المشروعان المتصادمان في المنطقة للسعودية وإيران مرة أخرى.. ولمن تكون الغلبة؟/ 18 ديسمبر 2018
ا.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
رئيس مجلس الوزراء
كتبت مقالاً في هذا السياق قبل أسبوعين تقريباً نُشر في صحيفة الرأي اليوم اللندنية الإلكترونية بعنوان (مشروعان إقليميان يتصادمان في المنطقة أحدهما سعودي والآخر إيراني، أين يكمن الفارق الجوهري؟ ولمن تكون الغلبة؟) وأُعيد نشره في صحيفة الثورة اليمنية الصادرة من صنعاء يوم الأربعاء، بتاريخ 5 ديسمبر 2018م، العدد19739، وتناقلته بعد ذلك العديد من الصحف المحلية والمواقع الإلكترونية وعددٍ كبير من مواقع ومنصات شبكات التواصل الاجتماعي. وبطبيعة الحال يعد ذلك المقال كأي مقال سياسي تحليلي يثبت فيه موقف محدد لصاحب المقال، وبالتالي تنقسم حوله الآراء والانتقادات والمواقف، وذلك أمر طبيعي الحدوث.
إن جدية أي مقال سياسي يجب أن تعتمد على قراءة سياسية مبنية على معلومات موثقة من مصادرها الصحيحة، ويجب أن يكون مستنداً على الموضوعية في التحليل بهدف الوصول إلى الاستنتاج المنطقي، وإلا فإنه يُصبِح كأي مقال أو موضوع موسمي عابر له مفعوله وتأثيره المؤقت، أو أنه يصطف مع تلك المقالات التي تتأطر في سياق (البروبجندا) الدعائية، أو مقالات التهييج أو حتى اعتماد مبدأ التسطيح والغوغائية حد الابتذال.
ولم أكن بالطبع أول من اجتهد في تحليل المشروعين السياسيين الإقليميين؛ بل سبقني العديد من الكتاب والباحثين الإعلاميين والسياسيين الثقاة الوازنين بالخوض في هذا المضمار وكان لهم السبق في التحليل والكتابة؛ كما أنني كنت قد أعددت مقالاً مطولاً بعنوان (ثلاثة مشاريع سياسية وليست طائفية تتنافس على قيادة الشرق الأوسط الكبير) ونشر في صحيفة 26 سبتمبر، بتاريخ يوم الخميس الموافق 18 أغسطس 2016م، العدد 1884. وبينت فيه أن منطقة الشرق الأوسط كلها تتنازعها ثلاثة مشاريع سياسية وليست دينية أو طائفية أو عرقية، وهي:
ـ أولاً: المشروع (الاستعماري) الاحتلالي الغربي منذ أن بدأت عملية تقاسم المستعمرات ومناطق النفوذ بين الدول الأوروبية الناهضة في القرن الخامس عشر، مروراً بإعلان اتفاقية سايكس بيكو عام 1916م و وعد بلفور البريطاني عام 1917م. كل تجليات هذا المشروع الاحتلالي كانت تقودها كلٍ من بريطانيا (العظمى) وفرنسا بالأمس، وتقوده اليوم الولايات المتحدة الأمريكية وتتبعها جميع الدول السائرة في فلكها بما فيها الكيان الإسرائيلي والمملكة العربية السعودية. وهذا المشروع السياسي لا يزال يصنع كل يوم نشاطاً جديداً وخططاً متجددةً لإنقاذ مشروعه من أية تحديات جدية تواجهه في أكثر من منطقة في العالم.
ـ ثانياً: المشروع القومي التحرري العربي وكانت تقوده الجمهورية العربية المتحدة بزعامة جمال عبدالناصر منذ ثورة يوليو 1952م وتحديداً منذ أن تولى قيادة السلطة الزعيم ناصر في العام 1954م، وتقف معه جميع الدول العربية والإسلامية التي تحررت من سلطة الاحتلال والاستعمار الأوروبي وهي كلٍ من الجمهورية العربية السورية بزعامة حافظ الأسد وجمهورية العراق بزعامة أحمد حسن البكر وصدام حسين وجمهورية الجزائر الديمقراطية الشعبية في زمن الزعيم أحمد بن بلا والزعيم هواري بومدين ومن بعدهما من رؤساء الجزائر والجماهيرية العربية الليبية الشعبية بقيادة العقيد معمر القذافي، واليمن الجنوبي بزعامة قحطان محمد الشعبي، والسودان والصومال بأشكال متفاوتة.
