اليمن والسعودية ثنائية التناقض بين الثابت والمتغير/ ا.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور - مؤسسة دار إبن حبتور للعلوم و الثقافة و التوثيق الخيرية

اليمن والسعودية ثنائية التناقض بين الثابت والمتغير/ ا.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور

 

ا.د.عبدالعزيز بن حبتور
رئيس مجلس الوزراء

 

نُسطِّرُ هذا المقال بعنوان (اليمن والسعودية: ثُنائـية التناقض بين الثابت والمُتغيِّر) في ذروة عدوان المملكة السعودية على اليمن، حيثُ جمعت تحالُفاً عدوانياً مكوَّناً من 17 دولة ومشيخة وإمارة في حلْفٍ مُعادٍ للشعب اليمني هو الأول من نوعه، يشُنُّ عُدوانَه على دولةِ جارة فقيرةِ مسالمةِ تقع في الحدِّ الجنوبي للمملكة. وقد شنَّت ذلك العُدوان في صبيحة 26 مارس 2015م؛ ولا يزال العُدوان الوحشي مستمراً حتى كتابة هذه الأسطر.

 

هذا العُدوان من قِبَلْ المملكة السعودية ليس الأَوَّل على جارتها الشقيقة؛ فهي قد شنَّت عدداً من الحروب والاعتداءات على اليمن وناصبت العِداءَ لجميع النُظُمِ السياسية التي حكمت اليمن، شماله وجنوبه، وهاجسها من كل تلك الاعتداءات هو غريزة الخوف مما تظنُّه قادماً إليها من جهة اليمن؛ وذلك للأسباب الآتية:

 

1. إيمانها بأنَّ قوة ووحدة اليمن واستقرارها السياسي والتنموي ستُشكِّلُ تحدياً كبيراً لوجود الدولة السعودية.

2. الموقع الجيوستراتيجي الهام لليمن، كونه مُطِلَّاً على مضيق باب المندب وخليج عدن والمحيط الهندي الواسع.

3. طالما شكلَّ اليمن بسكانه الـ 30 مليون نسمه ومعظمهم في عمر الشباب هاجس الخوف المستمر لدى السعودية ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية.

4. تزايد عدد السكان في اليمن (قرابة ثلاثين مليون نسـمة، جُلُّهم من الشباب) كان ولا يزال مصدر قلقٍ دائمٍ من التأثير الديموغرافي على السعودية.

5. اليمن كان مهداً لحضارات إنسانية عدة، هي: سبأ وحِمْيَر وأوسان وقَتَبَان وحضرمَوت ومعَيِنْ، ولهذا شكَّل الإرث الحضاري عُقدةً مُزمِنةً لمجموع قيادات الدول الناشئة الطارئة في الجزيرة العربية برُمَّتِها.

6. مكان وجود ثروات معدنية ونفطية وغازية لا تزال في باطن الأرض اليمنية وبالذات في المثلث الأسود (شبوه، مأرب والجوف).

7. وخوفاً من كل تلك العوامل سالفة الذكر مجتمعة، يُروِّج المحيطون بأصحاب القرار في المملكة السّعودية أنَّ اليمن سيكون مصدر الخطر الدائم على وجود السعودية، ولذلك يتم التحفيز الغريزي لهرمونات الفوبيا لدى السعوديين بشأن بقائهم من عدمه في الجزيرة العربية.

 

أتذكُرُ أننَّي أثناء رحلتي العملية المهنية الممتدة لسبع سنواتٍ حافلة بالإنجازات التربوية الجيدة في مكتب التربية العربية لدول الخليج واليمن، جمعتُ العديد من الذكريات الحميمة والصور الجميلة مع قادة دول الجوار العربي من السياسيين والمفكرين والتربويين والأكاديميين ومن رجال المال والأعمال. نعم كانت رحلةً مذهلةً هناك، حينما كُنُت عضواً بالمجلس التنفيذي لمكتب التربية العربي ومقرَّهُ الرياض -عاصمة السعودية. ولذلك فقد كانت الصدمة بالنسبة لي عنيفة وغير مُتوقعة، حينما صحوتُ من نومي في صبيحة السادس والعشرين من مارس عام 2015م على أصواتٍ مُرعبة، هي أصوات صواريخ طائرات الفانتوم، و الـ F15 ،F16 ، والتورنادو وأنواع أخرى لا أعرف مسمياتها، من أدوات القتل والدمار لأهلنا في صنعاء وعدن والحديدة وبقية المدن اليمنية، وربما لقصور في الاستيعاب السياسي أو لحسن الظن والنوايا، فأنني لم أكن أتوقع يوماً أن تقوم الجارة الكبرى بحرب علينا تشن بها مثل هذا العُدوان الوحشي والمستمر لكل هذه المدة، وبمختلف أنواع الأسلحة من الجو والبر والبحر، وأن تزيد عليها فرضُ حصارٍ غير أخلاقي دون أي مُسَوِّغ قانوني ولا أية حجةٍ صحيحة.

 

هذا هو هاجس الكتابة ودافعها عندي بهذا الشأن؛ يبدأ تحت وقع وتأثير الدمار والحصار والدماء وفيض أرواح الشهداء الصاعدة إلى بارئها، ويمتد إلى جوانب ذلك وملابساته المختلفة. ولعلها قِلَّة حِيلة الكهل الستيني الذي تعذَّر عليه حمل البندقية والذهاب إلى جبهات القتال، فاستعاض عنها بالقلم أو ملامسة لوحة المفاتيح للإيباد واللاب توب الـ (Keyboard) ليُسجل بحروفٍ تعبيرية عن لحظات الصمود الأسطوري للمقاتل اليمني الشجاع وهي كتابةكزمنها- مشحونة بعواطف (الثائر الشيخ) المقاوم الذي رفض الضيم الواقع على وطنه العزيز الذي مَثَّلَ ويُمثِّلُ له أغلى وأثمن ما يملك في الوجود.

 

سيسجلُ التاريخُ طابوراً طويلاً من الأسماء للشخصيات التي وقفت كالجبال الرواسي لمقاومة العُدوان، ولم تهتز للحظة أو تهادن أو تنهار أمام الخوف أو الإغراءات التي قُدِّمَتْ لها، ولاتِّساعِ خارطة الأسماء الكبيرة في المقاومة، سأكتفي بالإشارة العامة هنا دون الدخول في تسجيل الأسماء.

 

لأنها أسماء معروفه في المجلس السياسي الأعلى ومجلس الوزراء ومجلس النواب ومجلس الشورى وفي اجهزة الدولة بمراتبها المتعددة.

 

لكُلِّ هؤلاء الأبطال الشجعان، ولكُلِّ فردٍ من أبناء شعبنا الذين خلقوا البيئة الاجتماعية الحاضنة لمقاومة دول العُدوان ومرتزقتهم، لهم جميعاً نحني هاماتنا إجلالاً وإكراماً وتعظيماً لشجاعتهم وبطولاتهم، وللشهداء الخُلود، وللجرحى الشفاء العاجِلْ، والنصر المؤزر لليمن وشعبه العظيم، واللّه أَعْلمُ مِنَّا جَمِيعاً.

 

 

﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ

 

 

ليست هناك تعليقات