* علي ناصر محمد .. أرجوك تقرأ هذا ..! / بقلم: محمد العولقي
14 يوليو .. ماذا يمثل للجنوب أرضا و إنسانا ..؟
ربما لا شيء بالنسبة لكم، ربما كان رقما هامشيا لا يعني الكثير، طالما وقد سقط هذا اليوم من ذاكرة السياسيين و الرياضيين سقوطا مدويا للأسف الكثير ..
لكن الأمر بالنسبة لي مختلف عنكم 360 درجة، وهذا لا يعني أنني أكثر نباهة من ذوي الشأن ، فالأمر في النهاية مجرد اجتهاد أو فضول كاتب يحرص أن يكون دائما خارج النص .
من المفترض أن يدفعني سببان للانحياز ليوم 14 يوليو، فأنا أولا من هواة تتبع أرقام التاريخ التي ترتبط بأحداث سعيدة، و ما أقلها في هذا الوطن الذي أصبح مرتعا للفساد و الفاسدين و القراصنة الناقمين ..
وثانيا : لأن يوم 14 يوليو هو يوم الرياضيين في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في أيام سادت ثم بادت ..
لكن سببا ثالثا هو الذي جعلني أتوقف طويلا أمام هذا اليوم التاريخي، يتعلق بعقوق من أطلقوا عليه عيدا للرياضيين ، فقد كنت أظنهم لن يفوتوا الفرصة وسيتذكرون يومهم وبدرهم في الليلة الجنوبية الظلماء، بإحياء هذا اليوم ولو بشاردة من هنا أو واردة من هناك ، لكن الأيام غير الملاح أكدت لي أنني كنت سيء الظن ، وأن لا كرامة للرياضيين الجنوبيين حتى في يوم عيدهم، فلا رئيس تذكر منجزه، ولا قيادات سابقة مسحت الغبار عن هذا اليوم ..
بالطبع لا يمكن المرور على يوم 14 يوليو مرور الكرام، دون الإشارة إلى تأثير رجلين جعلا من هذا اليوم عيدا رياضيا رسميا كامل الأركان و الأوصاف ..
الأول : بلا شك الرئيس علي ناصر محمد الذي قدم في ذلك اليوم من العام 1973 ورقة عمل مبهرة ، شخصت الوضع الرياضي باحترافية مذهلة، و كانت بمثابة خارطة طريق وضعت الرياضة الجنوبية على قضبان سكة الإدارة الرياضية المنضبطة خلقا وسلوكا وعملا و التزاما ..
والثاني : الأخ العزيز - أطال الله في عمره - أحمد محمد قعطبي وزير الدولة لشؤون الرياضة ورئيس المجلس الأعلى للرياضة ورئيس اللجنة الأولمبية الجنوبية ، هذا الرجل التقط مفتاح تلك الخارطة بحدس قيادي خبير، وعن طريقه تمت صياغة و بلورة جديدة للرياضة الجنوبية بعناية فائقة، فتخلصت الرياضة من غثاء الأندية الدكاكينية و تراكماتها الليمونية وإداراتها الكاريكاتورية ، منطلقا نحو رؤية وطنية جديدة انتصرت أولا للفكر السليم قبل الجسم السليم ، و قطعت باب الارتزاق على قيادات هلامية من خلال وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ثانيا ، و هو ما جعل للرياضة الجنوبية معنى و مبنى و مغنى، في ظل انفتاح شامل على تكريس الهوية الوطنية عبر بوابة الرياضيين، وبحسبة انتصرت للعقول و ألغت تطلعات العجول، و راعت التوازن المطلوب بين الكم و الكيف ..
تبنى الرئيس علي ناصر محمد فكرا جديدا في زمن الهواية بعقلية الاحتراف ، لكنه أولى كرة القدم عناية خاصة تفوق الوصف، لأنه كان يعلم مدى قوة تأثيرها على مزاج الناس، و مدى شعبيتها و أهميتها في كتابة تاريخ جديد لبلد خرج للتو من تحت انقاض المبدأ الإنجليزي سيء الصيت (فرق تسد) ..
وعندما اختار الرئيس علي ناصر محمد يوم 14 يوليو عيدا للرياضيين، فقد كان يؤمن تماما بحكم بصيرته الفذة بأن الرياضة قوة فاعلة للاندماج الاجتماعي و التثقيف المدني، بالإضافة إلى قدرة الرياضة على خلق جيل واع متقد المشاعر و الأحاسيس، بغض النظر عن الإمكانات المادية الشحيحة ، فعندما ركل الرئيس الكرة في ملعب الناس بذكاء، فقد كان في الواقع يمرر رسائل لا تقرأ من بين السطور فقط ، ولكنه يطلب الكفاح في الملاعب الترابية و الحلبات الأسمنتية وقهر المستحيل وتحويل الفسيخ إلى شربات بعزيمة لا تلين و إرادة صلبة لا تستكين، فبدون النحت في الصخر لا يمكن أن تشعر بأي قيمة لأي منشأة رياضية شيدتها دراما شهد و دموع الرياضيين ..
