صفقة القرن في منامة البحرين وصمة عار للمُطبعين من القادة (العرب)| ا.د. عبدالعزيز بن حبتور| 3-7-2019 - مؤسسة دار إبن حبتور للعلوم و الثقافة و التوثيق الخيرية

صفقة القرن في منامة البحرين وصمة عار للمُطبعين من القادة (العرب)| ا.د. عبدالعزيز بن حبتور| 3-7-2019

 

 

                             
           

تابع الرأي العام العربي والإسلامي وجميع أحرار العالم، الشاب اليهودي الصهيوني/ جاريد كوشنير مستشار وصهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وهو يترأس حلقة نقاش (سمنار) يتوسط فيها الحضور في قاعةٍ أنيقةٍ بإحدى فنادق منامة البحرين ليستعرض بكلماتٍ واثقةٍ أمام جمهوره المبهور به من أمراء ومسؤولين حكوميين ورجال أعمال من دول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر والمغرب، وممثلين لعددٍ من الدول الأوروبية بمشاركةٍ فاعلةٍ من قادة البنك وصندوق النقد الدولي وهما بطبيعة الحال (الأذرع الناعمة للولايات المتحدة الأمريكية) وممثل دولة الاحتلال الصهيوني وإعلامهم وعملائهم الذين حضروا لأول مرةٍ في محيطنا العربي بهذا البروز القبيح والمستهتر.

 


مضمون الورشة هو ترجمة للبرامج الانتخابية للأحزاب الإسرائيلية اليمينية المُتطرِّفة

 

كانت وليمة بحرانية (عروبية أو أعْرَابِية) صاخبةً اختلط فيها نكهة العقال العربي بالكوفية اليهودية المتصهينة وكأن شيئاً لم يحدث بين العرب واليهود الصهاينة على مدى 71 عام، وكأن الأمور (سابره) طبيعية بلهجة أهلنا في صنعاء، نعم سابره في نظر البعض من القادة (العرب)، لم يتعايشوا قط مع ذلك النزيف من الأرواح والدماء وتلف الأعصاب الذي قدمه الأحرار، الشرفاء العرب من الفلسطينيين والسوريين والمصريين واللبنانيين والعراقيين والأردنيين واليمنيين والجزائريين والسودانيين وغيرهم من أحرار الأمة العربية.

 

وكأن الحاضرين من (الشخصيات العربية) المُطبعين لم يعودوا ملتزمين لا سياسياً ولا أخلاقياً ولا عروبياً ولا حتى إسلامياً بشيء له صلة بفلسطين المحتلة ولا بالقدس المباركة ولا بأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ولا بمآسي الشعب العربي الفلسطيني الذي دفع ثمناً باهضاً ولازال يدفع بقوافل طويلة من الشهداء والمفقودين والجرحى والأسرى والمبعدين والمشردين في جميع بقاع العالم، وكأن هذا الثمن الكبير المدفوع سلفاً والمطلوب منه لاحقاً، وكأنه دين معدوم لم ولن يتم الالتفات إليه، لأن رؤية وفلسفة الحركة الصهيونية وخلفها المشروع الغربي الاستعماري المتصهين برمته تريد ذلك وتسعى لإنجازه مُنذ عقود من الزمان، من زمن وعد بلفور المشؤوم مروراً بزمن النكبة والنكسة الرهيبتين وحتى زمن الجنون الصاخب لدونالد ترامب وصهره كوشنير.

