقال لها أيضاً عقبة (باعشميل)، ويبلغ ارتفاعها حوالى نصف كيلو متر ، ثم تأتي منطقة حرو والحسر مروراً بمنطقة رسب فريدة المعارة ثم الجيلان نزولاً بشق وتعبيد عقبة المعدي ثم الحبس وصولاً إلى مدينة الشحر، واستغرق العمل في إنجازه حوالى عشر سنوات أكثر مما كان مقررًا له، وكانت هناك أسباب وعقبات أخرت العمل فيها لمدة من الزمن تلخص في الآتي:
أهم العقبات التي أخرت انجاز الطريق:
العقبة الأولى: القبائل التي يمر بأراضيها الطريق، حيث عمد الزعيم أبوبكر بن شيخ الكاف أولاً إلى شراء تلك الأراضي، ثم تفاوض معهم على تأمين الطريق.
وكان رجال القبائل يعتمدون على نقل البضائع والمؤن من الساحل إلى مختلف مناطق الداخل على الجمال، مقابل أجرة يفرضونها على ذلك، وكان خوفهم من إنشاء الطريق ومروره بالأراضي الواقعة تحت سيطرتهم هو التأثير على مصدر رزقهم الوحيد، ولكن همة السيد أبي بكر أبت إلا التغلب على هذه الصعاب المعترضة أمام تنفيذ هذا المشروع الذي سيفتح لحضرموت آفاقاً جديدة. وقد سعى الزعيم أبوبكر لإقناع هذه القبائل بنفسه، وتعهد لهم بتعويضهم عن أي ضرر قد يلحق بهم بسبب هذا الطريق، فعقد معهم المعاهدات وأول معاهدة كانت مع قبيلة (آل جابر) سنة 1345هـ/1926م ثم معاهدة مع قبيلة (المعارة) سنة 1348هـ/1930م وتبعتها معاهدة أخرى مع (المعارة) أيضاً سنة 1350هـ/1931م ، وبعدها معاهدة مع (بيت قرزات) من الحموم ، تتعهد فيها هذه القبائل بتأمين الطريق وحمايتها.
العقبة الثانية: هي المشكلة التي سببها الحاكم القعيطي السلطان عمر بطلبه تعديل مسار الطريق الذي يمر بالأراضي التي تقع تحت حكمه، فاستجاب السيد أبوبكر لهذا، وعُدل مسار الطريق كما طلب، ولكن لم تكن هناك رغبة حقيقية من القعيطي، فتوقف العمل بأمر من السلطان عمر، ثم وافق على إتمام مشروع الطريق (طريق الكاف) بعد تدخل البريطانيين في المسألة.
العقبة الثالثة: وهي ما تحدثه الأمطار والسيول من أضرار بالغة على الطريق في أثناء العمل، والتي كلّفت الزعيم مبالغ أخرى إضافة إلى ما أنفقه قبل ذلك في المشروع.
وقد بلغت التكاليف التي أنفقها الزعيم أبوبكر بن شيخ الكاف في تعبيد الطريق حوالى 180000دولار.
وفي 30/7/1937م، أُفتتح هذا الطريق، وأقيم لهذا الحدث الكبير حفل بهيج حضره عدد من الشخصيات البارزة ورؤساء القبائل، وألقى والي عدن المستر رايلي كلمة بالعربية شكر فيها السادة آل الكاف على ما بذلوه من أموال وجهود كبيرة لإنجاز هذا الطريق. ثم قام الزعيم أبوبكر وألقى كلمة شكر فيها الحاضرين وعبر عن فرحته بنجاح مساعيه، ورجاه أن تتولد المنافع العمومية منها لجميع سكان حضرموت.
ثم ألقى السلطان علي بن صلاح القعيطي بالنيابة عن السلطان صالح بن غالب كلمة طويلة شكر فيها مساعي السادة آل الكاف وخاصة السيد أبابكر في إنشاء هذا الطريق، وأعرب عن سروره بافتتاح الطريق، متمنياً أن يكون هذا المشروع الكبير فاتحة خير على حضرموت كلها.
ثم ألقى الأستاذ محمد بن هاشم كلمة جاء فيها: "واليوم أيها الكرام وقد حضرتم لافتتاح الخط الموصل داخلية حضرموت بثغورها بواسطة السيارات، فإنكم بذلك إنما تحتفلون باستقبال انقلاب اجتماعي عظيم، ينقل وطننا العزيز من الخراب إلى العمران، ومن الشقاء إلى السعادة، ومن البؤس إلى الرفاهية.
