دراسة عن المجتمع اليمني - مؤسسة دار إبن حبتور للعلوم و الثقافة و التوثيق الخيرية

دراسة عن المجتمع اليمني

 



كتاب: دراسة عن المجتمع اليمني.

تأليف: حمود العودي.


يستهل الباحث والمفكر العودي كتابه بمدخل عام يؤكد فيه على أهمية البعد او المدخل الاقتصادي والاجتماعي في كتابة وقراءة التاريخ لأي مجتمع باعتبارها المتغيرات الاسياسية الاولى التي تبنى عليها وتفسر كل المسائل الاخرى في حياة المجتمع بل وتكشف كل دلالاتها ومقاصدها السياسية والطبقية والأيديولوجية الحقيقية في إطار الواقع الاجتماعي والاقتصادي وقوانين تطوره التاريخي ، كما ويدعو الدكتور العودي في هذا المدخل الى ضرورة إقامة علم اجتماع عربي ونظرية إجتماعية عربية متكاملة نقرأ من خلالها التاريخ ونفسره تفسيراً علمياً صحيحاً ...

واذا كانت الكثير من الحركات الدينية قد قرأت المستقبل في الماضي بذلك الشكل المشوه فإنها قد أخطأت كثيراً حتى في رؤيتها للماضي خلال ذلك التاريخ مما أسفر عن ظهور تفسيرات مغلوطة تُعمّق الصراع الأيديولوجي لدى تلك الحركات وتمنحه شرعية الأمتداد ، هذا من جهة ، من جهة أخرى فإن غياب تحري الدقة والموضوعية العلمية في قراءة الماضي يفسد الحقيقة ويحول دون قراءة متغيرات ومستجدات الحاضر او إستقراء المستقبل ذلك لأن التجربة التي عاشتها البشرية تكون مشوهة ولا يمكن الإستفادة منها .


وبالعودة الى الكتاب ، في الفصل الاول وقد اصبح البحث اكثر تخصصاً في المجتمع اليمني فإنه قد إبتدأ تخصصه باستعراض مجمل لطبيعة الارض او البيئة التي تحيط بهذا المجتمع والتي كان لزاما على المجتمع اليمني الدخول معها في معركة أبدية لانتزاع مقومات حياته وأسباب بقاءه ، كما تطرق في هذا الفصل الى استعراض شامل لحياة الانسان التي رافقت صراعه مع بيئته بشكل مستمر وما هي التفاعلات التي كانت تنتج باستمرار بين الانسان وهذه الطبيعة ، وعلى اعتبار ان جزء من تلك الأنشطة التي كان يقوم بها قد خرجت من مجرد كونها صراع للبقاء مع الطبيعة الى أكثر من ذلك حيث شكلت جزء من شخصية وطراز الانسان اليمني ، وخلعت عليه عدد من المميزات التي يختلف بها عن سائر المجتمعات الحضارية التي رافقت الحقبة التاريخية التي عاشتها الحضارة اليمنية ، ذلك لأن الطبيعة التي أحاطت بالمجتمع اليمني أكثر قسوة مما حضت به بلاد النيل او الرافدين ، وقد اعتمد الكاتب في هذا الموضوع على عدد من العوامل والدلالات الاقتصادية والاجتماعية لقوى الانتاج في المجتمع اليمني والتى قادته الى تفسير علاقات الانتاج بشكل موضوعي بعيداً عن المزايدات ، 

ومن الحقائق التي لخّصها في هذا الباب :

-ميل الانسان اليمني الى عدم الاطمئنان الى عوامل الطبيعة وسحب الثقة منها كمصدر ثابت للمعيشة والإمساك بزمام المبادرة وفرض نفسه عليها في عملية تحدي عجيبة .

-إثبات تفوق الانسان اليمني على الطبيعة ورغبته في قهرها عنوة واقتدار ، بمقاييس تتجاوز ميلها الى عدم تقديم الضمانات الضرورية والمستقرة لمعيشته عليها .

-اما الحقيقة الثالثة فهي ان هذا النمط الحياتي والحضاري القائم على أساس الفعل المادي قد كرست في حياة الانسان اليمني وتاريخه عقلية منطلقة ومتحررة من كثير من القيود والميتافيزيقيات والخرافات الغيبية ، كما قد خلق هذا النمط نوع من التكافؤ بين الانسان والبيئة كأساس جوهري لاستمرار البقاء لم تدع له فرصة للغلو فيما وراء الطبيعة ، وكما ان هذا التكافؤ قد حدّ من تدخل التسلط الفردي او الطبقي اجتماعياً في تلك المعادلة التي يتناسب طرفيها تناسباً طردياً بلا حدود .


وفِي هذا الفصل نفسه يستعرض الكاتب قوى الانتاج (الواقع المادي والاقتصادي والاجتماعي ) كمتغير مستقل في معادلة التكوين الحضاري بصفة عامه ويكون تبعاً لذلك (علاقات الانتاج) ممثلةً بأشكال التنظيم السياسي والاجتماعي والاقتصادي كمتغير تابع لما سمي بالمتغير المستقل ، مع تأكيده للبديهيات العلمية المصطلح عليها بشأن تأثر علاقات الانتاج تأثراً مباشرا بقوى الانتاج و ان الفروق بينهما فروق نسبة بحته لا يمكن ان يخرج فيها المتغير التابع عن الاحتكام للمتغير المستقل هذا بما تقتضيه قوانين الطبيعة والمجتمع كما ان حدوث الفجوة والتعارض بين قوى الانتاج وعلاقات الانتاج نتيجة عجز علاقات الانتاج عن التعبير والتمثيل الصحيح لقوى الانتاج وهذا ما يحدث في الأنظمة الإقطاعية والرأسمالية والملكية الخاصة ... وما الى ذلك من مسلمات تتطلبها طبيعة البحث والاسلوب العلمي .

وتعدّ هذه المقدمة تأكيدا للمنهجية العلمية الدقيقة التي تمسك بها الكاتب في كل حرف إختطه في هذا البحث متجهاً الى تفسير الظواهر الاجتماعية التي سادت الحضارة اليمنية انطلاقاً من تلك المقدمة ليخلص الى استنتاجات دقيقة بشأن نمط الملكية العقارية للأرض الزراعية في المجتمع اليمني القديم وطراز التنظيم السياسي والاقتصادي والطبقي والاجتماعي بصفه عامه ، وبهذا الأسلوب يكون الكاتب قد أعطى نوع من المصالحه مع القرّاء حول ما تم طرحه من الأفكار، الا ان العقلية الأيديولوجية وسلطتها الدينية وللأسف قد رفضت تلك المصالحة ونظرت الى هذا النوع من الأفكار خطراً يهدد كيانها ويفقدها مبررات بقاءها ، ويخدش حالة الخدر التي اصابت به المجتمع ، فكان ان كفرت هذا الباحث وحكمت عليه بالإعدام مع كتابه 



ليست هناك تعليقات