من المذهبية الى الطائفية - المسألة الطائفية في الواقغ الاسلامي
كتاب : من المذهبية الى الطائفية - المسألة الطائفية في الاسلام
تأليف : علي المؤمن
لا يحتاج المتتبع لما يجري اليوم على ساحتي العالمين العربي والإسلامي إلى كبير عناء ليدرك أن موضوع الخلاف المذهبي أو الطائفي بات الواجهة التي أريد لها أن تغطي على المعضلات الحقيقية في بنية مجتمعاتنا، ولعل ذلك ما حدا بالسيد علي المؤمن لجعل ((المسألة الطائفية في الواقع الإسلامي )) عنواناً فرعياً لكتابه، خلواً من أدنى وصف؛ فالظاهرة الرّاهنة مما يكتفى في تعريفه بالإشارة، لكن الكاتب يحمل عبء الإلتزام بهموم المنطقة؛ لذلك لم يقصر عمله في حدود الحرفة الاكاديمية المجردة ـ شأن عالم الجراثيم والفيروسات في مختبره ـ بل سعى، كما يفعل الطبيب، إلى أن يعالج، يحمي، ينبّه على المضاعفات، يستشرف الخطر المحدق: (( من المذهبية إلى الطائفية )). هكذا جاء العنوان الرئيس للكتاب، مقتضباً في صياغته، حاداً في جرسه، ليقول إن الخطر وشيك : من التنوع إلى التشتت، من الاختلاف إلى العداء.. مسافة ما بين العافية والهلاك حرف الجر.
مستهل الكتاب، المقدمة أو كلمة البدء ـ كما شاءها الكاتب ـ تحيل مباشرة على سببين لظاهرة الخلاف أو التباين المرضي الذي تعانيه الأمة: (( أحدهما داخلي، يرتبط بجذور الخلافات التاريخية والموضوعية، ضمن الدائرة الاسلامية، والآخر خارجي، يرتبط بالتدخل الأجنبي... )) (ص 5). هذان السببان أو العملان تكاملا في صنع " الظاهرة " موضوع الدراسة، دراسة تعي حساسية تناول مثل هذا المهم بالبحث، (( حتى قد يتصور بعضهم أن مثل هذا الحديث يشكّل ـ بحد ذاته ـ إثارة للرّوح الطائفية، وقد يتصور بعض آخر أنه المعنى بالسلبيات التي سيحفل بها الحديث عن مسيرة الخلاف والصراع بين التيارات الفكرية والمذهبية )) (ص 5)، لكن ذلك لا يبرر عدم التصدي لمعالجة المسألة بروح المسؤولية، ويسعنا أن نضيف طواعية إنه حتى مع مراعاة السياق الحالي لمجريات الأمور، في أكثر من بقعة ، وملاحظة الحيثيات الظرفية الحافة ـ اليوم ـ بمباشرة القول في المسألة المذهبية فإنه لا معدا لنا عن الخوض في الحديث عنها ، وحسبنا أنها حقيقة وواقع يضرب بجذوره عميقاً في تاريخ حياتنا الاجتماعية والثقافية، ناهيك عن المخاطر التي تتهدد حاضرنا ومستقبل أجيالنا الآتية لو عنَ لنا أن نترك الحبل على الغارب، أما الدكتور علي المؤمن فيجد مبرر البحث في الهدف الذي حرّكه، حيث يقول: (( إن الهدف من دراسة المسألة الطائفية كحقيقة تاريخية وعلمية وكقضية تدخلت عدة عوامل في صنعها وتأجيجها، ومن ثم حرفها عن سيرها الطبيعي، وهو الوصول إلى مشروع قناعة مشتركة، يمكن أن يكون دافعاً لايجاد نواة التفاهم والتقارب الحقيقيين بين مختلف الاتجاهات، ومن ثم بناء الأساس الرّاسخ لوحدة الأمة الإسلامية)). (ص 7)
ذلك، لاريب، هدف نبيل، بيد أنه ينوء به طرف دون الآخر، لذلك لا يتردد السيد المؤمن في دعوة "عقلاء الأمة " لبذل ((جهود فكرية وإعلامية وبحثية مكثفة من شأنها التقريب بين فصائلها ومكوّناتها، ولا سيما الطائفتين السنية والشيعية...)) (ص 7)، وذلك هو بيت القصيد. وعليه، فقد أراد الأستاذ علي المؤمن أن يكون مساهماً في هذا الشأن الخطير، ويدعو الآخرين ليدلوا بدلائهم في هذه السبيل الشائكة من البحث، ويدعو للحوار لا المنافحة المذهبية، للانفتاح لا للإنغلاق، للتقريب لا التنابذ، للبسط بما يسع الأمة لا القبض إلى حمى العصبية. ولا مرية، حينئذٍ، في أن يكون القول المشوب بحرفة هذا التطلع صريحاً، وآية ذلك أن يذكر ويذكر بالأمور كما هي.
