مدينة غزة
مدينة غزة
في الجزء الجنوبي من الساحل الشرقي للبحر المتوسط تقع مدينة غزة، وقد جاء موقعها عند التقاء إقليمين جغرافيين متباينين، إقليم البحر المتوسط بمناخه المعتدل وأراضيه الخصبة ومياهه العذبة، والإقليم الصحراوي الجاف، وأراضيه ذات الرمال المتحركة، وهي بهذا تحتل موقعاً ذا أهمية كبيرة، فهي تقع على أبرز الطرق التجارية القديمة، حيث تتجمع فيها التجارة القادمة من الهند، وحضرموت واليمن ومكة، لتنتقل فيما بعد إلى دمشق وتدمر، وباقي مناطق الشام، وزادت أهميتها الاقتصادية فيما بعد، خصوصاً بعد إنشاء خط سكة حديد القنطرة- حيفا، ماراً بغزة، ويواصل هذا الخط طريقه إلى لبنان وسوريا وتركيا.
وغزة كلمة كنعانية عربية وقد قيل في معناها أقوال منها أن غزة تعني خص، فيقول ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان: اغتز فلان بفلان أي اختصه من بين أصحابه، وقد قيل أيضاً أن غزة تعني القوة أو المنعة، وسماها الكنعانيون باسم هزاني، والعبرانيون غزة، وسماها المصريون القدماء باسم غازاتو وغاداتو، وسماها الأشوريون عزاتي، وسماها الفرس هازانوت بمعنى الكنز، وأعطيت عبر العصور المختلفة أسماء عديدة منها، أيوني ومينودا وقسطنديا إلا أن غزة احتفظت باسمها العربي التي ما زالت محتفظة به حتى الآن.
غزة عبر التاريخ :
مدينة غزة قديمة قدم التاريخ فهي وليدة عصور متتالية وقرون طويلة، تركت بصماتها فيها، وتركت هي أيضاً بصماتها على مدى السنين وتوالي الأيام، وكان من أقدم. من سكن غزة من القبائل الكنعانية هم الأليقيم كما سكنها منهم بطون المعنيين، وهم أول من ارتادها وغشي أسواقها من العرب الأوائل، ويذكر بعض المؤرخين أن المعينين هم أول من أسسوا مدينة غزة بعد اكتشاف أهمية موقعها، وأهمية الطرق المؤدية إليها، والخارجة منها وبعد المعينين أخذ السبأيون يؤمون غزة بقوافلهم التجارية، ومن أقدم من استوطن غزة العويون ثم الكنعانيون ثم العناقيون كما استوطنها المديانيون والأدوميون والعموريون والكنعانيون وغيرهم إلا أن الكنعانيين هم أول من سكنوها وحافظوا على وجودها وتركوا بصماتهم على تاريخها الطويل، وسجل التاريخ بأن الكنعانيين هم العرب الأوائل الذين يرجعون بأنسابهم إلى العمالقة، وجاءت هجرتهم مد للموجات السامية التي أخذت طريقها إلى البلاد، ويذكر المؤرخون أن مدينة غزة يعود تاريخها إلى 4000- 3500 سنة قبل الميلاد.
وقد سميت فلسطين في ذلك الوقت بأراضي كنعان، كانت غزة تمثل الحد الجنوبي من أرض كنعان التي امتدت إلى الشمال في عكا وصيدا، وعلى طول الساحل أقيمت المدن الكنعانية المحاطة بالأسوار وشيدوا حضارة عظمى، عرفت التجارة والصناعة والتعدين، كما اخترعوا الحروف الهجائية، ووضعوا الشرائع والقوانين، وعبد الكنعانيون الأصنام، ومن أصنامهم بعل أو السيد وهو الإله الذي اشتهرت به غزة عندما كانت عبادة الأوثان هي السائدة.
وكان الكنعانيون ماهرين في فنون الحرب، وتميزوا بالجرأة لدرجة أنهم ثاروا على ملوك مصر مثل رعمسيس الثاني والمشهور باسم سيزو سترس أو رعمسيس الأكبر، وهو أعظم من ملك مصر بالحكمة والبطش مدة طويلة، وقاوم الكنعانيون الغزوة العبرية، مما أثار حفيظة الإسرائيليين، فتناولوهم كثيراً في أشعارهم لكثرة ما بطشوا بهم كما ذكروا غزة كثيراً فقالوا في الإصحاح الثاني من سفر صفينا إن غزة تكون متروكة، واشكلون للخراب.
