أخي له 99 نعجه ويريد أخذ نعجتي الوحيدة !!! "السعودية واليمن المثال الصَادم" أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور | 21-05-2016م
أخي له 99 نعجه ويريد أخذ نعجتي الوحيدة !!!
"السعودية واليمن المثال الصَادم"
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور | 21-05-2016م
مقـال نُشـر بتاريخ : 21-05-2016م
ما أعظم الحِكم والدروس والمواعظ في تراثنا الديني والثقافي والإنساني ، وان التفكّر في مغزى قدوم الأنبياء والرسل للبشرية جمعاء في أزمنتهم بهدف إنارة دروب الخير والسلام للناس اجمعين هي مسألة جوهرية لفهم المقاصد من كل عِظه ، والتأمل بعمق في نزولهم للناس كي يحكموا بالعدل بين الأقوام المتنازعة في أمور حياتهم وتنظيم تضاد مصالحهم ، تلك هي من بين الأسرار المبهمة التي أختلف عليها المُفسرون من بني البشر عبر كل مراحل تطور المجتمعات الإنسانية عبر التاريخ ٠
ومن وحي أحداث اللحظة التاريخية التي نعيشها اليوم ، والتأمل في حال ما وصلت اليه الأوضاع في منطقتنا العربية ، ونستقرأ معاً في معاني الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة وحتى مقولات ونظريات الفلاسفة والمفكرون الكبار في هذا العالم ، نجد ان الإنسان كان ولازال هو ذلك الإنسان الذي لم ولن يتغير مهما بلغ غٍناه وثرائه ، إلا ان شهوته المتجذرة للحصول على المزيد من الثراء والجاه والسلطان هي من يتحكم في بوصلة مساره وحركته وصعوده وتوجهه في إطار التنافس للوصل إلى المستوى الأرقى كما يضن ، وللوصول إلى الأفضل وحتى الكمال لو استطاع فعل ذلك ، وهذا الأمر ينسحب على الجماعات والأقوام وحتى الدول حديثها و قديمها ، ولنا في عٍظة التاريخ دروس مستقاه ، فصعود و انهيار الأمم والإمبراطوريات مُنذ سيدنا آدم عليه السلام إلى اليوم تحكمه للأسف هذه المعادلة بكل متطلباتها ٠
سأل العديد من المتابعين السؤال المنطقي الآتي : ماذا يدفع بأغنى دول مجلس التعاون الخليجي بإستثناء الشقيقتين عُمَان والكويت ، بان يتحالفوا عسكرياً على جارتهم اليمن ، الجار الفقير والمسالم!!!، وحتى السُذَّج من الناس يرددون التساؤلات ويقولون الا يعرف هؤلاء الأشقاء العرب بان اليمن كانت ولا زالت مدداً لكل العرب والمسلمين برغم عوزها وحاجتها ، و أن الرسول محمد (عليه الصلاة و السلام) أغدق على اليمنيين بالعديد من الأحاديث النبوية المُقدّسة، مع العلم بان مزايا اليمنيين كجيران مع العرب وغيرهم كانت إيجابية إلى أقصى الحدود٠
دعونا نضع امام القارئ اللبيب مجموعة معطيات نبادر تُعد بديهية ولعلها قد تُفضي إلى سبر غور الأسباب المنطقية لنشوب هذه الحرب :
أولاً: اليمن لا يملك ثروات طبيعية كبيرة في جوف أراضيها، وهذه بعد دراسات ومسوحات طوبوغرافية عديده، لكنه يتميز بعاملين رئيسين للنهوض التنموي في قادم الأيام بإذن الله :
- يتميز بوجود إنسان جاد وطامح للتطوير من ذاته وللآخرين .
- يستوطن في موقع إستراتيجي وحاضن للتراث الإنساني التاريخي .
