صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية/ والعُمْرَة المباركة الحالية للأمير بن سلمان للبيت الأبيض الأمريكي| ا.د. عبدالعزيز بن حبتور | 9 آذار 2018
تردد كثيراً اصطلاح "صفقة القرن" في وسائل الاعلام العربية والاقليمية والأجنبية في الآونة الأخيرة، و زاد من حِدَّة تناوله مُنذُ أن اقترب الأمير محمد بن سلمان آل سعود إلى كرسي العرش السعودي!!! باعتباره المرشح الأوحد لهذا المنصب الأكثر إغراءً وجاذبيةً في الحُكم على مستوى العالم كله، للأسباب الآتية:
أولاً: قد قضى وأبعد كل منافسيه على العرش، إمَّا بالسجن أو الاغتيال أو تأميم ممتلكاته.
ثانياً: يحكم مملكة إنتاجها النفطي هو الأعلى بالعالم، واحتياطيها من النفط هو الأعلى في العالم أيضاً.
ثالثاً: يحكم دولة وشعب بقوانين (ثيوقراطية)، وبعيدة عن النظام والقانون والدستور.
رابعاً: يحكم أرضاً وشعباً تتجاوز موازنتها السنوية 1.370 مليار ريال بحسب بيانات وزارة مالية السعودية لعام 2018م (الأرقام في السعودية لا حساب عليها).
خامساً: يحكم في دولة ليس بها دستور كما هو متعارف عليه بالعالم، ومُقَرْ أو مُستفتى عليه من قبل الشعب في نجد والحجاز (السعودية حالياً)، عدى عن نظام أساسي لنظام المُلك أصدره الملك فهد بن عبدالعزيز عام 1992م لإدارة شؤون هيمنة آل سعود على السلطة فحسب.
سادساً: يحكم بلداً يتواجد فيه أهم مدينتين طاهرتين بالنسبة للمسلمين في العالم وهي مكة المكرمة والمدينة المنورة، وبحُكمِ النُفوذ الملكي الطاغي فُرِضَ على المسلمين نوع أُحادى من مناهج وطرق ومذاهب الاسلام وهي الطريقة الوهابية.
سابعاً: يحكم ارض وشعب انطلقت منها فتن وحروب القرن ضد الدول والشعوب العربية ذات الموقف الرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني وهي العراق وسوريا وليبيا واليمن ولبنان، نتج عن كل هذه الفتن المُسعوَدة قتل الملايين من العرب وتهجير وضياع مستقبل مئات الملايين وتدمير دُولهم ومقدراتهم وكنوز حضاراتهم.
بهذه الأسباب السبعة حاولنا أن نُبين لماذا حُكْمُ وإدارة المملكة السعودية هام جداً واعتلاء كرسي العرش مُغرٍ، لأنَّ لديه كل هذه المزايا التي لا تتوفر في حكم أي بلد في العالم، حَيْث يُمارس الحُكم فيها بشكل مُطلق وكأنَّه يُدير عِزبةً خاصةً به ليس بها سوى أُسرته وحاشيته وأصدقائه، وانعكست هذه الثقافة الى عقيدة عامة لأي أمير سعودي حتى لو كان في سن الطفولة، وللأسف انتقلت تلك العدوى الى ابسط مواطن مُتسعوِد ويعكس كل ذلك عُقدة مركب النقص الجماعية لديهم تجاه المغتربين والوافدين اليهم ليعاملوهم بقسوة (السيد تجاه العبيد)، وتناسى هؤلاء المُتسعوِدُون أنَّ العالم يُراقبهم ويُسجِّل عليهم كل خطاياهم وما أكثرها.
الشاب الأمير محمد بن سلمان الملك القادم دون منازع يقوم بجولة حاليةٍ هامةٍ في عواصم القرار الغربي الإستعماري وهُنَّ لندن وباريس وواشنطن (مثلث الاستعمار القديم الجديد)، و هم قيادة محور صنع القرارات الاستراتيجية البحتة للدول الغربية، والأمير الشاب هو أحد أدوات تنفيذ ذلك المشروع الهام لهذا المحور وهو تصفية القضية الفلسطينية لمصلحة مشروع الكيان الصهيوني عبر مراحل يتم التمهيد لها بشكل تدريجي، وبوادرها قد بدأت تظهر على السطح منها: زيارات لجنرالات سعوديين الى الكيان الصهيوني وكذا البدء بالسماح لبعض شركات الطيران الذاهبة والقادمة من مطارات الكيان الإسرائيلي عبر الأجواء السعودية، وهذا يحدث لأول مره منذ 70 عام تقريباً، وتسهيل زيارات الوفود الفنية والتجارية والرياضية إلى بعض دول مجلس التعاون الخليجي منها البحرين، وقطر والإمارات العربية المتحدة وربماالبقية في الطريق، من يدري؟.