ليس الخلاف المذهبي وليد اليوم، لذلك حسن وقوع الفصل الأول تحت عنوان ((جذور المسألة الطائفية ))، وحسُن استهلاكه، إذ يذكرنا بأصل نشأتنا كمسلمين وهو الوحدة، وحسن تأسيس الأصل في الغاية من بعث النبي (ص) (( إذ جاء رحمة للبشرية كافة، جاء ليوحدهم ويلم صدعهم ويردم ما يفصل بينهم من إختلاف وتمييز و تباين، على جميع المستويات)). (ص11) وحسن أخيراً توكيد الأسس بمدماك من كلام ترجمان الوحي وهارون الرسالة الخاتمة، أميرالمؤمنين علي (ع) حيث يقتبس له ـ من كلمة في حق النبي (ص) ـ قوله: ((فصدع بما أمر به، وبلَغ رسالات ربّه، فلم الله به الصدع، وتق به الفتق، وألف به الشمل بين ذوي الأرحام)). هكذا، يتبين الأفق الذي يوجه تناول الدكتور المؤمن لموضوع المذهبية : الوحدة هي الأصل الذي بنيت عليه جماعة أمتنا والاختلاف المذهبي عارض، حتى وإن امتد مداه وطال أمده، أي لحظة التأسيس قامت على الوحدة وتاريخ الجماعة المسلمة (الأمة) تلون بصبغة الخلاف، وعليه، فالبحث ينصب على التاريخ الاجتماعي والسياسي لا على فهم عقيدة أو حكم، وكأن الكاتب، بذلك، يريد إعادة وضع المسألة المذهبية في نصابها ـ فهي لا تمت إلى الدين بل ينتسب وجودها إلى علائق الاجتماع السياسي وشؤونه، والباحث الحصيف واجد له في فروع الإنسانيات ومناهجها ـ إذا كان من ذوي التحصيل ـ ما فيه كفاية وغُنية عن تطلُب عُدَة سدنة نار العصبيات..
