جرائم الحَرْب السعودية المستمرة على اليمن| ا.د. عبدالعزيز بن حبتور | 2017
ما هي جرائم الحرب التي يُمكنُ الكتابة عنها؟ أو سردها؟ أو استعراضها من تقارير المنظمات الدولية؟ أو التي يتم تناولها في الصحف والمجلات العالمية الأجنبية؟.
نشرت مجلة الواشنطن بوست ذائعة الصيت مؤخراً مقالاً بعنوان (حرب اليمن فشلت وبن سلمان مشكوك في قدراته) وتُرجم المقال ونُشر في وكالة خبر للأنباء اليمنية، بتاريخ 26 يونيو 2017م. وقد وردت فيه المعلومات والأرقام الآتية:
17 مليون مواطن يمني يواجهون خطر المجاعة.
200 ألف مواطنٍ أصيبوا منذ الموجة الثانية بوباء الكوليرا.
3000 مواطن ماتوا بسبب جائحة الكوليرا منذ مطلع ابريل 2017م.
في كل عشر دقائق يموت طفل واحد بسبب سوء التغذية والحصار.
هذه المعلومات صحيحة 100%، ورُبمَا عكست صورة أقل من الواقع. وهي معلومات وبيانات صادمة لأي متابع في الشأن الإنساني. وقد نُشِرَت أرقام أخرى حول أعداد الضحايا من الشهداء المدنيين والجرحى من الأطفال والنساء والشيوخ، ونُشرت أرقام أكثر خطورةً عن حجم الدمار في كل شيء مفيد باليمن، والذي نتج عن العُدوان المستمر لأكثر من عامين ونصف تقريباً.
كل هذه المعطيات من بيانات جرائم الحرب الوحشية جاءت نتيجة طبيعية بسبب تغطية دول الغرب الرأسمالي بقيادة حكومات الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا (العُظمى)، لأنها سمحت للمملكة السعودية بشن العُدوان وزودتها بالأسلحة التقليدية والمُحرمة دولياً وغطَّتها سياسياً ودبلوماسياً في المحافل الدولية، ولازالت تغطي جرائمها، بل وتحميها حتى اللحظة، وتقدم لها المساعدات اللوجستية والتقنية، أمام مرأى ومسمع العالم (الحُر والمُتحضر) كله وبقية ساكني الكرة الأرضيّة.
نعم لا زالت الحكومات الأمريكية المتعاقبة تُغطِّي جرائم السعودية وحاميها من العقاب الأخلاقي الدولي حتى هذه اللحظة. وتتساوى السعودية والكيان الاسرائيلي، في الرعاية والتدليل الأمريكيَّين، مُنذ أن شنت العُدوان في مارس 2015م.
ونتذكر أن مجلس الأمن الدولي أصدر القرار التعسُّفي ضد اليمن برقم 2216 الذي صدر بعد بدء العُدوان بعشرة أيام وبإصرار على إصدار القرار من قبل أمريكا وبريطانيا وفرنسا (هؤلاء هم قادة العالم الحر والحضاري في العالم)، وامتناع روسيا والصين عن الموافقة على القرار الظالم. ولهذا فإن كل جريمة تحدث في اليمن اليوم هي بمباركة ومشاركة مباشرة من تلك الدول (المتحضرة) التي أصدرت القرار الأممي سيِّئ الصِّيت والسمعة.
أتذكر حينما استقبلت الأخ/ إسماعيل ولد الشيخ أحمد، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون اليمن والوفد المرافق له في القصر الجمهوري بصنعاء، وكان معي عدد من الزملاء وهم نواب رئيس الوزراء والوزراء، أنني كررت عليه الطرح بأن أية محاولة لتكرار القول بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2216، ما هي إلا مساهمة في إطالة أمد حرب العُدوان في اليمن وقتل المزيد من الأبرياء، ومحاولة بائسة لتبرئة العدو الرئيسي لليمنيين وهو المملكة السعودية ومشيخة الإمارات المتحدة.
الجميع يدرك بأن ولد الشيخ لا يمتلك أية صلاحية في هذا الشأن، وما هو إلاّ موظف أُممي متوسط الدرجة يأتمر بأمر المتنفذين في واشنطن ولندن وباريس والرياض. ولهذا لم نعوِّل قط على سفرياته وجولاته، وقابلناه من باب إكرام الضيف الذي حضر إلى العاصمة صنعاء.
الأرض اليمنية وسماؤها اليوم هي ساحة حرب عدوانية مفتوحة تعبث فيها المملكة السعودية، وحليفتها مشيخة الإمارات المُتحدة، كيفما شاءت؛ إذ تُرسل إليها طائراتها المُعادية في كل يوم على مدار الأسبوع والشهر والعام. تخيَّلوا، لم تَسلَمْ منها أرضنا وأجواؤنا حتى في (الأشهر الحرم) وفي شهر رمضان المبارك ولا في أيام الأعياد. وتصوروا في المقابل أنَّ العرب القٌدامى في العصر الجاهلي قد حرَّمَت القتال فيما بينها في هذه الأشهر تجنُباً للمزيد من إراقة الدماء التي تُسفك أصلاً على مدار العام، وجاء الدين الإسلامي ليؤكد هذه الخاصية الإيجابية وهي حُرمة القتال في الأشهر الحُرم، وشدَّد على الكف فيها عن القتال إلاَّ للدفاع عن النفس.
