اليمــن .. من بذخ التاريخ إلى ثبات بالحاضر .. أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور | 07-04-2016م - مؤسسة دار إبن حبتور للعلوم و الثقافة و التوثيق الخيرية

اليمــن .. من بذخ التاريخ إلى ثبات بالحاضر .. أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور | 07-04-2016م

 

اليمــن .. من بذخ التاريخ إلى ثبات بالحاضر ..

 أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور | 07-04-2016م

مقـال نُشـر بتاريخ : 07-04-2016م


اول من كسى الكعبة ملك يمني وحكمته اقوى امرأتين في التاريخ .. 

و يقاوم اغنى تحالف في العالم

الكتابة حول سرديات التاريخ الموثق والمحكي لها أساطيرها وحكاياتها وقصصها العديدة، وما من شك بان هناك تباين واضح في قراءتها و الاتعاظ من دروسها، وتتعدد بطبيعة الحال حولها القراءات و الاستخلاصات، لكن هناك إجماع بين المؤرخين الثقات والمثقفين ذو الباع الطويل في الشأن الثقافي العالمي، بان الحضارات والديانات الموثقة بالنقوش والكلام المنزل من عند الله أصبح الجدل الخلافي فيها محدوداً، وأنها أصبحت من مسلمات الفكر والتراث الإنساني ، إما محاولة استنطاق التاريخ مرة أخرى، ما هي إلا ترف ثقافي، او لَغو عديم الفائدة العلمية.

واليمن بكل معطيات حضاراته أصبحت إحدى هذه المسلمات لأنه تاريخ موثق ومكتوب بالنقوش السبئية والحميرية وأكدتها الرسالات السماوية بحروف من نور لا لَبْس فيها ولا جدال، وآخر هذه الرسالات ما ورد في كتابنا المقدس القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة للرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم .

ان الإشارات لمراجع التاريخ للأمم هي من بديهيات تثبيت الحق لإصحابه، ومرجع مهم لرصد سلوك الامم والأقوام التي عبرت في مجرى رحلة الحياة السرمدية، وهذ الامر أمر تذكرته جيداً، حينما كنت طالباً في أثنا مرحلة الدراسات العليا في جمهورية ألمانيا الاتحادية ، إذ كان الأساتذة والمشرفين على مجموعتنا حريصين كل الحرص على مرافقتنا لزيارة المعالم التاريخية للقبائل الجرمانة وزيارة المتاحف والقلاع القديمة لتثبيت الدرس الأول وهي مرجعية الأمة الألمانية بتاريخها الإنساني، مع انهم لم يُحضوا كثيراً بما حُضينا به نحن اليمنيون  من ترف لافت بذلك ألكم من الشواهد التاريخية، من زمن تجاوز 3500 عام هي بداية الحضارة اليمنية الموثقة .

وحينما يكون التاريخ شاهد على الأمة أيٍ كانت  هذه الأمة سنجد الإجابات الموضوعية يترجمها فعل الحاضر، وتستتبعه النتائج الإيجابية لأجيالها المتعاقبة، ولكي لا يكون حديثي عائماً دون إسناد مُثبت بوقائع وشواهد من كنوز تاريخنا القديم، سأورد سبعة شواهد فحسب، مع انني لو تركت للقلم حريته للكتابة في هذا المضمار الخصب لما توقف وقد يصبح عبئاً ثقيلاً على القارئ اللبيب.

ما هي المعطيات السبعة التي أنجزنا بها تاريخ اليمن:

أولاً:  كسى الكعبة المشرفة أحد التبابعة اليمانيين ( أحد ملوكها )، اي انه اول ملك في التاريخ الإنساني يقوم بهذا الفعل المُشرف هو يمني،  كما خُصِّص لليمانيين ركن بالكعبة المشرفة، أسمها الركن اليماني وهذه لعمري مكرمة التاريخ كله لليمانيين.

ثانياً:  اليمن أصل كل الهجرات العربية التي غطت جغرافيا الجزيرة وشمالها منذ الهجرات السامية الأولى وهجرة أبو زيد الهلالي وحينما تفرقت أيادي سباء بإنهيار سد مأرب العظيم وإلى المدد الشبابي الكاسح في كل الحملات العسكرية في جيوش فتح أصقاع الأرض في الفتوحات الإسلامية، ووصلت هجراتهم إلى شمال أفريقيا وغربها، ولذلك يُنسب اليهم انهم أصل العرب

ثالثاً :  اليمانيون  أول من خط بالحرف العربي اليماني ، وهي حروف الخط المُسند الذي كتبوا بها تاريخهم العسكري والسياسي و الإقتصادي والقانوني ووثقوا كل علاقاتهم  من الهند شرقاً وحتى بلاد الرافدين شمالاً وحتى لفرعون الذي أسس ملكه في أرض الكنانة وإلى شرق إفريقيا، نعم وثقوا تاريخهم لكي لا يغالطهم أحد في قادم الأيام.