وهذان العاملان لا يشكلان أية خطورة على الجيران البته ٠
ثانياً : معدل النمو والخصوبة في اليمن هي من أعلى المعدلات في المنطقة إذ يشكل ما نسبته 3.4% من عدد السكان ، وهذه النسبة أحدثت جدلاً واسعاً بين علماء الاختصاص في النمو السكاني في بلادنا امتداداً للجدل العالمي في هذا المجال ، وهذا عامل لا يشكل أية خطورة على جيراننا الأشقاء في الملمح العام للظاهرة ٠
ثالثاً : مستوى دخل الفرد باليمن من الناتج الإجتماعي الإجمالي والناتج المحلي ، يعد من أدنى الدخول في العالم ، وتُعد اليمن في بيانات صندوق النقد والبنك الدوليين ضمن البلدان الأقل نمواً بالعالم ، إذاً اليمن لن يشكل لدول الجزيرة العربية اي تهديد او منافس قوي في السوق الإقليمية ولا في غيرها ٠
رابعاً: اليمن مصدر هام للعمالة الموثوقة لدول الجوار وتميزت هذه العمالة بالصدق والأمانة ، وهناك تشابه كبير في العلاقات الاجتماعية والثقافية بين اليمن وجيرانها ، بل ان التاريخ الحديث يقول بان العمالة اليمنية تحملت عبئ البناء قبل مجيئ الطفرة النفطية في دول الجوار ٠
عند سرد هذه المعطيات يتراءى للقارئ العابر ، إنه بالفعل ليس هناك ما يثير غريزة الإستحواذ من قبل الأشقاء الأثرياء لمهاجمة الشقيق الفقير ، لكن دعونا نتفكر في فهم قراءة الآية الكريمة الأتية ، بسم الله الرحمن الرحيم ( إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) صدق الله العظيم .. سورة ص - الآية 23
هذه الآية أثارت موجة من التباينات الفقهية في تفسيرها بين فريقين من المُفسرين والمُجتهدين :
الفريق الاول من المُفسرين استند في تفسيره وحججه إلى الإجتهاد من زوايا تفسير نصوص ومفردات اللُّغة العربية الصَرفه و مالوا للمراجع التراثية ومنها التراث الواسع (للإسرائيليات المُحرفة في كل شيء) وانطلقوا في تفسيرهم لنص الآية الكريمة بدون قصد او غيره في ذم نبينا داؤود عليه السلام وتخطئته وأظن انهم وقعوا في هذا الهَنة ، إذ فسروا كلمة نعجة على إنها (المرأة) إلى نهاية تفسيرهم للنص القرآني .
الفريق الثاني من المُفسرين ومنهم إبن عثيمين والشنقيطي والإمام الهادي يحيى بن الحسين وكثيرون انطلقوا في تفسيرهم إلى الابتعاد عن ذم الأنبياء ومنهم نبينا داؤود عليه السلام وفسروا الآية إلى مدلول الأنانية المزروعة في جوف الإنسان في هذه الحياة ، وهي تشير إلى إستحكام وتغول الخاصية السلبية في الأفراد والجماعات في حب الذات بأنانية قاتله ، وتناولوا هؤلاء العلماء شيئ أخر في هذا السياق وأشاروا إلى أن المؤمن الحقيقي هو ان لا يَبْغي على شريكه او زوجته أو جاره او رفيقه في العمل ، لأن من لوازم الإيمان الإنصاف في التعامل ،وانا أميل لهذا التفسير المنطقي ، وسنعود لربط الفكرة بعد إيراد عدد من المعطيات الخفية المستترة والظاهرة للعيان والتي أضحت معلومة في علاقة الجار الشقيق الطامع الأناني بأخيه الجار الشقيق المُسالم الفقير .
أهم المحطات المضطربة في علاقة اليمن بالسعودية منذ نشؤ الدولة السعودية الثالثة وحتى اليوم :
أولاً : الدولة السعودية حاربت اليمن في زمن الدولة المتوكلية الهاشمية في ثلاثينات القرن العشرين و أحتلت المحافظات اليمنية الشمالية والغربية ، نجران ، جيزان وعسير ما عُرف بالإقليم السليماني اليمني واحتلت الحُديدة أيضاً ، وفي عام 1934م عقدت السعودية مع الإمام يحيى أل حميد الدين إتفاقية تأجير المحافظات الثلاث ولمدة أربعين عاماً فحسب، ولظروف اليمن الداخلية استمر سريانها إلى ان جاءت معاهدة جده لترسيم الحدود بين اليمن والسعودية وتم بموجبها إلغاء الاتفاقية السابقة (ومن يعود لمراجعة كتبنا المدرسية التي تدرس في المدارس اليمنية ، كان مثبتاً فيها بان نجران وجيزان وعسير مناطق ومدن يمنية إلى ان جاءت التسوية الأخــوية التاريخـية بين اليـمن والســعودية عام 2000م ، وأتذكر إنني ترأست وفداً تربوياً كبيراً لزيارة السعودية عام 2011م لتسوية هذا الموضوع في مناهجنا وكتبنا المدرسية للبلدين) .