ولقد كان لغزة شأن مع المصريين القدماء والفراعنة، حيث عبر الكثير من ملوك مصر الفراعنة، إما لفتحها أو للانطلاق منها لفتح الشام، وكانت ذات أهمية خاصة لهم، وكانت في عهد الأسرة الثامنة عشر والتاسعة عشر المقر الرئيسي للجيش المصري المحتل لفلسطين، واتخذها تحتمس قاعدة لهجومه، ثم خضعت غزة لسيطرة الهكسوس بعد أن تمنعت عنهم مدة طويلة، عندما كانت تأخذ موقعاً عند تل العجول، حيث كان البحر قريباً من المدينة، والسفن ترسوا على شواطئها، واستوطنها الهكسوس استعداداً لهجومهم على مصر، وشهدت غزة نوعاً من الازدهار في عهدهم، قبل طردهم من قبل المصريين، وقد عثر على كثير من الآثار التي تدل على هذه الحقبة من تاريخ غزة، تضمن حلي ذهبية وكنوز ثمينة.
ثم خضعت مدينة غزة للفلسطينيين، وهم شعب جاء من البحر المتوسط، وأسسوا خمس ممالك، وكانت غزة إحداها، أما الأربعة الأخرى فهي عسقلان- اسدود- وجت وعفرون، وقد أطلق اسم فلسطين على أرض كنعان نسبة إلى هذه القبائل، وحارب الفلسطينيون الغزاة الإسرائيليين، وحالوا دون سيطرتهم على المدن الفلسطينية، وكان للفلسطينيين مراكب وعربات الخيول وبرعوا في صناعة المحاريث والآلات المنزلية، وكانت لهم ديانة، ومن أشهر هياكلهم الآلهة داجوان.
ثم تعرضت مدينة غزة لحكم الأشوريين، وكان ذلك في عهد ملكهم تبغلات بلازر الأول، ودارت معارك متعددة بين المصريين والأشوريين، حيث تحالف أهلها مع المصريين، ثم جاء الملك سرجت، وتمكن من إخضاعها، وأسر ملكها حانون عام 720 ق م، وقد سميت غزة آنذاك باسم مارنا أو سيدنا، وظلت خاضعة للأشوريين حتى عام 609 ق م، حيث أعادها الملك نيخو الثاني المصري إلى حظيرة المملكة المصرية بقوة السلاح.
وبعد ذلك خضعت غزة لحكم البابليين، وكان أول من هاجمها منهم الملك سرجون الأكادي، ثم ابنه كارام سين، إلا أن حكمهم لم يدم طويلاً لتمكن المصريين من استرداد المدينة ولكنهم تراجعوا تحت ضغط البابليين، وخضعت غزة مرة ثانية للبابليين.
في عام 535 ق.م خضعت غزة لحكم الفرس في عهد ملكهم قنبيز، واتخذوها موقعاً حربياً ومنطلقا لتحركاتهم نحو مصر، ومنحت غزة إدارة مستقلة ضمن التشكيلات الإدارية التي أحدثتها الفرس على فلسطين، ثم خضعت غزة للحكم اليوناني في عهد الإسكندر الأكبر المقدوني عام 332 ق م. بعد أن حاصرها مدة طويلة، لأنها استعصت عليه، وأصبحت مدينة عظيمة، وشجع عدد من اليونانيين لإقامة فيها والاختلاط بأهلها، وانتشرت اللغة اليونانية في البلاد، وأصبحت لغة البلاد الرسمية، ولغة العلم والمدارس، ثم خضعت المدينة لحكم الرومان عام 96ق م، وكانت غزة تدار رأساً من إمبراطور الرومان عن طريق مندوب سامي، وقد أقام الرومان مصانع لسك النقود في غزة، وكانت هذه النقود تحمل اسم غزة على وجه، والحرف M على الوجه الآخر، إشارة إلى الصنم المعبود مارنا، وحملت بعض النقود صور انطوينوس وعلى الوجه الآخر صنم الحظ تيخافون، وظهرت صور أخرى على أنواع العملة المسكوكة في غزة، وازدهرت التجارة والعمران في عهد الرومان الذين أعادوا بناءها.