غير أن البنية البانورامية للفصل الأول سريعاً ما تلفتنا إلى أن المراد ليس عرضاً من قبيل كرونولوجيا تبسط وقائع الخلاف وفق تسلسلها الزمني، فضلاً عن أن يكون تأويلاً أركولوجياً لها، بل لعل الغرض التربوي والنفس الإصلاحي هما الذان حكما نظم النسق، فيما يعود إلى اختيار المادة التاريخية ورصف الفقرات. فقد جاءت بداية التأريخ للخلاف بين المسلمين تقليدية؛ تلا وفاة النبي (ص) اختلاف رهط من وجوه الصحابة حول من سيخلف النبي (ص)، فيردف الكاتب ذكر هذه الواقعة بتذكير مختصر بأطراف الخلاف ومواقفها، ثم سبق إخبار النبي (ص) بإفتراق أمته من بعده، ليخلص الكاتب،بعد ذلك، إلى ذكر شأن الإمام علي (ع) في ما خصّ الخلافة، قبل تسلّمه زمامها وبعده، وهو ما تلخصه الكلمات التالية: ((مع أنَ الإمام علي بقي يرى نفسه أحق بالخلافة، إلا أنه بذل كل سعيه لتجاوز آثار الخلاف، حفاظاً على وحدة الأمة، واضعاً بذلك الأسس الأولى للتقريب والوحدة بين المسلمين)). (ص 12ـ 13)
يلي ذلك تذكير بما حفلت به خلافة الامام علي (ع) من أحداث وسمها ميسم الخلاف، يستوقفنا من سياقها ((ظهور بوادر الطوائف والفرق، نتيجة الآراء والمواقف المختلفة التي اختلطت فيها المفاهيم الفكرية والسياسية))، يؤكدها ويتقدمها روح الاجتهاد مقابل النص فتمخض عن ذلك أن (( كانت هذه الفترة حافلة بالمفاهيم الجديدة التي حمّلت على الإسلام فكان الكثيرون يبتدعون الآراء والمدارس الفكرية ثم يفرضونها على القرآن والسنة، لتسويغها وتثبيتها، بدلاً من استلهام أفكارهم من القرآن أو عرضها عليه )). (ص 14ـ 15).
نتوءات الخلافات المبكرة التي لم تُرسم أطراً فكرية متميزة قبلاً سيجري تكريسها على نسق مطرد من لدن استتب الأمر لمعاوية وبرعاية مباشرة منه. تم ذلك من خلال ما عرف بالوضع في الحديث، حيث لا ينحصر الشأن في حادثة عابرة، بل يتعلق بسياسة ديماغوجية عملت على طمس آثار رجالات الإسلام وقادة الأمة بحق وتدليس آخرين باختلاف فضائل لهم، وسيكون من النافل التذكيربأن الوضع لم يقف عند حدود إعادة خلف "مخيال جمعي" عبر تزوير صور الشخوص بل تعدّاه إلى ميادين أخرى كتحريف المفاهيم واختلاف البدع والإلحاد في الأحكام واكتتاب التواريخ، الخ.
مما يستحق أن نتوقف عنده في محاولة الدكتور علي المؤمن رد ظاهرة الخلاف، بين المسلمين، إلى أسبابها هو التزامه بفهم الظاهرة في الاطار المعرفي والتاريخي. فقبل كل شيء، تظافر عاملان فكري وسياسي على تمهيد أرضية الخلاف؛ كما يعبر السيد المؤمن، وقد سلفت الإشارة إلى ذلك.
السبب الثاني : يتلخص في تباين أنظار المتكلمين والفقهاء، كل في ميدانه، في ما لم يرد فيه نص ثم اختلافهم في تفسير النصوص.
الثالث: ((حاجة الحكام إلى اتجاهات تشؤيعية تناقض الاتجاهات التي تخالفهم فكرياً وسياسياً وإلى غطاء ديني يدعم ممارساتهم)). (ص24)
إذن فقصة المذهبية تجد ما يفسرها في ما يعرف بجدلية المعرفة والسلطة، وهي لا تكون بدون ذلك الانزياح من الابستمولوجي الى الايديولوجي.
من هنا، جاء الفصل الثاني يحمل عنوان (( حركة انتشار المذاهب)) ليبين، بتفصيل أبرز محطات تدخل السلطة في تكريس مذاهب دون غيرها متوخياً، لذلك، سرد جملة من الشواهد الصريحة التي من شأنها محو النظرة الساذجة التي تغلب على الجمهور العريض في الاعتبار الذي يضفونه على ما يعتنقون، غافلين عن الاطر الاجتماعية والسياسية وإكراهاتها، ولا يسعنا هنا سوى أن نأسف طويلاً لطول غياب علم اجتماع المعرفة عن تقاليدنا البحثية...