ويتذكر القارئ وبعد الثورة السبتمبرية مباشرة ناصبت المملكة قيادة الثورة والجمهورية العٍداء ، ودعمت الملكيين وجلبت المرتزقة لقتال الجمهورية العربية اليمنية واستمر هذا الصراع حتى حدوث المصالحة بين طلائع الجمهوريين والملكيين والموقعة عام 1970م .
ثانياً : حينما انجزت القوى الثورية التحررية في جنوب اليمن بقيادة الجبهة القومية الإستقلال الوطني الناجز في عدن عاصمة ( ج ي ج ش ) في 30نوفمبر1967م لم تعترف السعودية بالدولة الوليدة ، بل أنها دعمت القوى القبلية المسلحة المناوئة للدولة الجنوبية الجديدة منذ يومها الأول ، وفرضت ضدها حصاراً سياسياً وإقتصادياً شاملاً ، وأستغلت السعودية نفوذها المالي الطاغي بتحويل قيادات الجنوب اليمني في ذلك الحين إلى أشبه (بالمنبوذين) في كل المحافل العربية والإسلامية وحتى الدولية ، وبحسب مصادر خطابات وتصريحات القيادات الجنوبية آنذاك .
ثالثــاً : فرضت السعودية على الجمهورية العربية اليمنية آنذاك إتفاقيات مجحفة بدءً باتفاقيات الطائف والمزمنة بأربعين عام مروراً بإتفاقية (جرس السلام) المُذلة على اليمن والتي أشار اليها الزعيم / علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية اليمنية السابق في مقابلته التلفزيونية مع RT الروسية في 30إبريل 2016م ، والتي تم إلغائها من قِبَله وأشار بانه حينما أصبح رئيساً للشطر الشمالي من الوطن ألغى هذه الاتفاقية ، بقوله هذه الاتفاقية ( منتهية الصلاحية ) بقوله الشهير إنها "فينش" .
رابعاً : لم يَرُق للسعودية في ان تكون جارتها الجنوبية دولة يمنية موحدة قوية ، وخلقت لها العراقيل مُنذ ميلادها في 22 مايو 1990م ، و ترحيل ما يزيد عن مليون ونصف مواطن يمني من السعودية إلى اليمن بحجج واهية وبعودة هذا العدد الكبير من المواطنين بدون اي تعويض مُجزي ، كما دَعَمتْ بالمال والسلاح والمرتزقة حركة التمرد الإنفصالية التي قادها الحزب الإشتراكي اليمني وتم تجاوزها والإنتهاء منها في 7 يوليو 1994م .
خامساً : كررت السعودية حربها الإقتصادية مرات عِدّة على اليمن ، اما بسحب السيولة النقدية للعملة الوطنية اليمنية من الأسواق اليمنية ، و بإغراقها بالمنتجات السلعية الإستهلاكية ذات المنشأ والصُنع في السعودية للمزاحمة وإضعاف الصناعات الوطنية او بإغراء عدد من الشركات النفطية بالمغادرة من الأراضي اليمنية والتوقف عن التنقيب ، بهدف إبطاء الإستفادة من إستخراج الثروات النفطية . يتبين من الكشف المسرب منذ العام 2012م من المكتب الخاص التابع لمجلس الوزراء السعودي بأسماء الشيوخ والقادة السياسيين والعسكريين والقبائل اليمنية وحزب الإخوان المسلمين فرع اليمن ، وقيادات بالحزب الإشتراكي اليمني وآخرين بان المبالغ المصروفة شهرياً هو من أجل التخريب الداخلي ليس إلا ويكونا تحت الطلب في أية لحظة كما هو الحال اليوم ، من أجل زعزعة الوضع وعدم إستقراره من الناحيتين الإقتصادية والأمنية .
