اغتيال اقتصاد العالم الثالث! - مؤسسة دار إبن حبتور للعلوم و الثقافة و التوثيق الخيرية

اغتيال اقتصاد العالم الثالث!

 

اغتيال اقتصاد العالم الثالث!

مقال بقلم: عبدالهادي الخلاقي (جريدة اخبار الخليج)



كتب العالم الاقتصادي الأمريكي جون بيركنز مقالا بعنوان (الاغتيال الاقتصادي للأمم)، ذكر من خلاله كيف تقوم أمريكا وحلفاؤها باغتيال الدول اقتصاديا. بيركنز هو كاتب وناشط سياسي وعالم اقتصاد دولي عمل خلال أكثر من خمسة وعشرين عامًا خبيرا ضمن مجموعة عمل داخل شركة (Main)، وهي إحدى الشركات الاستشارية التي تمثل وسيطًا بين رؤساء وحكومات دول العالم الثالث من ناحية وبين مديري شركات اقتصادية أمريكية عملاقة وسياسيين وصناع قرار، الساعين لبناء إمبراطورية أمريكية عالمية أُطلق عليها مصطلح الكربوقراطية «Corpocratoracy»، هي منظومة تتكون من الشركات والبنوك الرأسمالية والحكومات، تستخدم كل قوتها السياسية، المالية، الإعلامية، العسكرية من أجل إحكام سيطرتها على دول العالم المختلفة واستنزاف كافة مواردها والسعي لإسقاطها في فخ الديون، من أجل تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية هائلة، مستخدمة في ذلك كافة السبل المشروعة وغير المشروعة، ومن أمثلة أذرع الكوربوقراطية: البنك الدولي، هيئة المعونة الأمريكية، صندوق النقد الدولي، منظمة التجارة العالمية، مجموعة الدول الثماني الكبرى، المؤسسات الاقتصادية وغيرها من الشركاء في هذا التنظيم. 


في عام 2004 نشر بيركنز كتابًا صار في فترة قليلة أحد أكثر الكتب مبيعا في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم، الكتاب اسمه اعترافات قرصان اقتصادي (Confessions of an Economic Hit Man) في هذا الكتاب يحكي بيركنز أعجب مذكرات فهي في الواقع مذكرات دول نُهبت وشعوب أُبيدت وحكومات صارت مُستعبدة، لن اسهب في الاقتباس من هذا المقال الذي يشرح كيف يُمارس الغرب الضغط على حكومات العالم الثالث لإجبارها على الاقتراض من المقرضين الدوليين، وإغراق هذه الدول بديون بمليارات الدولارات، هذه القروض تأتي بإيعاز وتوصيات من البنك الدولي لتنمية المشاريع الإنشائية المختلفة، والمشكلة ليست في إقامة هذه المشاريع ولكن التوصيات والضغوطات التي تمارس تجاه الدول المُقترِضة من أجل إسناد إنشاء هذه المشاريع إلى شركات تتبع التنظيم (الكوربوقراطي) بهدف استعادة هذه الأموال المقروضة وتبقى الدولة المُقترضة تدفع أرباح هذه القروض لسنوات طويلة، يقول الكاتب ليس هناك دولة من دول العالم الثالث لا تقبل بالاقتراض والقاعدة أن التي تحاول التعنت تُمارس عليها ضغوطات تصل إلى تصفية رؤسائها، وأشار المؤلف إلى أن هذه القروض الهدف منها ليس تنمية بلدان العالم الثالث وإنما هي ذريعة لممارسة سياسات البنك الدولي وباقي دول مجموعة الكوربوقراطية على هذه الدول وإخضاعها ومصادرة قرارها السيادي، وبطبيعة الحال هناك طرق أخرى تؤدي إلى إخضاع الدول وإغراقها في الديون ومنها وأهمها تأجيج الصراع الأهلي كما يحدث في سوريا وليبيا واليمن وإشعال نار الفتنة والطائفية كما يحدث في العراق ولبنان وهذه الصراعات تؤدي إلى بيع المزيد من أسلحة القتل والدمار لهذه الشعوب بقروض طائلة.