يوم 14 يوليو بالنسبة للرياضيين في (ج - ي - د - ش) كان يوما من الدهر صنعت أشعته شمس قيادي سياسي ، مارس حكمه بحنان الأب و صرامة المعلم ووقار حكيم لم يطلب علما في الصين، ولم يلعن ظلام تراكمات مرحلة كان حابلها يضاجع نابلها ..
ربما كان عتابي للرئيس الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد الذي حلق بالرياضة بجناحي ذلك اليوم الأغر، عتابا حلوا لا يحتمل التأويل، فقط لأنه كان الأولى مني و ممن نخر السوس ذاكرتهم تسجيل وقفة ذكرى، حتى لو جاءت محمولة فوق بساط تراجيدي يبكي زمان وصل الرياضة الجنوبية بكل إرثها، و حلاوة متاعبها و مصاعبها ..
لكن يبدو أن أبا جمال الذي يسكنه شعبه في قفصه الصدري، محاصر بإرهاصات و إكراهات المرحلة السياسية الحالية المعقدة جملة وتفصيلا ، و لا وقت في أجندته السندبادية للاحتفاء بذلك اليوم المجيد، رغم أنه هو من جعل ذلك اليوم منطلقا نحو آفاق مشروعة ، وبداية ثورة تصحيح شاملة لمسار الرياضة الجنوبية ، في وقت كان الحديث عن الإدارة المحترفة أشبه بالحديث عن حرب النجوم بين الغريمين الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد السوفيتي ..
هل المسألة يا أبا جمال مسألة كرامة وسط رماد الواقع و مخلفات الفرقاء ..؟
بالطبع نعم ..فمسألة يوم 14 يوليو أصبحت هاجسا، لأن إسقاطه من ذاكرتك ومن أرشيفك السياسي يمس سيادة وطنك الرياضي الذي بنيته بفكرك، و شيدته بعرق و وأرجل و رؤوس ودموع أبنائك الرياضيين ، حين برهنت أن البطولة يمكن أن تأتي عبر الرأس و القدم بعيدا عن سلاح الدم و الندم ..
لست هنا بصدد ممارسة تعبئة علنية من اللوم والعتب ، فأنت دائما مهما اختلفنا معك أيها البريزيدانت فوق كل جبال اللوم و تلال العتب ، لكن الأمر يتعلق بضرورة رد اعتبار هذا اليوم، ولو من باب الذكرى التي تنفع المؤمنين ..
وللذين همشوا يوم 14 يوليو، أو تناسوه تحت ضغط مشاكل الحياة، وجبروت سياسيين يمارسون تجويع الشعب، أطالبهم بضرورة تحري قراءة منجزات هذا اليوم بدقة متناهية ، حتى لا يطالبونني بتحري الدقة عند الكتابة ..
دائما أصعب الرسائل تلك التي تكتبها لرجال صنعوا التاريخ ، ثم ترجوهم إعادة الاعتبار لتاريخ هم من صنعوا رحيقه و عسله، ثم تناسوه، أو غيبوه، فلم يعد يمثل لهم سوى رقما شأنه شأن كل أرقامنا الكئيبة و المملة التي تشابهت علينا مثل البقر ..
هذه رسالة من كاتب رياضي أزعم أنني مناصر للحق، زاهق للباطل، أطالب فيها الرئيس علي ناصر محمد بضرورة إنعاش ذاكرته الفولاذية و كتابة رسالة لأبنائه الرياضيين الجنوبيين في صورة تهنئة بعيدهم، حتى ولو كانت هذه التهنئة قد تأخرت لثلاثة عقود كاملة ..
نعم يا أبا جمال يوم 14 يوليو ليس عيدا للرياضيين فحسب، إنه أيضا عيدك الخاص الذي ولد من رحم معاناة المصاعب و المشاق و هموم السلطنات ، فولد رياضة جنوبية قارعت رياضة العربان و دول آسيا رأسا برأس، عيد لفكرك و سلامة رؤيتك في تأسيس وطن رياضي كامل السيادة يحتضن المبدعين الأصحاء، ولا موطئ قدم فيه للقيادي النطيحة و المسؤول المتردية ..
تكامل الرياضيون معك في أيام العز مرات كثيرة، و تقاطعوا معك مرات أخرى قليلة ، لكن تبقى القاعدة الأساسية أنك حققت يوم 14 يوليو التكامل الرياضي الذي صنع فيما بعد معجزة الملاعب المعشبة و الصالة المغطاة و أندية تفتح النفس وسط ظروف مالية بالغة السوء ، فكيف لنا ولك أن نسقط من الذاكرة يوم عيدك و عيدنا ..؟
الهامتان علي ناصر محمد و أحمد محمد قعطبي ننتظر رد الاعتبار ليوم 14 يوليو ما دام في عمريكما بقية ..!
أضف تعليق