رابعاً:   ذكر الله في محكم كتابه الكريم اليمن واليمينيون في أكثر من سورة وآية، منها سورة سباء وسورة الأحقاف، وهذه مكرمة إلاهية عظيمة لم يخص الله شعب آخر بهذا السخاء العظيم .

خامساً:   حَكمت اليمن أعظم امرأتان بالتاريخ العربي في محيطنا العربي والإسلامي وكان لحكمهن بصمة مؤثرة بالتاريخ الإنســاني وهن الملكة بلقيس ملكة سباء وعاصــمتها مأرب، والسيدة/ أروى بنت أحمد الصليحي ملكة الدولة الصليحية وعاصمتها مدينة جِبله أحدى ضواحي مدينة إب  .

سادساً:   خَص النبي / محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم الشعب اليمني ما يزيد من خمسة واربعين حديث نبوي شريف صحيح عن اليمانيين، وهذا لم يحدث في تاريخ اي شعب آخر في هذه الدنيا.

سابعاً:   تميز الشعب اليمني في الجزيرة العربية انه أنجز ثورتين هما / ثورة 26 سبتمبر ضد النظام الأمامي البائد في شمال اليمن وثورة 14 اكتوبر ضد الاستعمار البريطاني المحتل في جنوب اليمن، وأقام الوحدة اليمنية المباركه في 22 مايو1990م، الذي تآمرت عليها دول الجوار العربي منذ اليوم الاول من قيامهما ولا زال ذلك التآمر قائماً حتى لحظة كتابة هذه الأسطر .

هذا بعض عطاء وسخاء التاريخ لليمانيين منذ فجر ميلاده بالماضي المُشرق، وهذا اليمن العظيم محدود الثروات، والمثقل بعدد كبير من  الأميين من مواطنيه، ولا يمتلك إلا بنية تحتية متواضعة، ومستو دخل الفرد فيه من أقل الدخول في الجزيرة العربية والعالم، وعصفت به الأزمات السياسية والإقتصادية كغيرها من دول ما سُمي ( بالربيع العربي )، والان يتعرض هذا البلد الفقير المسالم لعدوان سافر فاضح من قبل جيرانه ( الأكثر ثراءاً في العالم ربما )، وبحلف أعرابي للأسف، وبغطاء أمريكي غربي، وأستمر ذلك العدوان لأكثر من عام، ويتعرض لحصار غير مسبوق جواً، براً وبحراً، ومُنع عن الشعب الغذاء والدواء والوقود، ومحاصر إعلامياً على مستوى الإعلام العالمي بقوة ونفوذ المال المسموم، ومع ذلك تبرز سبعة معطيات تمثل خلاصة الصمود والانتصار العظيم للإنسان اليمني.

إذاً ما هي المعطيات السبعة كعلامات شموخ النصر للحاضر ؟

أولاً:   إنها اول حرب بالتاريخ يجتمع فيها الأثرياء العرب وتحت غطاء أعظم دولة إمبريالية بالعالم بحلفها غير المقدس ضد أفقر دولة بالجزيرة العربية وهي اليمن، ومع ذلك صمد الجيش اليمني والأمن  واللجان الشعبية وجموع المواطنين لأكثر من عام في وجه همجية العدوان البربري.


ثانياً:   في أثناء الحرب العدوانية مُنذ انطلاقتها على اليمن قبل عام ونيف تواصلت الدول المُصنعة للأسلحة بأنواعها في توريد الأسلحة لدول العدوان وبصفقات مُذهلة تجاوزت عشرات المليارات، وفي الوقت ذاته مُنع عن الجيش اليمني واللجان الشعبية إستيراد حتى طلقة مسدس ماكروف وطلقة رشاش كلاشينكوف، ومع ذلك تستمر المقاومة للعدوان، اليس هذا من وحي أساطير السحر والمعجزات في الحياة اليمنية .


ثالثاً:   فُرض حصاراً جائراً من الجو والبر والبحر، و مُنع عليه الدواء و الوقود و الغذاء ومع ذلك تعايش وتكيِّف المواطن اليمني مع معاناة ما ينتج عن الحرب، وتكيفوا لمقاومة العدوان من كل الشرائح اليمنية، ولم تتوقف الحياة بل أظهروا تضامن داخلي وتعاون وتآزر قل نظيره مع النازحين الذين تجاوز عددهم أثنين مليون وأربع مائة ألف ويزيد ودون مساعدة تُذكر من أحد .

