متى سيعيد الأشقاء السودانيون أبناءهم أحياء من اليمن الحر؟/ ا.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور - مؤسسة دار إبن حبتور للعلوم و الثقافة و التوثيق الخيرية

متى سيعيد الأشقاء السودانيون أبناءهم أحياء من اليمن الحر؟/ ا.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور

ما يهم الشعب اليمني الآن، وبعدما حققت ثورة الشعب السوداني السلمية المراحل المهمة من ذلك التغيير والتحول، ومطلبه هو شيء واحد: متى ستقرر القيادة الجديدة سحب أبناء الشعب السوداني من جبهات القتال ضد الشعب اليمني قاطبة؟










نستطيع القول وبثقة نسبية عالية إن الشعب السوداني الشقيق قد تخطى العتبة الأولى في نضاله الشاق و(ثورته) السلمية المباركة التي انطلقت في شوارع الخرطوم في 19 كانون الأول/ ديسمبر 2018م مقدّماً في سبيل إنجازها ثمناً باهضاً وغالياً بهدف تحقيق شعارات المتظاهرين المنتفضين لبناء الدولة المدنية (حرية- عدالة- سلام).

لقد كانت بحق ثورة شعبية سلمية بامتياز، دفع الشعب السوداني الشقيق بكل قواه السياسية الحية مهراً عالي الكلفة في سبيل إنجاحها، من أرواح الشعب الزكية ودمائه.

استطاع السودانيون أن يزيحوا كابوس حكم الديكتاتور الجنرال عمر البشير الذي جثم لثلاثة عقود على صدر السودان أرضاً ومُقّدرات وقيماً وإنساناً. وتمكنوا من أن يتجاوزوا تدريجياً وبحكمة جراحات الماضي وآلامه بما فيه خسارة قوافل من الشهداء والجرحى والمعذبين والمفقودين والمشردين والهاربين من نظام الديكتاتور وشُلة العسكر (الشريكة نسبياً) في حركة التغيير التي أزاحت نظام البشير من سُدّة السلطة.

لقد كان لإصرار وثبات القادة الحزبيين والنقابيين والشباب والنساء دور محوري في إجبار شلة العسكر على قبول حل وسط في إطار الشراكة لقيادة البلاد نحو مرحلة انتقالية من ثلاث سنوات.

تمخض الحوار الصعب، بمشاركة ووساطة فاعلة من الاتحاد الأفريقي وجمهورية إثيوبيا بقيادة السيد آبيي أحمد رئيس مجلس الوزراء، عن التوصل إلى قيام مجلس السيادة الانتقالي والاتفاق على الحكومة الانتقالية ورئيسها عبد الله حمدوك.

هذه النتائج الإيجابية حلّت مُعضلة الشراكة في القرار والسلطة بين قادة "تجمع المهنيين السودانيين" وتحالف "قوى الحرية والتغيير" من جهة، وبقايا نظام الديكتاتور عمر البشير، التي مثّلها "المجلس العسكري الانتقالي"، الذي حاول أن يرث وحده الدولة بمؤسساتها من النظام السابق. والحمد لله أن الخطوة الأولى قد أنجزت بصعوبة، ولولا التدخل الأفريقي والإثيوبي تحديداً لفشلت وانهارت كل المساعي لرأب الصدع الكبير بين الأطراف السودانيين، أما غياب (القادة العرب)، فكان نتيجة منطقية لفشل مشروع جامعتهم العربية المُهترئة والمنتهية الصلاحية مُنذ أمد بعيد.

وللتذكير فإن نظام الديكتاتور البشير ومعه شلة العسكر كانوا قد وصلوا إلى السلطة في العام 1989م بتخطيط مُحْكَم من حزب الإخوان المسلمين، وبعد انقلاب دموي مريع انتهى بإزاحة النظام الشرعي بقيادة الصادق المهدي، رئيس الوزراء المُنتخب حينذاك.

دعونا نستعرض في النقاط الآتية بإيجاز أبرز إنجازات نظام البشير البائد:

أولاً: مُنذ أن استولى على السلطة زج الكثير من قادة العمل السياسي الوطني في غياهب السجون، وشرد البقية الباقية منهم إلى خارج الوطن، وصفّى المئات من القادة السياسيين والحزبيين والإداريين في السودان على مدار فترة تسلطه.

ثانياً: فَجَّر عدداً من النزاعات والصراعات المسلحة بناء على أسس وقواعد مناطقية ودينية وعرقية في كل أرجاء السودان من شرق البلاد إلى غربها، وتحديداً في دارفور وجنوب السودان، ومارَسَ عملية تطهير عرقي وديني واسعة، ما دفع بالمنظمات الحقوقية الدولية إلى استصدار قرارات، جرى بموجبها اتهامه مع عدد من أجنحته بهدف جرّه مُكْرهاً إلى أروقة محاكم الجنايات الدولية وقاعاتها.

ثالثاً: اتَّبَع سياسات اقتصادية انعزالية غير رشيدة وغير ذات جدوى اقتصادية وفقاً للمعايير العلمية، ما أوصل السودان إلى حافة الانهيار الاقتصادي الشامل.

رابعاً: في عهده حدثت كارثة انفصال جنوب السودان عن الوطن الأم عام 2011م، وخلق بذلك أزمة في شطري السودان.