كذلك الحرب البيولوجية وما تجنيه شركات تصنيع الأدوية المهيمنة على السوق العالمي، هي كذلك أداة تستخدم لإرغام الدول على اللجوء إلى الاقتراض الدولي، في مقطع مصور تحدث من خلاله الصحفي الأردني صالح الراشد يقول فيه إن: (فيروس كورونا صناعة العالم السفلي) قد نتفق مع هذا الرأي أو نختلف معه لكننا بلا شك نؤمن جميعًا بأن جائحة كورونا تم استثمارها بشكل دقيق لصالح الصين ودول أخرى كأمريكا وروسيا وأوروبا ليس من خلال تصنيع لقاح لعلاج وشراء المستلزمات الطبية للكشف عن هذا الفيروس فقط وإنما إنهاك كثير من اقتصاديات الدول النامية ودول العالم الثالث وتضخم أعبائها الاقتصادية أدى إلى تقدم كثير منها بطلب قروض إضافية لتدارك تبعات وآثار هذه الجائحة في محاولة لإنعاش الاقتصاد وعدم انهيار الدولة، كثير من الدول قبل الجائحة كانت بالكاد تؤمن دخلا قوميا يفي بمتطلباتها، ومع توقف الإنتاج وتوقف التصدير لكثير من السلع حول العالم حصل انكماش كبير في الأسواق صاحبه انكماش اقتصادي كبير مما ترتب عليه عجز في تسديد الدفعات المستحقة على هذه الدول وبالتالي تضاعف الفوائد المترتبة على هذه القروض للمقرضين الدوليين مما يُصعب على الدول المقترضة تسديد الفوائد البنكية ناهيك عن تسديد الدين نفسه، وكما يقول الفنان عادل إمام (الساعة بـ5 جنيه والحسابة بتحسب)، هذه الاستراتيجية هو مخطط مشترك بين دول العالم المتقدم وخاصة مجموعة (الكوربوقراطية) أضف إليها الصين وروسيا الشركاء الدوليون في المؤامرة، من أجل استنزاف قدرات دول العالم الثالث والدول النامية وإخضاعها وهو نوع من الاستعباد أو (الاستعمار) بحلة جديدة دون إراقة قطرة دم واحدة، جميع هذه الدول متفقة على هذه الاستراتيجية ولكن اللغط السياسي وتبادل الاتهامات فيما بينها إنما هو لذر الرماد بالعين ولإيهام العالم الثالث أن هذا الوباء (كوفيد-19) ليس من السهل إيجاد علاج لهُ، وما هذه الجائحة إلا أحد التكتيكات للوصول إلى الغاية الرئيسية في اغتيال اقتصادات الأمم المستضعفة.


منطقة الخليج العربي بفضل الله وكرمه لديها غطاء مالي مكنها من الصمود في ظل هذه المؤامرة الدولية وأثبتت أنها قادرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه شعوبها دون الانكسار، وقادرة على الدفع بعجلة النمو رغم هذا الانكماش الذي يعاني منه الاقتصاد العالمي.


في الوقت نفسه علينا أن نعي هذا الأمر جيدًا وأن نسعى جاهدين إلى مساعدة الدولة على مواجهة تحديات هذه المرحلة في ظل هذه الجائحة، ونؤمن بأن قيادتنا حريصة كل الحرص على ما هو خير وصالح لوطننا وشعبنا، يدًا بيد مع أشقائنا في دول مجلس التعاون الخليجي في ظل هذه الأزمة الكبيرة ونحن بفضل الله وكرمه مررنا بأزمات كثيرة وخرجنا منها أقوياء بفضل حكمة وحنكة وبصيرة قيادتنا الحكيمة.

ليست هناك تعليقات