هذا المشروع تعطلت أجزاء منه وحُورب بشراسة وخسة من قبل أدوات المشروع الأول؛ ولكن الفكرة القومية وتجربتها في جزء منها لا تزال فاعلة ومؤثرة على الرأي العام العربي، وجميع مكونات فصائل المقاومة في المنطقة العربية، كحزب الله في لبنان، وحماس والجهاد الإسلاميتين، والجبهة الشعبية والديمقراطية الوطنيتين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وحركة أنصار الله وجميع القوى السياسية والاجتماعية المقاومة للعدوان السعودي الإماراتي في اليمن، وحركات المقاومة للغزو الأمريكي ومشروعه المدمر في العراق، وقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي في الجمهورية العربية السورية، جميعها كانت عبارة عن استجابة مباشرة لها ورد عملي على هيمنة وصلف المشروع الأول بجميع أركانه.
والأهم أن جذوة الفكرة وحتى التجربة المقاومة ما زالت حاضرةً في الوجدان الجمعي للأمة العربية والإسلامية، وهذا المشروع اليوم يتم دعمه بقوة من الجمهورية الإيرانية الإسلامية بكل السبل والإمكانات التسليحية والمادية واللوجستية، لأنه مشروع للمقاومة والممانعة ورفض التطبيع مع الكيان الإسرائيلي الصهيوني.
ـ ثالثاً: المشروع الإيراني الفارسي في زمن الشاهنشاه محمد رضا بهلوي الموالي كلياً للولايات المتحدة الأمريكية لكن بطابع فارسي (ذي سُحنةٍ عرقيةٍ آريه بحتة) أعلن عنه الشاهنشاه في احتفالية مُهيبة في ذكرى مرور أزيد من 3000 عام على نشوء وتطور الدولة والحضارة الفارسية منذ العهد الشاهنشاهي فحسب من الفترة (678—550 ق٠م).
وللتذكير فحسب كان ملوك وأمراء ومشائخ الخليج (العربي) يتسابقون لخطب ود وحب الشاهنشاه آنذاك، ويحجون إليه جماعات وفرادى ليقدموا له الولاء والطاعة، كما يحكي لنا التاريخ الموثق.
بعد قيام الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة/ آية الله الخُميني، فقد أعلنت بوضوح مشروعها السياسي المعادي والمناقض للحركة الصهيونية الإسرائيلية المدعوم من أميركا، كما أعلنت مبادئ ثورتها بالعداء الصريح لمصالح أمريكا وحلفائها بالمنطقة وبشكل مُعلن، وأعلنت قيامتها بإجراءات عملية ضد مشروع الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين.
كما أشرت في ذلك المقال أيضاً إلى أن القوتين العظميين المتبقيتين وهما جمهورية روسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية فإن مشروعيهما السياسيين في منطقة الشرق الأوسط يكتنفهما الغموض (والميكافيلية) وتكاد تغيب عنهما المعالم سوى من بعض المواقف ذات الطابع البراجماتي تارة في الملمح الاقتصادي التجاري، وتارة أخرى في اصطياد المواقف السياسية الطارئة ليس إلا.
إن من قرأ بتأن وتركيز مقالنا سالف الذكر والموسوم بوجود مشروعين سياسيين للسعودية وإيران سيجد أنه تحليل سياسي بحت، بعيداً عن التوصيفات المذهبية والعرقية والطائفية والمناطقية التي لن تقودنا في خلاصة التحليل إلى أي استنتاجات موضوعية، ولهذا تجنبنا كل هذه المفردات لكي لا نقع في تلك المحاذير التي وقع فيها أشد المتحمسين لرفع الشعارات الغوغائية التي أنتجتها مراكز الدراسات وصنع الأفكار والسياسات في البلدان الغربية وما أكثرها، أو هي من إنتاج بعض المثقفين والمفكرين الجاهزين لبيع وتسويق ما يؤمرون به من بلاط السلطان، لأنهم (مثقفون تحت الطلب فحسب).