خامساً: عمل نظام البشير على تسييس الدين الإسلامي الحنيف من خلال فرض سياسات حزب الإخوان المسلمين وحليفتهم من جماعات السلفية الوهابية المتشددة، الأمر الذي حوّل السودان الشقيق إلى ساحة مواجهة بين جميع التيارات السياسية، وخلق توتراً دائماً لا يزال السودان يدفع ثمنه حتى الآن.

سادساً: للتذكير فحسب بأن نظام البشير السيّئ الصيت والسمعة قد خلق أجواء ملائمة وبيئة مشجعة على تطوير نشاط التنظيمات الإرهابية الكثيرة، واحتضن لفترة طويلة خلايا مقاتلي تنظيم القاعدة الإرهابي.

سابعاً: أرسل نظام البشير الديكتاتوري ألوية وقطعات حربية من الجيش السوداني للقتال كمرتزقة مأجورين ومستأجرين إلى جانب المملكة العربية السعودية ومشيخة الإمارات العربية المتحدة، قاتلوا منذ بدء العدوان على اليمن في صبيحة الـ 26 آذار/ مارس 2015م، وقد سقط منهم المئات من القتلى والجرحى والمعوقين، فضلاً عن الأسرى الذين وقعوا بيد الجيش اليمني واللجان الشعبية، ولعمري إنها إهانة كبيره للشعب السوداني بأن يُقتل أبناؤهم الأبرياء مقابل لا شيء سوى حفنة رخيصة من الدولارات!

تلك الأعمال المُخزية والشائنة السالفة الذكر هي كل إنجازات نظام البشير وعصابته العسكرية الإخوانية المُتأسلِمة، لكن ما يهم الشعب اليمني الآن، وبعدما حققت ثورة الشعب السوداني السلمية المراحل المهمة من ذلك التغيير والتحول، ومطلبه هو شيء واحد: متى ستقرر القيادة الجديدة سحب أبناء الشعب السوداني من جبهات القتال ضد الشعب اليمني قاطبة؟

وهل تدرك القيادة الجديدة حجم الإهانة الوطنية حينما تحوّل جنودها إلى مرتزقة مأجورين؟

مرتزقة أرسلهم الديكتاتور البشير ليقاتلوا نيابة عن الجنود السعوديين والإماراتيين ويموتوا في النهاية بلا ثمن ولا قيمة. دماء وأشلاء هؤلاء الجنود البسطاء تناثرت في صحارى اليمن الحُرة وسهولها لقاء حفنة تافهة ورخيصة من المال السعودي الإماراتي.

وللتذكير هنا فحسب بأن الشعبين الشقيقين اليمني والسوداني لم يحدث بينهما أَي عِداء ولا قتال قط على مدار التاريخ الإنساني المكتوب، حتى في صفوف القادة.

إن ما يحدث اليوم من عدوان يشارك فيه جنود سودانيون هو بدعة كريهة وقذرة سَنَّها نظام البشير الديكتاتوري الساقط بثورة الشعب السوداني الحُر. وما يحُز في نفس المواطن اليمني هو أن يتحول الجندي السوداني الشقيق مثله مثل أي مُرتزق رخيص جُلب من شتات العالم ليموت بلا ثمن ولا قضية ولا أخلاق، هذا ما لا يفهمه ولا يرضاه الشعب اليمني من أقصاه إلى أقصاه.

جلسات المحاكمة العلنية الجارية اليوم في محاكم الخرطوم، التي يمثُل فيها عمر البشير مُتهمَاً أظهرت مدى سُخرية القدر وهشاشة العلاقة غير السوية بين قيادة دول العدوان على الشعب اليمني، ونظام البشير، واعترافه بأنه حصل على ملايين الدولارات عداً ونقداً (كاش) من حكام آل سعود بالسعودية، وآل نهيان بالإمارات، من دون أن يورّدها حتى إلى الحساب العام للدولة!

كيف يستقيم هذا الأمر يا "زول"؟! تأتي مبالغ نقدية كبيرة مخصصة كهدايا وهبات مقابل أرواح ودماء وأشلاء الجنود السودانيين في اليمن، إنها مفارقة عجيبة ومُستنكرة يا أشقاءنا الكرام.

الخلاصة:

الشعب اليمني العظيم ينتظر من القادة السودانيين الجدد قراراً شجاعاً بإعادة أبناء الشعب السوداني البسطاء أحياء سالمين إلى أهلهم وذويهم وأحبابهم في كلٍ من دارفور والخرطوم وكل مدن السودان وولاياته.

النظام الذي باع هؤلاء على نحو رخيص سقط وانهار بفعل ثورة الشعب، ولكن بقيت في اليمن تبعات جرائمه السابقة، التي سيحاسب عليها إلى جانب الكثير من الجرائم بحق السودان وأهله الكرام.

العدوان على اليمن في مراحله الأخيرة، والحرب باتت بحكم المنتهية فصولها، لأن جميع أهداف العدوان فشلت فشلاً ذريعاً أمام الصمود الملحمي للشعب اليمني وقوته الضاربة، وهي الجيش اليمني واللجان الشعبية بقيادة قائد الثورة السيد الحبيب عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله ورعاه، والله أعلم منا جميعاً.


 


ليست هناك تعليقات