رابعاً:   قاومت الأسرة اليمنية العدوان بتطبيع الحياة برغم ضنكها وشظفها، فكانوا يرسلون أبنائِهم إلى الجامعات والمدارس والمعاهد في ذروة قصف طيران العدوان على القرى والمدن، وكنا نستمع في صباح كل يوم جديد طيلة زمن العدوان نغمات حناجر اطفالنا ونزداد معهم مع كل هذه الإشراقات الصباحية بجرعة وطنية تزيد في الشعب اليمني صمود وكبرياء، اذ كانت طالبات وطلاب المدارس يرددون اللحن الخالد للنشيد الوطني / رددي أيتها الدنيا نشيدي، 

ردديه و أعيدي و أعيدي، 

و أذكري في فرحتي كل شهيدي ......

لن ترى الدنيا على أرضي وصيا، 

وهذه الحناجر الشابة توصل صوتها لعنان السماء ليسمعوا العالم إحدى أسرار عنفوان اليمني في لحظة مقاومة العدوان .


خامساً:   وقبيل انطلاق العدوان وبتنسيق او بدونه غادرت كل الشركات العاملة في حقول النفط والغاز انتاجاً وتصديراً، وتوقف معها ضخ العملات الصعبة إلى الموازنة العامة للدولة التي قدرها القائم بأعمال معالي وزير المالية الأستاذ/ محمد ناصر الجند بحدود 10 مليار دولار، وكانت تشكل ما يقارب من 70% من إيرادات الموازنة العامة للدولة، ومع ذلك ظلت مرتبات موظفي الدولة كلها مع فئة المتقاعدين وغيرهم يستلمون رواتبهم إلى لحظة كتابة هذه الأسطر، وتصرف الرواتب في كل حدود الجمهورية اليمنية بما فيها تلك المحافظات الواقعة تحت الإحتلال السعودي الإماراتي ومرتزقتهم وحلفائهم من تنظيم القاعدة و الدواعش في كلٍ من عدن ولحج وأبين وأجزاء من الضالع وتعز وشبوه وحضرموت ومأرب، ألا يدل ذلك إلا على شيء واحد بانها المعجزة اليمنية الخارقة في معالجة أهم وأخطر حلقات إثبات وجود الدولة بمسئولياتها، مع ان هدف العدوان هو تدمير أسس ومقومات الدولة اليمنية ولكنها لم تنجح .


سادساً:   تلاحم كل القوى الوطنية المقاومة للعدوان وفي مقدمتهم حزب المؤتمر الشعبي العام بقيادة الزعيم / علي عبدالله صالح وكل القوى الوطنية في الجبهة المقاومة للعدوان وحزب أنصار الله ( الحوثيين ) بقيادة الزعيم الروحي السيد / عبدالملك بن بدرالدين  الحوثي .


سابعاً:   بعد عام من العدوان المتواصل الذي استهدف تدمير معظم البُنى التحتية وكل ما يتصل بمقومات إستمرار الدولة حتى ما بعد إنتهاء الحرب، والقتل المتعمد للمواطنين المدنيين بهدف كسر إرادة الشعب اليمني، إلا ان الجواب جاء مزلزلاً  في يوم السبت الموافق 26مارس 2016م، ذكرى مرور عام على العدوان، إذ احتشدت الملايين من اليمنيين  في ميادين العاصمة صنعاء وشوارعها وأزقتها وساحاتها في مهرجان العزة والصمود لمقاومة العدوان بين ميدان السبعين وساحات الكلية الحربية بالروضة والمتفرع من شارع المطار، كانت الحشود الجماهيرية الهادرة  تبعث برسائل متعددة، إحداها مفاده ان الشعب اليمني  يتوق للسلام والحريّة ولكنه سيستمر في مقاومة  العدوان مهما كلف الثمن، وكانت رسالة قوية للأعداء وكل مرتزقتهم بالداخل والخارج، وهي رسالة للأشقاء العرب وللأصدقاء الذين أدانوا العدوان السعودي وحلفائه على اليمن، كما انها رسالة للعالم قاطبة  بإبلاغهم بان الشرعية الحقيقية هي في هذه الحشود الهائلة من الجماهير الرافضة للعدوان.


نضع القارئ اللبيب امام المشهد بتجلياته بمرجع التاريخ ومعطيات الحاضر، كي يستنتج بفطنته ان صمود اليمن هي القاعدة الأساسية في معادلة الحياة والموت منذ فجر التاريخ إلى يومنا وإلى ان يرث الله الارض ومن عليها .

﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾

 

المقال نُشر في :



ليست هناك تعليقات