موت الناقد - مؤسسة دار إبن حبتور للعلوم و الثقافة و التوثيق الخيرية

موت الناقد

 

كتاب : موت الناقد

للكاتب البريطاني : رونان ماكدونالد

ترجمة: فخري صالح


يستهل المؤلف كتابه بوصف قيمة النقد الذي تلاشي دوره أثناء الأزمة الاجتماعية والاقتصادية نهاية السبعينيات من القرن الماضي في أوروبا، ويشير إلى أن الحداثة كانت تحتاج إلى تقريبها من الجمهور لصعوبتها، لذلك تحول عدد من الكتاب الحداثيين مثل فرجينيا وولف، وتي أس اليوت إلى نقاد بارعين، ما ساهم في ارتفاع مد الحداثة، ولكن كما ذكر في البداية مع حركة عام 1968 المعادية لكل أشكال السلطة أعلن رولان بارت «موت المؤلف» وشدد على أن القراءة هي عملية سلسة مسترسلة مفتوحة لها طابع فردي لا تحتاج لتفسير ما يقصده المؤلف لكي تكتسب مشروعيتها، ويعيد ماكدونالد عملية قتل المؤلف على تحرير القارئ ومساعدته على الانغماس في متع التأويل، لكن هذه العملية قتلت أيضاً الناقد وتخلصت منه بوصفه حكماً يحدد جودة العمل أو يقود القارئ إلى المعنى.

مع بزوغ عصر الإنترنت وانتشار المدونات الإلكترونية التي أصبحت ظاهرة لافتة، يشير المؤلف إلى أن أحد الصحافيين في جريدة «الغارديان» ابدي مخاوفه من انتشار ثقافة المدونات، وقال إن المراجعات التي تنشر على هذه المدونات تعتبر سلطة من سلطات القارئ، اي نوعاً من دمقرطة عالم تقليدي تحتكره سلطة أدبية قوية، وهناك آخرون يرون في ذلك انحطاطاً في الذائقة الأدبية، ما فجر الصراع بين الصحافيين والمدونيين، مع إثارة سؤال مهم وهو من المخول بتعيين هذه القيمة؟ ويضيف الكاتب أن عالم المدونات أعلن ازدراءه بثقافات المراجعات في الصحف المطبوعة وفكرة الناقد بوصفه خبيرا، ولكن التحول على أرض الواقع جعل الناس تمتلك السلطة.

يشير الكتاب إلى أن فن المسرح هو أكثر مجال يثير فيه الناقد الاشمئزاز بسبب ارتباط السلطة التقليدية التي كان يمتلكها، ولأن السجل التاريخي للنقد المسرحي غير نظيف، حيث فشل – حسب وصفه- كثير من النقاد في فهم عمليات التجريب والتجديد في الدراما أو تذوقها، وسخروا من أعمال مسرحية اكتسبت في ما بعد شهرة ونجاحا واسعين، ويطلق المؤلف سؤالا مهما حول إن كان لدينا اليوم نقاد لهم المكانة التي تسمح لهم بالتوسط بين العمل الفني الراديكالي الطليعي وذائقة الجمهور الرافضة؟ ففي العقود الماضية تخلص منظرو الأدب من طرائق النقد الجديد التحليلية بدعوى النفور المراوغ من التاريخ وسعت شكلانيتهم إلى اجتثات الأعمال من سياقاتها التي انتجت فيها، وتعاملت مع اللحظة التاريخية بمعزل عن الكلمات المطبوعة، لذلك شهدت العلوم الإنسانية في الجامعات انقسامات حادة بسبب الحروب النظرية، وشهدت فترة الثمانينيات عداء بين المنادين بالنظرية الأدبية والنقاد التقليديين، بين الجيل الجديد وأساتذة الجامعة من الجيل العتيق، حيث دارت معركة كبرى بين النقاد والباحثين.

يشير الكتاب إلى أن الانعطافة السياسية في الإنسانيات والانفتاح الذي أحدثته على «الأدب العظيم»، أدى خدمة بحثية أغنت الثقافة العالمية، خاصة مع إعادة اكتشاف الكاتبات المنسيات وإعادة سماع الأصوات المهمشة التي جرى إسكاتها، حيث عملت أجيال النقاد الشكلانيين والجدد على تجاهل الفترة التاريخية التي كتب فيها النص، حيث أن قيمة الفنون عند الشكلانيين والنقاد الانسانويين يمكن العثور عليها في الحقائق السرمدية والكونية للشرط الإنساني، ويؤكد أن الدعوة للتخلص من فكرة القيمة النوعية والنصوص المعيارية باسم شمول النص والتعددية السياسية هو اقتراح مختلف، في الوقت التي كانت فيه الدراسات الثقافية تميل إلى تجاهل القيمة الأدبية أو الشكلية أو اصدار حكم القيمة او اظهار العداء لها، الذي ينبع من تشكيل النصوص المعيارية الذي تتلاعب فيه لصالح النصوص القوية.

يوضح الكتاب أن المعنى الثابت لكلمة «ناقد» هو الشخص الذي يبحث عن العيوب أو يكثر من التذمر، في الوقت الذي تعود مهمة الناقد المحترف على التقويم الحكيم غير المتحيز بوصفه معنى ثانوياً، ويكشف تاريخ النقد توجهين متعارضين في إيجاد أسس صلبة ثابتة يمكن من خلالها التقويم والحكم، ومن جهة أخرى هناك الحاجة لاستيعاب قيم الخصوصية والقول إن الفن تغير وتنوع، ويشير إلى أن النقد الأدبي بالنسبة لأفلاطون والأغريق هو نقد تعليمي ذو وظيفة توجيهية بطبيعته، فهو الدليل الذي يوجه القارئ إلى ما يجوز أن يتناوله أو يتركه، ويرى المؤلف أن كتاب أرسطو «فن الشعر» ذو طبيعة وصفية لا إرشادية، رغم أن بعض الكلاسيكيين استشهدوا به لكنه استند إلى مشاهدته الشخصية لعروض التراجيديا تلك التي كتبها سوفوكليس، فقد حازت الطريقة المنظمة والمعيارية في التصنيف ذات الطبيعة العقلانية في مقاربة هوراس للأشكال الفنية، على إعجاب النقاد.

ويختم الكتاب بفرضية موت الناقد، أو تنحيته عن المشهد النقدي، ويرى أن الخطوة الأولى لإعادة إيقاظه، هي استعادة فكرة الجدارة الفنية وزرعها في قلب النقد الأكاديمي، فالنقد إن كان راغباً في أن يكون مقدراً ذا قيمة ومهتماً كذلك بالوصول إلى جمهرة القراء، فعليه أن يكون تقويمياً.


لتحميل الكتاب من ( مكتبة دار بن حبتور ) من هنـــــا


ليست هناك تعليقات