 

والحكاية ببساطه أن الإدارة الأمريكية المتصهينة رغبت من هذا المزاد أو (الحراج) بلهجة أهلنا في عدن أن يتخلصوا من (عبئ) القضية الفلسطينية المؤرقة لهم لصالح دولة الاحتلال الإسرائيلي، وقدموا في تلك الدراسة الاقتصادية البائسة مبلغ 50 مليار دولار تقدم كدعمٍ ماليٍ لاقتصاد الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزَّه ولعددٍ من البلدان العربية كثمنٍ لصمتهم تجاه تصفية القضية بِرُمتها، ويكون نصف المبلغ عبارة عن هبات ماليةٍ والنصف الثاني يُعَدُّ التزاماً وديناً تدفعه شعوبنا العربية لاحقاً، ويتم التمويل على مدى عشر سنوات، وهكذا بنظر السيد/ جاريد كوشنير الصهيوني والسيد/ دونالد ترامب المتصهين، بأنهم قد حلوا القضية الفلسطينية بجرَّة قلم وبمحاضرةٍ سطحية لم تتعدى الـ 60 دقيقة وبحضور ومشاركة جهاتٍ هي أساس وجوهر مشكلة فلسطين المحتلة، أكانوا (عرباً) أم أجانب.

 

دعونا نفند في النقاط والمحاور الآتية مضمون وجوهر الصراع والهدف من مزاد صفقة القرن:

 

أولاً:        مضمون ومحتوى الورشة الاقتصادية بالبحرين هي ترجمة دقيقة لجميع البرامج الانتخابية للأحزاب الإسرائيلية اليمينية المتطرفة ومفكريهم مُنذ زمن ديفيد بن غُوريون وحتى بنيامين نتنياهو.

 

ثانياً:        تقود الجمهورية الإسلامية الإيرانية محور المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني لفلسطين ومعها محور يمتد من العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن وجميع الأحرار بالوطن العربي والعالم، بينما تقود المملكة العربية السعودية محور التطبيع والمصالحة مع العدو الإسرائيلي ومعها دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء دولة الكويت، بالإضافة إلى دول عربية تقيم علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني كالأردن ومصر، وهذا يقودنا إلى تفسير طبيعة المشروعين السياسيين المتصارعين في منطقة الشرق الأوسط برمته.

 

ثالثاً:        ووفقاً للمشاريع السياسية الأمريكية المُعلنة في الشرق الأوسط  مُنذ أن أعلنت السيدة/ كوندليزا رايز وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق في تطبيق سياسة الفوضى الخلاَّقة لتغيير المجتمعات العربية، بدأت تهب على المنطقة رياح ما سُمي بـ (الربيع العربي)، وظهور الصراع الداخلي والإقليمي وبسببه تم إشغال كل الدول والشعوب العربية في قضاياهم الجزئية القُطرية الداخلية، والهدف الكبير هو في إلهاء العرب عن قضيتهم المركزية فلسطين، وقد نجح الصهاينة (العرب والأمريكان والأوروبيين) في ذلك نسبياً.

 

رابعاً:        من بين السياسات الخبيثة التي روج لها مُفكرو الحركة الصهيونية وأنصارهم المتصهينين في دول الغرب الاستعماري هي بذر الشقاق والعداء بين الطائفتين الرئيسيتين في عالمنا الإسلامي وهما المذهب السُنِّي والمذهب الشيعي، وتحويل المذهبين إلى معسكرين متحاربين ومتقاتلين تحت ذرائع وأوهام بدائية متخلفة، ومن هنا تم الترويج بقوه بأن العدو للشعوب العربية (السُنِّية) هو الشعب والحكومة الإيرانية الشيعية و أن دولة الاحتلال لم تعد هي عدوَّةً ومحتلةً للأرض ومنتهكةً لعرض العرب المسلمين والمسيحيين على حدٍ سواء، وهكذا تم الترويج المسموم لسنواتٍ قليلةٍ خلت إلى أن أصبحت مُعظم دول مجلس التعاون الخليجي (السُنِّية) صديقةً وحليفةً لدولة الاحتلال الإسرائيلي ومعادية لدولة إيران الإسلامية (الشيعية)، يا سبحان الله، هؤلاء هم من ينطبق عليهم معنى الآية الكريمة بِسْم الله الرحمن الرحيم (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴿١٣﴾ ...) صدق الله العظيم