لكنه لزام علي أن أوضح هنا الفكرة التي ضمنتها مقالي السابق في تبيان حجم الفارق بين المشروعين (السعودي/الإيراني) لجهة تأثيره على اليمن تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً، في النقاط الآتية:
ـ أولاً: لنأخذ على سبيل المثال تلك الشعارات بشأن (القومية العربية) التي تردد صداها كثيراً في أروقة جامعة الدول العربية، وأصدرت بشأنها العديد من القرارات التي تشير إلى حماية مشروع الأمن القومي العربي!، لنراجع معاً الملف التاريخي المثقل بالصراع العربي-العربي الذي نتج عنه تخلي جميع النظم العربية تقريباً إلا فيما ندر عن حلم المشروع الموحد (للأمن القومي العربي) وبالتالي فإن كل بلد وقطر عربي بحث له عن طريق خاص به ومعظمهم استسلم لفكرة التطبيع مع العدو الإسرائيلي وتقودهم في ذلك المملكة العربية السعودية وما يؤشر إلى ذلك العديد من الشواهد والمعطيات في اللقاءات غير الرسمية وغيرها من الزّيارات الخفية والصفقات العسكرية السرية والمعلنة، وأحاديث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن أهمية وضرورة دور المملكة العربية السعودية لبقاء كيان دولة العدو الصهيوني.
أما دور إيران فهو مُعلن للرأي العام الإقليمي والدولي بأن ثورتها الخمينية التي انطلقت في فبراير 1979م وبعدها تواصلت مع مسيرة المرشد العام للثورة آية الله الخامنئي فهي موجهه ضد الكيان الإسرائيلي وداعمة للمقاومة اللبنانية والفلسطينية، ويعترف اللبنانيون والفلسطينيون جهاراً نهاراً بأنهم يحصلون على السلاح والمال من جمهورية إيران الإسلامية، وكان آخر التصريحات على ذلك ما قاله الأخ إسماعيل هنيه رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في المهرجان الجماهيري المكرس لإحياء الذكرى الـ31 للانطلاقة، وقد شكر في خطابه الجمهورية الإسلامية الإيرانية وخصها بالشكر والثناء لما قدمته للمقاومة الفلسطينية من معونات ودعم وإسناد بكل لوازم نجاح مقاومتهم.
ـ ثانياً: أودّ هنا التذكير فحسب للمنتقدين للمقال سالف الذكر، من سياسيين وكتاب وربما أكاديميين وحتى الهواة، بدور المملكة العربية السعودية تجاه اليمن بشطريه الجنوبي والشمالي خلال العقود الماضية، فإنها قد شنت الحروب العدوانية الآتية:
(أ) شنت السعودية حرب على اليمن في عام 1934م واحتلت كلٍّ من مدينةِ الحديدة وحجة.
(ب) دعمت السعودية فلول النظام الملكي الإمامي في حربها ضد النظام الجمهوري بعد قيام ثورة 26سبتمبر عام 1962م واستمرت في عدوانها حتى عام 1970م.
ولولا مساعدة الجيش العربي المصري بقيادة جمال عبدالناصر لسقط النظام الجمهوري في سنواته الأولى.
(ج) شنت السعودية حرب ظالمة على النظام الوطني في جنوب اليمن عام 1969م في منطقتي الوديعة والشرورة وتم احتلال أجزاء من الأراضي اليمنية.
(د) دعمت السعودية العملاء والمرتزقة والسلاطين والمستوزرين في جنوب الوطن منذ العام 1967م وحتى منتصف السبعينات، دعمتهم بالسلاح والمال والخطط التآمرية، وللتذكير فحسب فأنه لولا دعم المنظومة الاشتراكية وفِي قيادتها جمهوريات الاتحاد السوفيتي آنذاك لسقط و انهار النظام الوطني في اليمن الجنوبي في سنواته الأولى.
(هـ) تآمرت السعودية ومجلس التعاون الخليجي باستثناء دولة قطر على دولة الوحدة اليمنية المباركة التي أُعلنت في 22 مايو 1990م، ومنذ عامها الأول ولمصادفتها غزو العراق للكويت تم ترحيل أزيد من مليون ونصف المليون مُغترب يمني من السعودية إلى اليمن بدون أية حقوق مادية أو معنوية، وبطريقة غير إنسانية ولا أخلاقية.
(و) دعمت المملكة السعودية ومجلس التعاون الخليجي باستثناء دولة قطر حركة التمرد العسكري والحزبي بهدف انفصال جنوب الوطن عن شماله والتي قادها فصيل من المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني جناح البيض، العطاس، الشرجبي وياسين سعيد نعمان وهيثم قاسم)، حيث تم دعم هؤلاء المتمردين بالمال والسلاح والإعلام والمرتزقة، وقد استمر التمرد قرابة الشهرين ذهب ضحيتها الآلاف من الشهداء والجرحى ، وتم وأد الفتنة في 7 يوليو 1994م وبمباركة دولية.