ولا ينسى أحد، ولا ينبغي أن ينسى أحد، أن الفضل في ذلك كله عائد لحضرة المصلح الكبير السيد أبي بكر بن شيخ الكاف، إذ هو الذي طمحت به همته إلى هذا المشروع الذي كان يحسبه الناس من قبيل المحالات والخزعبـلات، ولـكن هـمة أبي بكر وإرادته الحديدية جعلته يهجم على هذا الأمر البعيد ويقتحم سبيله وحده بدون مساعد ولا معين.
لم يلبث هذا المشروع في دماغ أبي بكر بل جهز العمال، وأطلق يده بالأموال، وجد واجتهد، وخاطب وفاوض، واعترضته الصعاب فذللها، وقاومته الكوارث فزحزحها، وهاهو اليوم يتمتع بأعماله، ويتحقق بآماله، ويسره أن يرى وطنه يجني ثمرة هو غارس دوحتها، وساقي أصولها. إن اكتفينا بشكر السيد أبي بكر بألسنتنا، فإنَّ الأجيال القابلة ستبذل له المهج وتقيم له تمثالاً على منتصف الخط ينادي الوارد والصادر بأن هذا الصدر، ومن هذا الدماغ، وبهذه اليد تكوّن إصلاح حضرموت ورفاهية أبنائها. ومن ذا الذي يجهل فوائد هذا الخط، والمواصلات به تضاعف سيرها، وسهل اجتيازها، وسلم ذووها من اجتياز الجبال والعقاب على ظهور الحمر، وأسنمة الجمال ثمانية أيام، تلفح وجوههم الشمس المحرقة، وتشوي أدمغتهم السموم اللافحة، ويشد عليهم الزمهرير في وقته، ويخدشهم بمخلبه، وربما كرعوا من أبوال الأنعام ما يطفئون به وهج العطش، وربما كابدوا من الأتعاب ما يوصلهم إلى عظيم وخطير المرض. فالوطن الحضرمي يلهج من أقصاه إلى أقصاه بترتيل آيات الشكر الخالصة للسيد أبي بكر على قيامه بهذا المشروع خصوصاً، وعلى جميع إصلاحاته عموماً، تلك الإصلاحات الحضرمية التي لا يجحدها ولا يمتري فيها إلا من لا يخجل أن يجحد ضوء الشمس في رابعة النهار"
وكانت السيارات قبل هذا الطريق تصل إلى ميناء المكلا، ثم يتم تفكيكها وتنقل على ظهور الجمال إلى تريم، ثم يعاد تركيبها مرة أخرى. ويشار إلى أن أول من أدخل السيارة إلى حضرموت هو الزعيم أبوبكر بن شيخ الكاف وذلك عام 1916م .
للمزيد حول هذا الموضوع من معلومات وصور ينظر ( كتاب الزعيم أبوبكر بن شيخ الكاف صانع السلام وباني النهضة الاقتصادية والاجتماعية في حضرموت تأليف السيد جعفر بن محمد السقاف والسيد علي بن أنيس الكاف )
- عملة الكاف
ويعود السبب في صكّها إلى تلاشي العملات التي كانت موجودة في تلك الفترة، كالريال النمساوي الفضي (ماري تريزا) المعروف بالفرانصة، وعملة ابن سهل. ووقعت على صكَّها اتفاقية بين السيد شيخ الكاف، والسلطان منصور والسلطان محسن ابني غالب بن محسن بن أحمد آل عبدالله الكثيري، في 11 محرم سنة 1315هـ/1897م.
وقد اشتملت الاتفاقية على نقاط أهمها: صك عملة نقدية جديدة فضة أو نحاس بعلامة (910) سنة 1315هـ، يكون الضامن لها والمتولي صكَّها السيد شيخ الكاف، وفي حالة نقصان البلد من هذه العملة يلتزم السيد شيخ وأولاده من بعده بضرب نفس العملة.
واستمر التداول بعملة الكاف إلى سنة 1363هـ/1944م، ثم استبدلت بالروبيات الهندية ثم الشلنات الأفريقية( ). وكانت عملة السيد الحسين بن سهل وعملة الكاف بمثابة كسر للريال النمساوي الفضي.
أضف تعليق