هكذا هم العرب قبل الإسلام، وهكذا هو الإسلام الحنيف. لكن ملوك وأمراء بني سعود وشيوخ بني نهيان ومن لف لفهم تجاوزوا بإفراطٍ مذمومٍ تراثنا العربي وتعاليم إسلامنا الحنيف، وكلتلك القيم الإنسانية الجامعة، ليسفكوا المزيد من دماء اليمانيين الطاهرة طيلة السنوات الماضية. فنقول لهم هنا حسبنا الله ونعم الوكيل. والغريب في الأمر أنهم مصدقون أنفسهم بأنهم حماة الدين الإسلامي وخُدام الحرمين الشريفين! فمن عساه أن يصدق ذلك الإدعاء الأجوف سوى العوام والدهماء والمُهمشين ذهنياً؟!!!.
للحروب تُجارها وسماسرتها وأدعياء الوطنية منها، وهؤلاء هم من يوظف الأموال المدنسة لتجنيد المقاتلين المرتزقة من الأجانب، ومن اليمنيين للأسف، ويزجون بهم في معارك طاحنة خاسرة يهلكون فيها بالمئات دون حسيب أو رقيب، لتلتهمهم الصحاري والشواطئ وقمم الجبال٠
أما مقاتلو اليمن من أفراد الجيش والأمن واللجان الشعبية، فيستميتون في الجهاد والصمود دفاعاً عن حرمة وقداسة الأرض اليمنية. ولهذا يستبسلون ببطولة أُسطورية لا تُضاهيها قصص وحكايات حروب أخرى، أكانت عربية أو أجنبية، حدثت في تاريخ الحروب؛ إذ تجدهم يستميتون في المعارك، يقاومون أحدث الطائرات الأمريكية والبريطانية، والبوارج الحربية الغربية،والعتاد العسكري الحديث (هاي تكنولوجي High Technology)، يقاومونها بعزم الرجال الأقوياء بفولاذيةٍ أسطوريةٍ، لأنهم قد شاهدوا بأُم أعينهم ماذا جرى ويجري في الأراضي اليمنية التي وقعت تحت الاحتلال السعودي والإماراتي و الداعشي في كلٍّ من مدن عدن وتعز ولحج وحضرموت التي أصبحت مواقع وساحات مستباحة من قبل عصابات تنظيم القاعدة و داعش، والعصابات الإجرامية وقُطَّاع الطرق، ومن مليشيات إجرامية مأجورة. هذه المناطق تحوَّلت إلى مُدن وشوارع وأحياء للاغتيال والخطف والتعذيب في وضح النهار، وسَحل وصلب المخالفين بالموقف والرأي لتلك القوى التي احتلت واستعمرت مدننا اليمنية الطاهرة، وتم فيها نبش الأضرحة، وتهديم المساجد والكنائس، وكلها تحت شعار (الأراضي المحررة)؛ أي مهزلة في قول هذه التُرهات! وأية إهانة للعقل والمنطق عند سماع (خُزعبلاتهم)! وأية سذاجة لدى هؤلاء الذين يُرددون مثل هذه الشعارات الهابطة شكلاً ومعنى! وهل الاحتلال الإماراتي والسعودي قد جلب شيئاً مُفيداً وذا منفعةٍ لأهلنا في هذه المناطق المُحتلة؟.
لم أكن أتوقع يوماً أن أكتب عن العُدوان بهذه المرارة والوجع المُفرط في النفس والوجدان، لأن هول الصدمة من فظاعة ما يحدث على الأرض في بلد الايمان والحكمة قد حَفَّزَ الذاكرة والوعي بأهمية الكتابة لرصد المعلومة، وتحليل الحدث، وتحفيز المجاهدين لمواصلة التضحيات، ولكشف عورات من يتعاون مع هؤلاء المعتدين.
يُحدِثُنا التاريخ الإنساني وتاريخ الحروب بين الشعوب على وجه الخصوص، في أحد أهم فصوله، عن المتعاونين مع أعداء أوطانهم، وقد سَلَّط عليهم جمر الكلمات وأقذع العبارات، وكال من تُهم الرذيلة أحطَّها، ومن مفردات الانحطاط الأخلاقي والسُخط التام أشنعها، على المتعاونين أو المنتفعين أو الخونه الذين مدُّوا أيديهم للعمل والتعاون مع عدو بلدانهم.
