لوحة من قلب المعركة
لوحة من قلب المعركة
في مثل هذا اليوم 28 أغسطس من عام 1982
وبعد سبعة وثمانين يوماً بالتمام والكمال تحت وطأة الحصار الصهيوني للعاصمة اللبنانية بيروت .. وقد كنتُ هناك في أحد المواقع القتالية المُستحدثة في حرم الجامعة الأمريكية قُبالة ساحل البحر الأبيض المتوسط .. حيث البوارج الحربية (الإسرائيلية) وكُبرى حاملات الطائرات الأمريكية كذلك, وقد أسماه كاتبنا الفلسطسني الكبير "رشاد ابو شاور" (محور وادي النيل) في كتابه " آه .. يا بيروت".
وعملاً بما أسفرَت عنه مباحثاث الوسطاء الدوليين مع الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات, وضمن مئات المقاتلين الفلسطينيين والعرب ممن تقرر إبعادهم عن آخر موطئ قدم على خطوط التماس مع العدو الصهيوني, وبالبزة العسكرية والكلاشنكوف وماهو مسموح به من أشيائنا الخاصة.. غادرتُ بيروت بحراً على متن واحدة من البواخر التي أعِدّت خصيصاً لترحيلنا إلى سوريا, وبصحبة أربعة من قادة الفصائل الفلسطينية وهم:
ـــ الحكيم جورج حبش ( الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين )
ـــ الرفيق نايف حواتمة ( الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين )
ـــ الرفيق طلعت يعقوب ( جبهة التحرير الفلسطينية )
ـــ الرفيق أحمد جبريل (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين -- القيادة العامة )
ولفيف من أدباء ومثقفي الثورة ومبدعيها.
وصلنا ليلاً إلى ميناء طرطوس بالجمهورية العربية السورية, وعبر عدد لا بأس به من الحافلات .. تحركنا باتجاه معسكر الإستقبال في ضواحي دمشق.
وعلى امتداد الطريق .. كان في استقبالنا أهالي القرى والبلدات الواقعة على جانبيه بإطلاق الرصاص تحيةً لنا وترحيباً بنا, وبادلناهم التحية بمثلها, ولساعات طويلة قبل وصولنا إلى المعسكر إياه .. لقضاء ما تبقى من ليلتنا تلك في خيامٍ جرى إعدادها لهذا الغرض, ليداهمنا شعور بغيض بابتعادنا عن الحُلم الذي طال أمد سعينا لنيله, وكأنما كنا على مقربة من بلوغه.
وهذه لوحة شعرية ترصد وقائع الإجتياح (الإسرائيلي) للبنان .. وصولاً إلى حصار عاصمته, تضمّنها ديوان شعري أصدرته في دمشق عام 1983 تحت عنوان ( ميم . صاد . راء --- على هامش الغربة).
..............................................
لوحة من قلب المعركة
صيدا بترسم إسمها ..
وبتلبس الكاكي ف فرحة عرسها
صيدا الحياة والموت على شطوط السفر
صاحية بتغسل شعرها..
وتمشّطه في ضي القمر..
صيدا مراية صور ..
وصور مراية الوطن ..
صور الجناين والسفاين والسهر
صور البنادق والخنادق والمطر
صور الأمان ..
صور الخطر ..
* * *
محلا الأناشيد
ـــ اللي طالعة
من جناين صور ..
محلا زغاريد الجنود
ـــ العاشقين صيدا ..
ـــ العاشقين الوطن ..
ـــ العاشقين الأرض ..
ـــ العاشقين الحياة والموت
ف صيدا جْراد ..
لجلن يعيش الوطن ..
ف صمود جناين صور
* * *
مَحلا سما لبنان ..
مَحلا سما بيروت ..
بتدوّخ الغربان ..
والمصيدة ع الأرض
الصيادين نصبوا شباك الحرب
ـــ ع الساحل ..
والكُحلة ف عيون الأمل الاخضر
ف عين الحلوة ..
متلوّنة بدم الشهيد الاسمر
وبورسعيد الجديدة
ـــ إسمها خَلْدة
خَلْدة هنا والسويس ..
والملحمة ع الشط ..
البحر الاحمر هناك ..
والبحر الابيض هنا ..
ـــ بيلوّنوه أحمر ..
* * *
محلا البنادق في الإيدين السُمر
وقتن تمزّع حبال الصمت يا وطني
محلا البنادق ..
ـــ بتغزل تاجك العربي
ـــ تنسج خيوط الفجر
مصبوغة بلون الدم ..
" إبن النيل"
بيروت في يونيو 1982
أضف تعليق