معادلة الدم بالنفط في العدوان السعودي على اليمن/ ا.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور/ 19 أيلول 2019
والذي بيته من زجاج لا يرجم بيوت الناس
في صبيحة يوم السبت الموافق 14 سبتمبر 2019م هزت الانفجارات المُرعبة عدد من المنشآت والمصافي التابعة لشركة أرامكو السعودية العملاقة الواقعة في المنطقة الشرقية لحدود المملكة العربية السعودية (مصافي بقيق وخريس)، وبمجرد اندلاع السنة اللهب وتصاعد أعمدة الدخان ووصوله إلى كَبد السماء من موقع الاشتعال، حينها لم تستطع السلطات الأمنية السعودية من حجب الخبر المُفزع وإخفاء المشهد كعادتها عند حدوث أمر كهذا طيلة زمن المواجهة المسلحة بين اليمن وسلطات المملكة السعودية مُنذ بدء العدوان على اليمن في صبيحة يوم الخميس في ال 26مارس 2015م.
وقبل أن يعلن الأخ العميد/ يحيى سريع الناطق الرسمي بإسم الجيش اليمني واللجان الشعبية الخبر رسمياً اعترفت السلطات الأمنية الرسمية في السعودية بحدوث الواقعة بشكل مخفف وتبسيط الأمر وبأن الأمور سيجري إصلاحها في غضون ساعات وبعد ساعات تبين أن تأثير الطائرات والصواريخ اليمنية قد شلّت جزء هام من نشاط تلك المنشآت النفطية وأنها تحتاج لأسابيع وأشهر حتى تستطيع أن تعاود نشاطها بشكل يعيدها إلى سابق عهدها.
بعد أن أعلن المتحدث الرسمي للقوات المسلحة اليمنية الخبر بشكل واضح لا لبْسَ فيه بأن هناك فوج مبارك من الطائرات اليمنية المسيرة قد انطلقت من مرابضها في اليمن وعددها عشرة طائرات وصلت إلى أهدافها المحددة بدقة عالية وإصابتها إصابة مباشره، و أن هذا الهدف الاقتصادي العسكري لازال ضمن بنك الأهداف التي قد يعاود الجيش اليمن في تكرار استهدافه مع أهدافٍ أُخرى، من هذه اللحظة بالذات هاج وماج العالم كله وبالذات الدول الصناعية الكبرى وحتى الصغيرة منها في الشرق والغرب، مُعظمها بعثت ببرقيات ورسائل التهديد والإدانة والوعيد ضد المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ الوطني في الجمهورية اليمنية — صنعاء، لتقول لهم إنكم ارتكبتم خطأً جسيماً لن نسامحكم عليه، و في ذات اللحظة بعثت برسائل التضامن الإنساني والأخوي شبه (المطلق) مع المملكة العربية السعودية وقادتها تجاه ما حدث.
كيف نفهم الصورة تجاه ما حدث وتداعياته على الاقتصاد داخل المملكة السعودية وأثرها على الاقتصاد العالمي برمته:
أولاً: تُعتبر شركة أرامكو هي دُرّة المؤسسات الاقتصادية والصناعية وربما تُعد العمود الفقري للاقتصاد السعودي برُمته وتؤمن لها 90% من تمويل موازنتها السنوية التنموية والاجتماعية، وهي أداتها الفاعلة الوحيدة في تمتين وتطوير علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع الدول الصناعية الكبرى.
ثانياً: المملكة السعودية واقتصادها الكلي وعلاقاتها المحلية والخارجية قائمة على توظيف فائض الثروة النفطية الهائلة، فإذا ما تأثر هذا القطاع النفطي الهام سلباً، سيثأر معها تأثيرها في علاقاتها فتصبح المسألة هي قضية وجودية مطلقه، لأنها قائمة مُنذ التأسيس على الحفاظ على تنامي تأثير الذهب الأسود.
ثالثاً: السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي هي قائمة بفعل وتأثير الحماية من قبل قوة المارينز الأمريكي، وحضور الأخيرة إلى السعودية يتطلب تمويل هذه الحماية، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يقولها دون حياء ليقول مراراً أن وجودنا يحميكم ولهذا عليكم الدفع مقابل الحماية، فكيف لو أن هذه الثروة تعرضت للاستهداف المستمر؟.