وماذا سيكتب التاريخ عن هؤلاء الخونة والمأجورين الذين تعاونوا مع دول العُدوان والاحتلال لجُزءٍ عزيزٍ وغالٍ من بلادهم اليمن، كون المحـتل:
هو من دمَّر وطنهم.
هو من قتل مواطنيهم وشـرّد آخـرون من منازلهم.
هو من داس بنعليه النجستين حُرمة أراضيهم.
هل تتذكرون معي حكاية الأسطورة الخالدة في الذاكرة الجمعية لليمانيين عن الملك اليماني العظيم الذي استنجد بالقوة العُظمى للفرس في ذلك الزمان لطرد المحتل الغاصب أبرهة الأشرم الحَبَشي من اليمن؟، لا يزال بعض رُواة التاريخ يُخطْئون وينتقدون القائد/ سيف بن ذي يزن وهو الذي قطع آلاف الكيلو مترات على حصانه تارةً وناقته تارةً أخرى ليذهب لأقاصي الدنيا لطلب العون بُغيَة تحرير الأرض، وهو الذي عفَّت نفسه عن كل المغريات المادية التي وُضعت أمامه ليكف عن هاجس متابعة هدفه ومخططه لتحرير اليمن كل اليمن من المحتل.
إذاً كيف وبأي الحروف والكلمات سيكتب التاريخ غداً عن هؤلاء الخونة والمرتزقة الذين جلبوا المُحتل السعودي الإماراتي إلى عدن وحضرموت وشبوه والمهره وجزيرتي ميون وسقطرى وتعز ومأرب؟! إنني أَشفق عليهم من سياط التاريخ في المستقبل ومن لعنات الأجيال المتعاقبة عليهم، ومن مطاردة أرواح الشهداء الذين ذهبوا ضحية العُدوان.
هذا ليس كلاماً نثرياً للإنشاء، ولا مقطعاً من قصيدة شعر تُلهَب به حماسة القارئ اللبيب، لا، ولا، ولا.
ما نُسجله هنا هو ارتداد رَجِعِ صَدى لحقيقة القادم من عمق الصحراء ومن الانحدارات الحادة لسفوح جبال اليمن الشمَّاء التي تعطرت بأرواح الشهداء، وارتوت بدمائهم ودماء الجرحى وتخضَّبت بزغردة أم ثكلى مكلومة على وحيدها ونواحٍ صامت لزوجة شهيد(تحجَّر) من على طيرمانة منزلها، بصوتٍ يشبه ترانيم الأذان القادم من مأذنة الجامع الكبير بصنعاء أو مأذنة جامع المحضار بتريم، أو صوت المُؤذن من جامع العيدروس في عدن، أو من أصوات أجراس الكنائس في مهد المسيح عليه السلام بفلسطين المحتلة، و توشيحات أندلسيةٍ مُوغلةٍ في التاريخ، أو أنشودة اليمن الدائم والقادم بإذن الله:
(ردِّدي أيتها الدنيا نشيدي ......
لن ترى الدنيا على أرضي وصيَّا)
أقول لكل هؤلاء الأشخاص من اليمنيين (سياسيين كانوا، أو أكاديميين، أو عسكريين، أو من هم محسوبون نظرياً على الاتجاه الديني، أو من الإعلاميين) ولكل من تنطبق عليهم شروط الخيانة للأوطان ولليمن العظيم تحديداً، ولمن يعمل في ظلال دول العُدوان على اليمن، نقول لهم اتقوا الله في أنفسكم وفي وطنكم وفي شعبكم الصابر، و أنَّ باب التوبة عند الله عند والشعب كان ولا يزال مفتوحاً، ومن أَصَرَّ على موقفه فإن له حساباً عسيراً في الدنيا وفي الآخرة.
الخُلاصــة:
أولاً: المطلوب من دول العُدوان أن توقف حرب هذا العُدوان، وأن تعتذر للشعب اليمني عن كل الجرائم التي ارتكبتها في حقه طيلة زمن العُدوان.
ثانياً: رفع الحصار الجائر جواً وبحراً وبراً، ودفع التعويضات المادية والمعنوية المُجزية للشعب اليمني.
ثالثاً: الجلوس على طاولة واحدة بين ممثلي السلطة الشعبية الشرعية في صنعاء وبين ممثلي دول العُدوان، وتمثلهم المملكة السعودية ومشيخة الإمارات المتحدة كطرف معتدٍ.
رابعاً: تقديم التزام واضح بإعادة الإعمار الشامل الكامل لكل ما تهدم جراء العُدوان.
خامساً: الشروع بعدها بالمصالحة الإنسانية والوطنية الشاملة.
سادساً: جلوس الأطراف والقوى السياسية اليمنية الحرة على مائدة حوار وطني دون استثناء أي فصيل سياسي، للبحث الجِّدي في مستقبل الدولة اليمنية القادمة بإذن الله.
والله أَعلَمُ مِنَّا جميعاً.
﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾
المصدر : اليمن في مواجهة عاصفة الحزم (المجلد الثالث)
أضف تعليق