وتشير كتب التاريخ إلى صلابة شعب غزة وتمسكه الدائم بما ورثه، وحفاظه على قوميته وكرهه للغزاة، وكانت غزة في العهد القديم من معاقل الوثنية، حيث كان يوجد فيها ثماني هياكل وثنيه، عدا الأصنام الكثيرة التي كانت موجود في البيوت والقصور، بالإضافة إلى الاله داجون، وهو من الآلهة التي عبدها سكان غزة في العهود الغابرة ولا سيما عهد الفلسطينيين، وعند ظهور المسيحية بلغ العداء أشده بين الوثنيين والمسيحيين عام 395 ق.م عندما تولى الأسقفية فيها بروفيريوس الذي واصل جهوده لنشر المسيحية بعد أن حصل على تأييد الإمبراطورة افدوكسيا التي أقرت بإغلاق المعابد الوطنية، وفعلاً تم إغلاق وهدم المعابد في عملية استغرقت 10 أيام.
وفي عام 634 ق.م فتحت مدينة غزة من قبل العرب المسيحيين على يد القائد أبي أمامة الباهلي بعد معركة الدمثية – داثن.
وأقام العرب المسيحيون في غزة الحصون التي أنشأوها على السواحل، وكانوا يسمونها الرباطات، وأنشئ في غزة العديد منها، والرباط نوع من مراكز المراقبة.
وفي عام 1100م ثم احتلال مدينة غزة من قبل الصليبيين بقيادة جودفري، وقد حاول الصليبيون طمس أهمية غزة التجارية، إذ جعلوا عسقلان المركز الرئيسي للنصرانية في فلسطين، ولم يعتنوا بها من الناحية العسكرية، واستمر ذلك حتى عام 1149 عندما أمر الملك الصليبي بلدوين الثالث بإعادة تحصين غزة، فهدم أسوارها القديمة وبني فيها سوراً جديداً عادت غزة للحكم الإسلامي عام 1187م بعد انتصار المسلمين بقيادة صلاح الدين الأيوبي على الصليبيين في موقعه حطين، ثم عادت غزة ثانية إلى حكم الصليبيين، إلا أن القائد بيبرس تمكن من هزيمة الصليبيين في معركة غزة الثانية، والتي كانت لها أكبر الأثر في طرد الصليبيين من فلسطين، حتى أن بعض المؤرخين أطلقوا عليها حطين الثانية.
ثم تعرضت غزة للغزو المغولي المدمر إلا أن المسلمين تمكنوا من هزيمتهم على يد القائد ركن الدين بيبرس عام 1260م في موقعة عين جالوت، وتم طرد المغول نهائياً من فلسطين.
وهكذا فإن غزة كانت في عهد المماليك محطة للسلاطين يمرون منها في كل غزوة ضد الصليبيين، أو المغول، فأصبحت من أهم مراكز البريد، وقد زارها سلاطين المماليك والكثير من الرحالة.
ثم خضعت غزة للحكم العثماني بعد انتصار العثمانيين على المماليك، في موقعه مرج دابق عام 1516م، ولعبت دوراً هاما إبان الحكم العثماني وكانت في أغلب الأوقات سنجقاً أو لواء في ولاية الشام.
وفي عام 1799م، احتلها نابليون بونابرت قائد الحملة الفرنسية على مصر وبلاد الشام، كما دخلت تحت الحكم المصري عام 1831 بعد أن أرسل محمد على إلى مصر حملة إلى بلاد الشام بقيادة ابنه إبراهيم باشا وانسحب عام 1841م.
وفي عام 1917م دخلت غزة تحت الحكم البريطاني، واستمرت كذلك حتى عام 1948 حيث خضعت للإدارة المصرية، وفي عام 1956 وقعت تحت الاحتلال الإسرائيلي نتيجة العدوان الثلاثي وعادت عام 1957 الى الإدارة المصرية وفي عام 1967 وقعت تحت الاحتلال الإسرائيلي في أعقاب حرب الخامس من حزيران 1967، وفي عام 1994 غادر جنود الاحتلال الإسرائيلي مدينة غزة لتتولى إدارة المدينة السلطة الوطنية الفلسطينية إثر اتفاقات أوسلو.
وطوال هذا التاريخ الطويل كانت غزة جزءاً من الوطن الفلسطيني، شاركت في جميع الثورات ضد البريطانيين واليهود أعوام 1929، 1936، 1948، ثم تعرضت لعدوان 1956 و1967 وقد تعرض أهالي مدينة غزة لممارسات المحتلين من قتل وتشريد ونسف للمنازل.
أضف تعليق