رابعاً: أعلن وزير الطاقة السعودية بعد يوم واحد من الهجوم بأن تأثير الانفجارات والحرائق كان كبير و إن إصلاحه يحتاج لأسابيع وأشهر، وقد توقف إنتاج وتصدير ما يقارب 5700000 برميل نفط يومياً (خمسة مليون وسبع مائة برميل)، أي توقف أزيد من 50% من الصادرات اليومية للسعودية من النفط، فكيف سيصبح الأمر؟ حينما يتكرر استمرار استهداف وقصف بنك الأهداف الذي تم الإعلان عنه من قبل الجيش اليمني واللجان الشعبية، وبطبيعة الحال لن يتوقف إلا بتوقف حرب العدوان والحصار على اليمن.
خامساً: ربطت الولايات المتحدة الأمريكية ومنذ مطلع السبعينات من القرن العشرين سعر الدولار بحجم الإنتاج من النفط العالمي وبالذات السعودي (البترو دولار )، ولذلك فإن امر الاستهداف المباشر لشركة أرامكو سيؤثر بشكل ما على اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية والاقتصاد العالمي برمته، خاصة و إنه يعيش بداية مرحلة ركود اقتصادي خطير جراء الحرب التجارية المُعلنة بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية.
سادساً: تعرف الولايات المتحدة الأمريكية جيداً وحليفاتها من الدول الغربية بأن قدرات الجيش اليمني واللجان الشعبية تتصاعد بشكل تدريجي خلال هذه الفترة وان كل ما يتم الإعلان عنه من تطوير وتحديث للأسلحة الهجومية للقوة الصاروخية والطائرات المسيرة هي واقع ملموس وأن العقل اليمني هائل التأثير والعطاء، والقرار السياسي المُتخذ بمواصلة سياسة الردع العسكري للضرورة القصوى و إن بنك الأهداف المحددة من قيادة الجيش اليمني سيستمر في تنفيذها وفقاً للزمان والمكان، إذاً هدف الغرب عموماً وضع السعودية في موقع كش ملك وإلا كان بإمكانهم إنقاذها وإنزالها بشكل آمن من على قمة الشجرة.
سابعاً: تابع الرأي العالم العالمي أحراره وعبيده (فكراً وسلوكاً) حجم النفاق الهائل وفائض الكذب والتدليس الذي قيل من قبل قادة الدول العربية والإسلامية والأجنبية التي تضامنت وتعاطفت مع المملكة العربية السعودية حينما ضُربت مصانع ومشاغل أرامكو النفطية، لكن بالمقابل قد استاء اليمانيون الأحرار لأنهم لم يلمسوا شيء من ذلك التضامن والتآزر معهم حينما تم قتل أبنائهم وذويهم في مدارسهم ومستشفياتهم ومصانعهم وفِي الطرقات العامة وفِي منازلهم الآمنة في أثناء نومهم و في مساجدهم في أثناء أداء فرائضهم و في صالات أفراحهم وحتى في قاعات عَزائهم وأحزانهم ولَم يسلم السجناء القابعين في سجونهم، جميعهم لم يسلموا من القصف والتدمير، اليمانيون يتساءلون بألم وحسره، أين هي المعايير الأخلاقية والدينية والإنسانية في فهم ما يحدث؟!، وبعد سقوط ورقة التوت التي أضاعت كل مفردات حقوق الإنسان والتغني عليه.
الخلاصة:
أليست من غرائب الدهر بأن لا تتم حتى مساواة المعادلة المُرعبة والخطيرة، بأن قطرات الدم لا تساوي شيء أمام قطرات البترول التي تعني للعالم (المتحضر) الشيء الكثير، ولذلك فقد قرر الشعب اليمني بقيادته العسكرية والسياسية والروحية بعزم لا يلين بأن يواصلوا مشوار إرسال الصواريخ والطائرات المسيرة إلى حقول النفط وشركة أرامكوا تحديداً حتى يستجيب حكام أل سعود إلى صوت العقل والحكمة ويعملوا على إيقاف عدوانهم الوحشي على اليمن ويرفعوا الحصار عن شعبه الكريم، هذه هي المعادلة المنطقية التي يجب على العالم أن يفهمها ويقرأها جيداً، والله أعلم منا جميعاً.
﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾
www.almayadeen.net/articles/opinion/1343027/معادلة-الدم-بالنفط-في-العدوان-السعودي-على-اليمن
أضف تعليق