 

خامساً:        نتيجة لتلك السياسات الموجهة لتفكيك مجتمعاتنا العربية وإشغالهم بقضاياهم الفردية والخاصة ولاعتقاد مُفكرو الحركة الصهيونية في الغرب والعالم اجمع بأنه قد آن الأوان لتفكيك وتصفية القضية الفلسطينية بشكلٍ نهائي، والبدء بالإشهار العلني بقضية التطبيع السافر مع العدو الصهيوني، ابتداءً من مؤتمر فارشاو (وارسو) عاصمة بولندا الأمني وانتهاءً بمؤتمر المنامة بالبحرين الاقتصادي، وجميعها خطوات هدفها ترويض الأمة العربية والإسلامية وتعويدها على مشاهد التطبيع الخياني المجاني لـ (قادتها) مع العدو التاريخي للأمة العربية والإسلامية.

 

سادساً:        القضية الفلسطينية هي قضيةٌ سياسية محورية للعالم اجمع وعمرها يزيد عن 71عام وهي قضية احتلالٍ اجنبي لأرض مُغتصبة، فإذاً هي قضيةٌ سياسية بامتياز، أما الجانب الاقتصادي على أهميتها فهي تابع للشق السياسي؛ والغريب في الأمر فإن السيد/ جاريد كوشنير قد رصد في (أطروحته الاقتصادية) التي قدمها بالندوة مبلغ متواضع (50 مليار دولار) موزعة على عشر سنواتٍ وهذا المبلغ مقابل توطين أهلنا اللاجئين الفلسطينيين في كلٍ من لبنان ومصر و الأردن وبناء مشاريع في الضفة الغربية وقطاع غزه، وهذا هو الجانب المُعلن بطبيعة الحال من المعالجات وربما المخفي أعظم، أما لو قارنا ضآلة المبلغ مع سخاء ما قدمه الأَعْرَاب للسيد/ دونالد ترامب والذي تم التعاقد معه على قرابة 450 مليار دولار لشراء أسلحةٍ ومعدات وأثاثٍ، هنا ستكون المقاربة صعبةً للغاية، لكن لأنَّ المشروع برمته قد ولد ميتاً فلن نخوض في تفاصيل المقارنات والمقاربات وخلافه.

 

سابعاً:        لأنَّ فلسطين هي قضية مركزية لجميع أحرار العالم بمن فيهم الشعوب العربية والإسلامية ولهذا كان الجميع في حالة تناغمٍ في توحيد الموقف السياسي العربي الشعبي والحزبي من صفقة المهانة والمذلَّة والعار، والجميع وقف ضدها بثباتٍ من ممثلي السلطة الفلسطينية والمقاومة بمختلف تنوعها الإسلامي والوطني ومن جميع أحزابها الحرة المقاومة، هكذا تمَّ دفن فضيحة القرن وبشكلٍ علني، لأنَّ المساومة والبازار والحراج والمزاد يتناقض كلياً مع قيم ومبادئ الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني البطل.

 

الخُلاصة:

لن يتوقف المشروع الغربي الاستعماري الاحتلالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وعملائها وأذنابها العرب من مواصلة تنفيذ مشاريعهم الخسيسة وبكل السبل بهدف وأد ودفن قضية الشعب الفلسطيني العادلة خدمةً للعدو الإسرائيلي الصهيوني، وسيكررون مثل تلك المحاولات مرات ومرات، لكن يقظة وجاهزية المقاومون الأحرار للمشروع التطبيعي مع العدو الصهيوني كفيلة بإفشال جميع مخططاتهم الاستعمارية القذرة، والله أعلم منا جميعاً٠

 

 

﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ

 

 

www.almayadeen.net/articles/opinion/962013/صفقة-القرن-وصمة-عار-للمطبعين-من-القادة-العرب

 

ليست هناك تعليقات