الصابئون في حاضرهم وماضيهم
كتاب : الصابئون في حاضرهم وماضيهم
تأليف : السيد عبد الرزاق الحسني
الصابئة مجموعة دينية تعيش في جنوب العراق بشكل اساسي حول فروع نهر دجلة مثل الكحلاء والمشرح والبتيرة وبعضهم يسكن على ضفتي نهر الكارون في ايران فهم ديانة مائية، بمعنى ان منتسبيها لا يعيشون الا حول الماء بسبب ارتباطهم الطقسي به منذ نشأة هذا الدين.
يؤمن الصابئة المندائيون بالاله الواحد وبأن ادم سيد البشر ويرتلون اناشيدهم الدينية باللهجة المندائية التي هي فرع من اللغة السريانية القديمة وتسمى عندهم بـ «الرطنة».
تقول الليدي دراور التي كتبت عدة دراسات عنهم انهم «يؤمنون بالله وباليوم الاخر ويؤمنون بالحساب والثواب والعقاب وان الابرار منهم يذهبون الى عالم النور وان المذنبين يذهبون الى عالم الظلام ولا يفرض عليهم الصوم بمعناه المعروف الا انهم يمتنعون عن اكل اللحوم حوالي خمسة اسابيع متفرقة على طول السنة وتشير دراور الى اهمية معرفة الدين الصابئي لأن ذلك يتعلق بدراسة الاديان الاخرى فدراسة هذا المعتقد توضح لنا ملتقى التوحيد القديم بالوثنية القديمة.
ويعتقد بعض المسلمين ان سبب تسميتهم بالصابئة انهم «صبئوا» عن الدين الاسلامي الا ان ذلك ليس صحيحا تاريخيا فالصائبة يعتقدون ان سبب تسميتهم بـ «الصبه» بفتح اللام انهم يصبون الماء عليهم اي يتعمدون به، وهم يسمون التعميد في لغتهم الخاصة مصبنا كما ان ابن النديم يدعوهم بالمغتسلة.
يقول غصبان الروي ونعيم بدوي وهما من كبار مثقفي الصابئة (وقد قاما بترجمة كتاب الليدي دراور ــ الصابئة المندائيون ــ عن الانجليزية) ان الليدي دراور درست الدين الصابئي مدة ربع قرن وطبعت بحثها عنهم عام 1937 وقامت بالتعاون مع د. رودلف ماتسخ بتأليف (قاموس اللغة المندائية) وهو قاموس مندائي انجليزي طبعته جامعة اوكسفورد عام 1963 ويعتبر المرجع الوحيد في لغتهم حتى وقتنا هذا ورغم ظهور كتب اخرى في الديانة المندائية، والصائبة المندائيون غير صابئة حران الذين يعبدون النجوم كما ان الصابئة دينيا لا يعرفون انفسهم بهذا الاسم بل بانهم مندائيون، والمندائي باللغة الارامية تعني (العارف).
وترجح دراور ان اعتماد الصابئة على الماء الجاري في طهارتهم اليومية جعلت التسمية الشعبية لهم تؤخذ من فعل (صبا) الآرامي، ومعناه يرتمس اويتعمد.
والعلاقة بين صابئة حران وبينهم ليست مجرد تسمية تجمع بين الجماعتين، اذ هرب الناصورائيون (الصابئة الموحدون) من اضطهاد اليهود لهم في القدس وبحثوا عن مأوى لهم في جبال ميديا حيث مدينة حران حوالي العام (70) ميلادية، ومن حران اتجهوا بعد ذلك بسنوات الى منطقة الطيب (الطيب ماثة) الواقعة بين واسط وخوزستان في جنوب العراق ومازالوا هناك.
ان استيطان الصابئة في حرام وتعايشهم مع الوثنيين فيها جعل دينهم معروفا هناك رغم عبادة الحرانيين للكواكب، وقد اشتهرت حران ايامها بتحررها من النفوذ المسيحي واليهودي وبقائها على وثنيتها حيث هوجمت بعد ذلك مرارا وضربت هياكلها الوثنية عامي 932م و 1032م.
يعتقد الصابئة ان جدهم الاعلى ونبيهم بعد آدم ونوح هو «سام» وهم ليسوا فرقة من النصارى رغم تعظيمهم للنبي يحيى واعتبارهم له نبيا انقذهم من ضلال اليهودية وقام بالمعمودية، وهم ليسوا مجوسا لعدم تقديسهم للنار، لكن بعض شعائرهم تتشابه مع اديان المنطقة بفعل تواجدهم القديم فيها، فهم يعظمون الكواكب باعتبارها تحتوي على مخلوقات حية هي ارواح ثانوية تابعة ــ في عرفهم ــ لأمر ملك النور وتصاحب هذه الارواح ارواح اخرى شريرة وهم يوجهون ادعيتهم للأرواح الخيرة لتساعدهم وتناصرهم.
ان خلاصة الدين الصابئي المندائي هي عبادة قوانين الحياة والخصب القديمة، لكن الحديث عن هذا يظل مبهما ينطلق من تعظيمهم للماء الحي او الجاري الذي يسمونه (يردنه) ومن هنا يكون احد الطقوس الرئيسية عندهم هو الاغتسال بالماء الجاري، والقانون الثاني في ديانتهم يتمثل في تجسيد النور ملكا، وفي الدستور الاخلاقي للصابئة كما هو عند الزرادشتيين ينبغي ان يصاحب صحة ونظافة البدن والطاعة القوانين الاخلاقية.
الامر الثالث الحيوي في هذه الديانة هو الاعتقاد بخلود الروح وصلتها الوثقى بأرواح اسلافها فوجبات الطعام تؤكل نيابة عن روح الميت وتمنح ارواح الخيرين من الموتى العون الدائم للاحياء.
لتحميل الكتاب PDF من ( مكتبة دار بن حبتور ) من هنـــــا
أضف تعليق