مُنذ أن تسلَّم السيد دونالد ترامب مقاليد السلطة في البيت الأبيض وهو يُلَوِّحُ بورقة "صفقة القرن" وهي صفقة تقوم على تصفية القضية الفلسطينية بِرُمتها والرجل اَي ترامب قليل الخبرة بالسياسة، ولكنه داهية بعقد الصفقات التجارية ونجح كثيراً في تاريخه من هذه الصفقات التجارية، ليس آخرها كانت (غزوته) للسعودية و في صفقة واحدة جنى المئات من المليارات من حُكام آل سعود، وشاهد مسرحيتها الهزلية ملايين المسلمين والعرب الذين شاهدوا حُكامَهم يُقادون بخيط رفيع من قبل الولايات المتحدة الامريكية ليشهدوا على الصفقة المُذلة للأمة الإسلامية جمعاء.
السيد ترامب مُطوَّق في ادارته بالعشرات من اصحاب القرار والنفوذ السياسي الذين يؤمنون بشكل جازم بأن دولة إسرائيل هي الوحيدة بالمنطقة من يحق لها العيش بحُرِّية على حساب العرب والفلسطينيين، وأبرزهم السيد/ مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي والمعروف بعقيدته المتصهينة، والمسنود من قبل جماعات الضغط اليهودي المُتصهين، هؤلاء هم من يفكر ويخطط للسيد ترامب مشاريعه السياسية في العالم والشرق الأوسط كله، وفي فلسطين على وجه الخصوص.
يقول الناشط الصهيوني/ دانيال مورجا نشترين لصحيفة هآرتس بتاريخ يوليو 2017م في مقال بعنوان (ليست واحده ولا اثنتين بل ثلاثه)، ويقول هذا هو مضمون مشروع صفقة القرن لدى الرئيس دونالد ترامب، وفي احدى المؤتمرات التي نظمها اللوبي اليهودي في نيويورك قدَّم الدبلوماسي الامريكي المتصهين/ جون بولتن المشروع الآتي:
أولاً: أن تؤل قطاع غزه الى أدارة جمهورية مصر العربية.
ثانياً: أن تضُم أجزاء من الضفة الغربية لصالح المملكة الأردنية الهاشمية.
ثالثاً: أن تضُم ما تبقى من الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس الشريف إلى الكيان الصهيوني.
ولهذا جاء قرار دونالد ترامب وضمن حيثيات أخرى بأن تنقُل الولايات المتحدة سفارتها من تل افيف إلى القدس الشّريف، وبهذا الحل السحري الساذج يتم توديع وجع الرأس إلى الأبد، فيما يخُصُّ أمر فلسطين.
وستكون ضمن برنامج رحلة الأمير بن سلمان الجامح للعرش مثل هذه المشاريع والمخططات الجائرة على أُمتنا العربية والإسلامية المغدورة دوماً، لكنهم تناسوا أنَّهم لازالوا في دوَّامة عدوانهم الآثم على أراضي وشعب الجمهورية والتي بدأوها قبل ثلاث سنوات و لن يفلحوا، وحاولوا تدمير سوريا ولَم ينجحوا، و أن حلف دول الممانعة قد تعزز كثيراً وأصبح حلفاً عالمياً وليس إقليمياً، و أن خطاب سيد الكرملين الرئيس/ فلاديمير بوتن، قد بدأ بالشروع في تأسيس حلف عالمي ينبغي على الحالمين من مفكري عهد الاستعمار أن يستفيقوا و يقرأوا المشهد بشكل صحيح.
الخُلاصة:
المشروع الأمريكي هذا يريد أن يُعيدنا إلى المربع الاول من بدء النضال الوطني، أي إلى عهد مرحلة الاستعمار، وما قبل الدولة الوطنية العربية والإسلامية، ويتناسى حجم التضحيات الكبيرة، ويتغافل عن حجم الوعي الوطني، والطابور الطويل من التضحيات بالشهداء والقيادات الوطنية، وصنع المشاريع الإقليمية والوطنية، إنَّه مشروع هدفه المزيد من اللعب بالنار والإبقاء على منطقتنا محرومة من الاستقرار والتنمية الإنسانية الشاملة.
إنهم يودُون حَرْفَ بوصلة أمتنا في نضالها لتحرير الأقصى المبارك والقدس الشريف وفلسطين الأحرار، لكنهم واهمون تماماً في أن يُحققوا مقاصدهم، والله أعلم مِنَّا جميعاً.
﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾
أضف تعليق