مستهل الفصل الثاني حسبُنا لتأكيد وعي السيد علي المؤمن بالرهانات التي حكمت نشأة المذاهب فتكريسها فانتشارها: (( العوامل لعبت الدور الأساس في الإبقاء على بعض المذاهب وزوال أخرى، تكاد تكون ذاتها التي عملت على نشر ما بقي منها في اصقاع الدنيا،... ولعل من الثابت تاريخياً أن السلطات الحاكمة كانت أهم تلك العوامل، فقد كان انتشار المذاهب ـ عموماً ـ يرتبط بإدارة الدولة بالدرجة الأولى، إضافة إلى مدى نشاط تلامذة أئمة المذاهب، وتحرك أتباعهم والمواقع التي يتسمونها في الحكومة، وخاصة موقعي القضاء والإفتاء...)). (ص49).
إن المفاعيل والآثار المباشرة " للسلطة الزمنية " وإكراهاتها وقسرها يمكن تتبعها بيسر في تشكلاتها المادية ( الوظائف والدعاية وما ياحقها من ترميز: ألقاب علمية، عسكرية، الخ. ومدارس ودور عبادة،الخ)، في حين تسهل الغفلة عما خلفته على مستوى " الثقافات العامة " أو " الثقافة الشعبية "، لعل ذلك ما يفسّر عودة الكاتب للحديث ببسط أوفى عن الوضع في الحديث وعن الوضّاعين، فمدونات الحديث عند المسلمين تعد مصادر" للمعرفة الدينية "، لذلك أصبح لها " سلطة مرجعية " وقوة رمزية نافذة، فإذا تذكرنا اختلاط الغث بالسمين في الأحاديث علمنا أن الآخذ بما فيها ( وربما كان المراد هنا ما يعود إلى موضوع المذهبية بسبب) دون نقد وتمحيص ويورّط في الهلكة.
ورب معترض بأن علماء الحديث لم يألوا جهداً في تمييزما هو حجة ويجوز الركون إليه مما عداه، فما بالنا نتعَنى لأمر قد فرغ منه ! ويجاب بأن دونك كتب الحديث جميعها، وحسبك أن المجتهد يخطئ ويصيب، فكيف بمن نافح عن عصبية، وهذا حديث ليس هنا محلّه.
وما يقال هنا يصدق في شأن كتب التاريخ ومدوّناته. فيكون (( من الضروري منهجياً ـ إذن ـ إخضاع روايات ومدونات المؤرخين والكتذاب الذين عاشوا في ظل الحكومات الأموية والعباسية والأيوبية والعثمانية والصفوية إلى التمحيص الدقيق والتحليل التاريخي المعمّق، للحيلولة دون تكريس منهج التفرقة والانقسام الذي أسسه معظمهم بأمر من السلطات)).(ص76).
يسجل الفصل الثالث: (( الصراع الطائفي التاريخي ))، تحول الخلاف العلمي بين أتباع المذاهب المختلفة إلى ثورات عداء واحتراب، تجلّت في مجال الدعاية التي كان الشعر من أبرز نواقلها، حتى صار الأمر إلى الاقتتال والهرج والمرج. وهنا يتوقف الدكتور المؤمن لينقل عن المؤرخين بعض وقائع الفتن مما جرى بين مختلف المذاهب، وهي مما يُكرب دون شك، عسى أن يكون فيها عبرة لأبناء اليوم، ثم يُرد بعدها نماذج مما أسماه " حرب الفتاوى " التي تضفي على البغي والخوض في الفتن لبوساّ شرعياّ، سواء منها ما جرى بين المذاهب السنية أو تلك التي كان الشيعة ضحاياها.