(ز) شنت السعودية حرباً خاطفة بسلاح الجو والصواريخ بعيدة المدى على محافظة صعدة فيما كان يعرف بالحروب الست، تم تدمير العديد من مساكن المواطنين اليمنيين ومزارعهم ومنشآتهم.
(ح) شنت المملكة السعودية وحلفها العدواني حرباً وحشية على الجمهورية اليمنية بدأت في 26 مارس 2015م ولا تزال مستمرة حتى اللحظة. هذه الحرب شُنت من قبل العديد من الدول العربية والإسلامية باستثناء سلطنة عُمان ثم حكومة قطر وانسحب عدد من دول الحلف العدواني بسبب الفظاعات غير الإنسانية والانتهاكات التي يندى لها جبين الإنسانية والمجاعة وغيرها التي تعرض لها الشعب اليمني جراء هذا العدوان.
هذا العدوان البربري شنه علينا (بعض العرب السنه!!!) ظلماً وعدواناً بحجة أنهم يدافعون عن عروبة اليمن لكي لا تكون مقاطعة إيرانية شيعية! العجيب في الأمر أنه لا يوجد أي إيراني في اليمن سوى عدد من طاقم السفارة الإيرانية في صنعاء غادروها في ديسمبر 2017م. بمثل هذه الحجج الرخيصة والكاذبة قتلوا ودمروا وجرحوا مئات الآلاف، وجوعوا بحصار ظالم ملايين اليمنيين!!!.
وبعد كل هذه الوقائع التاريخية الموثقة، والسرد المتسلسل للأحداث لا يزال هناك (بشر) ينبري للترحيب بسلمان وابنه MBS وبخليفة بن زايد الغائب وشقيقه محمد بن زايد الحاضر، هذه هي الكارثة الأخلاقية في التفكير البنيوي للعقل عبر ذهنية تربوية وثقافية حزبية ومناطقية معطوبة.
وللتذكير بعِبر ودروس التاريخ فإن هناك من ناصر باطل الكفر بعد أن جاء هَدْيِ النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بالدعوة الإسلامية المباركة، وهناك من ناصر العبودية بعد أن جاء من يحمل مشعل التنوير والحريّة، وهناك من وقف مع المستعمر الأوروبي ضد الثوار في عالمنا العربي والأفريقي في جميع الأقطار المستعمرة، وما أشبه الليلة بالبارحة ، فهناك من يناصر العدوان السعودي الإماراتي ضد إرادة شعبه اليمني الحر!.
لكن لا يزال لدينا بصيص من أمل في أن يحل السلام في اليمن السعيد بعد أن أنهكه أبناؤه أولاً ودول العدوان ثانياً، وخاصة بعد أن انتهت الجولة الأولى من المحادثات اليمنية-اليمنية مؤخراً في مملكة السويد (ديسمبر 2018م) وبرعاية دولية وقيادة الأمين العام للأمم المتحدة السيد/انطونيو غوتيرش وممثله الخاص للسلام إلى اليمن السيد/ مارتن غريفث وفريقه الذين عقدوا العزم على إحلال السلام الدائم في اليمن.
لا يزال لدينا بصيص من الأمل في أن يستيقظ الضمير الجمعي للعالم بشعوبه ومنظماته الحقوقية وحكوماته لإيقاف زحف جشع المطامع غير المشروعة من قبل دول العدوان في أراضي وحدود وثروات اليمن.
ولا يزال لدينا أيضاً بصيصٍ من الأمل في أن تستيقظ ضمائر القادة اليمنيين الذين اصطفوا وعملوا إلى جانب دول العدوان، لنقول معاً كفى سفك المزيد من الدماء والأرواح اليمنية من جميع الأطراف، و أن لا وجود لأي حل يأتي البتة من على ظهر الدبابات أو عبر فوهة البندقية، بل سيأتي الحل بإذن الله من على طاولات الحوار السياسي بين جميع الأطراف المتنازعة، لحل سياسي وطني يُقنع جميع الأطراف المُتحاربة؛ والله أعلم منا جميعاً.
وفوقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيم
المصدر : رأي اليوم
أضف تعليق