سادساً : برغم إتساع مساحة حدود المملكة العربية السعودية ، إلا إنها تظل محاصرةً جُغرافياً ، اذا انها تقع تحت رحمة خصومها وأعدائها المُتنمرين على ضفاف المضايق المائية الهامة كمضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس ، وبالتالي هي تشعر انها في حالة إختناق دائم، وبحثت لها مُنذ مُدة زمنية طويلة على منفذ على البحر العربي وخليج عدن ، وقد تقدمت بطلبات متكررة لقيادة الحزب الإشتراكي اليمني بين عامي 1988/1989م بطلب مد خط أنبوب النفط عبر محافظة شبوه وحضرموت بمساحة طولية موازية لأنبوب النفط تقدر بـ 8كم تمتد من الأراضي السعودية وتنتهي ببحر العرب وتكون السيادة عليها خاصة بالأمن السعودي او بأشتراك رمزي للأمن اليمني ، رُفض الطلب في حينه برغم حاجة اليمن الديمقراطية للتسهيلات المالية لظروف البلد الإقتصادية الصعبة آنذاك ، وجُدد الطلب السعودي بعد الوحدة اليمنية المباركة وفي مرحلة حُكم الرئيس/ علي عبدالله صالح لعدد من المرات مع تحسين الشروط ، ولكن الطلب رُفض مرة أُخرى بسبب خوف الجميع من سياسة الجارة التوسعيّة أيضاً ، وتم تجديد الطلب عبر وسطاء معروفين في العام 2012م في زمن الرئيس/ عبدربه منصور هادي ولكن لتسارع الأحداث لم تتم الاستجابة لهؤلاء الوسطاء ، واليوم مازال المشروع القديم الجديد يتجدد بمشروع ضخم هو شق ممر مائي وسيسمى اذا نجح مشروع الحرب (قناة سلمان) والذي يراد له ان يبدأ من سواحل الخليج العربي (الخليج الفارسي) ويمر عبر صحراء الربع الخالي ليصل إلى اليمن عبر حضرموت وشبوه ، ولو اتبع السعوديين الطريقة القانونية وفقاً وتبادل المنفعة بين الجيران الأشقاء لكان استطاعت أن تجنب العرب جميعاً من دفع هذه الفاتورة المُكلفة انسانياً ومادياً ، وهنا يظهر احد أهم أسباب حرب عاصفة الحزم على اليمن .
سابعاً : شَنت المملكة العربية السعودية حرب شاملة من البر والبحر والجو منذ 26 مارس 2015م وإلى لحظة كتابة هذه الأسطر ، راح ضحيتها أكـثر من سبعة آلاف مواطن مدني بحسب تقارير منظمة الأمم المُتحدة وعشرات الآلاف من الجرحى ، ودُمرت البنى التحتية الذي قدرها الخبراء المكلفين بالنزول لإحصاء ما دمره الحرب ما بين 35– 45% من كل مُقدرات اليمنيين ، ومعظم المنشآت المُدمّرة لها صلة بالجانب الإقتصادي والتنموي ، وكأن الجانب الإقتصادي هو سبب الحرب في الاساس .
لم نحبذ الاستطراد في إستعراض دورات الدم التي صنعتها الجارة السعودية لليمنيين ، واكتفينا بسرد الوقائع والأحداث لتبيان حجم الضيم الذي لحق باليمنيين من أشقائهم بسبب روح الهيمنة والإستعلاء والجشع من جار مُتخم بما رزقه الله من ثروات وجدها بباطن الأرض ، ليحارب بها جاره الفقير المسالم لأكثر من أربعة عشر شهراً متواصلة حتى الآن ، وشنت السعودية الحرب تحت شعاري عاصفة الحزم وإعادة الأمل لإعادة الحكومة (الشرعية) المتواجدة الآن في ضيافة الرياض ، ولكن المُتفكر في قراءة النقاط السبع سالفة الذكر ، سيجد أنها حربٍ مُخطَّط لها سلفاً ، وتبين مدلول رسوخ الطمع والأنانية المُستحكمة في نفسيات حكام آل سعود والتي قادت الدول العربية الخليجية بجيوشها الجرارة كي تضم النعجة الوحيد لليمن إلى نعاجه الـ 99 لمزيد من جمع الثروات والجاه والسلطان ليحل الأذى والوجع والمعاناة بالجار اليمني الشّقيق ، وهذا درس للتفكُر والاستيعاب .
ومع انهم شنوا علينا حرب ضروس استمرت لعام وشهرين إلى الآن ، قتلت من خلالها الانسان ودمرت خيراته وبناه التحتية وخلافه إلا اننا كيمنيين لا يمكن ان نفرح ونسعد لمجرد سماعنا لإصدار مجلس الشيوخ الأمريكي لقانون العدالة الملغوم ضد ( رعاة الإرهاب) الذي يسمح لأهالي ضحايا أحداث ضرب برجي التجارة ومبنى البنتاجون بتاريخ 11/09/2001م ، برفع دعاوي وملفات لمقاضاة أفراد وجماعات من الاسرة الحاكمة بالسعودية ، لأنه قانون موجه ضد السعودية تحديداً ، وستكون تبعاته القانونية كبيرة ومؤثرة ، لكننا وأكرر لم نفرح على قاعدة كلٍ يعمل بأصله وبقواعد أخلاقه والسلام .
﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾
المقال نُشر في :

أضف تعليق