ولمّا كان الأمر يبلغ حد التكفير والقتل والسبي ووضع الجزية على رقاب المسلمين فقد استدعى ذلك وقفة مع بدعة التكفير، ولوضوح تهافتها بمجرد الالتفات إلى مسلمات الإسلام فإن الكاتب لم يطل الحديث في تفنيد مستندها "الشرعي" ولا نقل إجماع علماء المسلمين على ما يتم به الإسلام، وإذا كان الحال بهذا الوضوح فإن الاجدى هو البحث عن دواعي الترط في تفكير بعض أهل القبلة.
(( المصالح السياسية استدعت أن تستمر حركة التكفير والرمي بالارتداد )) (ص93)، ومصاديق ذلك ليست عزيزة في ماضينا وحاضرنا، ذكر الأستاذ المؤمن بعضاً مما جرى منها على عهد العثمانيين. هي إكراهات السياسة مجدداً، ولعل ذلك ما سوّغ للكاتب الحديث عن " الطائفية السياسية " التي وجد لها ترجمة بيّنة في وقائع " الدولتين العثمانية ( الحنفية السنية ) والصفوية ( الجعفرية الشيعية )"؛ حيث أصبح الصراع الطائفي في جانبه الأعظم صراعاً وتنافساً سياسياً مغلّفاً بالشعارات المذهبية. (ص96). ولم تقصّر الدول الاستعمارية الأوروبية في أستغلال الصراع بين الإخوة الأعداء و إذكائه، وهو ما أفضى إلى سقوط الدولتين، وتفتت العالم الإسلامي. غير أن آثار إكراهات السياسة تستمر فاعلة في " المخيال الجمعي "والأطر الاجتماعية، حتى بعد غياب الشكل المادي للسلطة التي أفرزتها، (( وإذ يتركز الحديث على قيام السلطات بممارسة الطائفية، فلا يعني ذلك أن الصراع منحصر في الدائرة الرسمية، بل إن النزاع ـ الذي استمر مئات السنين ـ قد حفر آثاره في عمق عقول الكثير من المسلمين وضمائرهم، وظلت تتوارثه الأجيال واحداً تلو الآخر)). (ص97).
إلى هنا كان الحديث ينصب على ما دعاه الدكتور علي المؤمن " العامل الداخلي " في فهم مناشئ الخلاف المذهبي وتفسير أطواره. أما الفصل الرابع الذي حمل عنوان ((واقع المسألة الطائفية))، فإنه يعالج نصيب " العامل الخارجي" المتمثل في " التدخل الأجنبي" في إذكاء الخلاف وزرع الشقاق بين المسلمين. ومن اليسير أن يلاحظ القارئ أن الكاتب وزّع مادة هذا الفصل إلى قسمين: ما يصوّر تدخلاً مباشراَ ( سواء كان سياسة فعلية أو موقفاً إعلامياً، الخ )، وما يعود إلى سياسة مجحفة وسعي للتفريق بين المسلمين والتنكيل بطائفة منهم أو التحريض عليها ( مع الإشارة إلى ما يقتضيه ذلك من دعاية مغرضة) أنيطت مهمة إنجازه إلى "وكلاء محليين"؛ ساسةً كانوا أو هيئات أهلية أو وعاظاً أو إعلاميين، الخ. ثم يسوق أمثلة وشواهد لتأكيد نظرته.
محتوى الفصل الخامس يقرأ من عنوانه : ((الدعاية الطائفية))، وهو استمرار للنفس الذي وجّه سابقه، فمن ذلك قوله: (( إن اهداف الدعاية الطائفية لا تزال نفسها تقريباً، ويقف في مقدمتها دعم وتسويغ المخططات الرّامية إلى تمزيق المسلمين. والإعلام وهو المعبّر عن حجم الغزو الطائفي واتجاهاته)). (ص127). وينصب اهتمام الكاتب على كشف الحملة الدعائية المغرضة التي كان الشيعة ضحيتها، خاصة بعد نجاح الثورة في إيران(1979). واللافت للنظر ـ حسب السيد المؤمن ـ أن الحملة الإعلامية ـ كجزء من مخططها وانسجاماً مع انفعالها ـ لم تفرّق بين مذاهب الشيعة المختلفة، كما لم تفرّق بين التشيّع كمذهب، والجمهورية الإسلامية كنظام سياسي، فراح بعضها يشتم أئمة أهل البيت(ع)...))(ص128).
ثم يوجه هذا الهوج نحو هدفه الذي هو السعي إلى تفريق المسلمين وإشعال الحروب بينهم. وعليه، لا يتردد المؤمن في إيراد لائحة تضم طائفة من الكتب التي تحرض على الشيعة، تنبيهاً إلى آثارها الوخيمة...
بعد أن تم للدكتور المؤمن تشخيص الداء وبيان أسبابه ووصف أعراضه، جاء الفصل الآخير ليقدم (( رؤية واقعية لوحدة الأمة))، تكون وصفة علاج و ورقة عمل في آن واحد. ونخشى أن محاولة تلخيصها تخل ببعض المعاني التي قصد الكاتب إبرازها، خاصة أن من يقرأ هذا الفصل لا يستطيع أن يتجنب الإقرار بأنه وليد جهد فكري جاد، وإدراك سليم لمعطيات الواقع؛ لذا فلتكن هذه دعوة لقراءة هذا القسم من الكاتب.
غير أن ذلك لا يعفينا من إعطاء صورة إجمالية عن محتواه: يدرك الكاتب أن معالجة قضية الخلاف المذهبي المتشعب والعميق والضارب في القدم، تحتاج إلى تضافر جهود وعمل دؤوب، دون أن نتوهم إمكان محو آثار الخلاف في سنوات معدودات، وأن هذه المعالجة ينبغي لها أن تتوخى شروط البحث العلمي الموضوعي.
ومن أجل إنجاز شئ ملموس يقترح المؤمن أن يحدّد من يسعى في هذه السبيل لعمله هدفاً إن لم يدرك كله لا يترك جله، كما هو ديدن العقلاء. وتستلهم خطة العمل التي يقترحها إطاراً نظرياً يقوم على أربع مسلمات أو مقدمات هي:
1ـ التسليم بوجود الخلاف وإدراكه في حدوده الواقعية.
2ـ الإيمان بالحاجة إلى تحقيق الوحدة نزولاً عند مقتضيات الشرع والواقع.
3ـ إن الوحدة المراد تحقيقها ليست مطلباً ظرفياً تمليه الظروف السياسية للحكام أو الدول أو التحالفات السياسية.
4ـ إن الوحدة المنشودة ذات أهداف واسعة وعميقة للغاية، و لا يمكن أن يستعاض عنها بإنجاز مصلحة آنية.
انطلاقاً من هذا الإطار وبهدي منه، يقترح الكاتب المؤمن أن ينصب الجهد المبذول لتحقيق هذا الهدف في خمسة " خطوط "، وفق تعبيره: النفسي ، الإعلامي ،الإجتماعي السياسي ، العلمي. وبين هذه الخطوط تكامل وتقاطع، ومن ثم فالتمييز بينها إجرائي أو عملاني لا غير.
بعد هذا الإجمال يعطي الأستاذ المؤمن نبذة عن طبيعة العمل الذي يراد إنجازه على صعيد كل واحد من المحاور أو الخطوط المذكورة، مع الإسهاب قليلاً فيما يتعلق بالمحور الأخير( العلمي).
أخيراً، تأتي محاولة الدكتور علي المؤمن لتضيف جهداً مهماً، يصل جهود اليوم بجهود بُذلت منذ أجيال خلت في سبيل الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب، فعسى أن تثمر تلك المساعي خيراً، خاصة في عصر ثورة المعلومات والإتصالات.
لتحميل الكتاب من ( مكتبة دار بن حبتور ) من هنـــــا
أضف تعليق